الصرع مرض قديم قدم التاريخ، فقد نسب إلى حمورابي ملك بابل (2080ق.م) فقد أصدر القوانين التي تنظم زواج مرضى الصرع وشهاداتهم أمام المحاكم، وقد ورد ذكر الصرع في التوراة وفي... كتابات هبيوقراط حيث أشارت إلى وجود الصرع وانتشاره في عصره، هذا ويرتبط ذكر الصرع عند الناس بالخوف، نتيجة للاعتقاد بأنه مس من الشيطان أو أن صاحبه مسحور، غير أن التاريخ عرف شخصيات عظيمة كانت تعاني من مرض الصرع، ومنهم الإسسكندر الأكبر، يوليوس قيصر، نابليون بونابرت، لورد بايرون، تشايكوفسكي، أجاثا كريستي وريتشارد بيران... وغيرهم. وكلمة الصرع Epilepsy مشتقة من الكلمة اليونانية Epilepsia بمعنى النوبة، وتستخدم لتشير إلى الحالات التي تصاب بتشنجات حركية أو حسية تحدث بصورة دورية على نطاق محدود، وعادة ما تكون النوبات مرتبطة بالتفريغ الكهربائي المفاجيء داخل خلايا المخ الذي يؤدي بدوره إلى اختلال النمط الإيقاعي العادي للنشاط الكهربي في المخ، وتظهر آثاره في مجموعة من الأعراض أهمها غياب الشعور وهياج الجهاز العصبي المستقل، وحركات عنيفة واضطراب نفسي، ولذا فيعرف الصرع بأنه مرض تحدث فيه نوبات عصبية مفاجئة، تتميز بفقدان الوعي والإحساس، وربما تكون مصحوبة في البداية بأعراض ظاهرة، وتختلف هذه النوبات في خطورتها وتقارب حدوثها. كما يشير الصرع إلى حالة مزمنة من التغير الفجائي لنشاط الدماغ مصحوبة بفقدان الوعي أو عدم فقدانه تنشأ من أصول متعددة وتأخذ شكل نوبات متكررة تبدأ وتنتهي تلقائيا بصرف النظر عما يرافقها من أعراض، كما يشير إلى خلل في الدماغ نتيجة لعطب فيه أو في وظائفه مثل رضوض الدماغ أثناء الولادة أو نقص الأوكسجين قبل الولادة وبعض الأنواع الالتهابات الحادة في الدماغ كالتهاب السحايا والتسممات والعوامل الجينية، أو نتيجة لعيوب خلقية. وأورد أحمد عكاشة (1998) ضمن دليل تشخيص الأمراض النفسية للجمعية المصرية للطب النفسي أن أكثر الاضطرابات شيوعا في حالات الصرع هو فقدان الوعي قبل الهجمة التشنجية وبعدها، حيث يظهر المريض تفاعلا غير واع قد يكون مصحوبا بخلط وارتباك شديدين، وقلق وقد تأخذ الهجمة الصرعية شكل نوبة هياج مع هلوسة وفقدان للتركيز، وخوف شديد وثورة عنيفة. وتشير بعض التقارير الصادرة عام 2005 أن ما يقرب من 5 في كل ألف شخص في الولاياتالمتحدة يعانون الصرع، وإن كانت التقارير الحديثة تشير بأن هناك أكثر من 205 ألف أمريكي من الأطفال والراشدين من مرضى الصرع، وأنه تظهر في كل عام حوالي 300 ألف حالة صرع جديدة، 40% منهم تحت سن 18عام، وأن الذكور أكثر عرضة للإصابة به من الإناث، هذا ويحدث الصرع عند طفل واحد من كل 500 طفل، أي أن نسبة حدوثه 0.5% ، هذا وتصل نسبة انتشار مرض الصرع في أوروبا 2.7إلى 3.3 بين كل مائة شخص، وفي آسيا تصل 2 إلى 10 بين كل مائة شخص، وفي إفريقيا 3 إلى 9 بين كل مائة شخص. وقد أوردت بعض التقارير في عام 2005 أيضا أن نسبة الإصابة بهذا المرض بين الأطفال تزيد عن نسبة الإصابة به بين الكبار بمقدار ثلاثة أضعاف، وفي بريطانيا تبين الإحصاءات أن 12.5% من الحالات التي تم فحصها يقل فيها سن المصاب عن ثلاثة أعوام، و38.5% يقلون عن سن عشرة سنوات، و43.5% تتراوح أعمارهم بين سن العاشرة والعشرين؛ أي أن الأطفال هم أكثر عرضة للإصابة بهذا المرض. ومن أنواعه الصرع العضلي الارتجاجي المعجز عن الوقوف Myoclonic- Astatic Epilepsy، والصرع الصبياني العضلي الارتجاجي، والصرع الخفيف Pykno Epilepsy، والصرع الرولاندي Rolandic Epilepsy. وفي الظروف العادية تقوم الخلايا العصبية بإرسال واستقبال الإشارات العصبية المختلفة، ويجب أن تكون هذه الخلايا قادرة على استقبال تلك الإشارات واتخاذ القرارات المناسبة لكل موقف، وأثناء نوبة الصرع عندما يحدث اضطراب لتلك الخلايا العصبية تختل معها عمليات الإرسال والاستقبال، ذلك أن تعرض تلك الخلايا المخية للإستثارة بسبب التغيرات العضوية أو الكيميائية المفاجئة أو بسبب حدوث عطب يصيب تلك الخلايا يجعلها تقوم بنشاط زائد يؤدي إلى حدوث النوبة الصرعية. ويحدث الصرع إما نتيجة لأسباب ولادية أو ما قبل الولادة، وإما نتيجة لعوامل وراثية مثل إصابة أحد أفراد الأسرة بالصرع، أو نتيجة لعوامل بيولوجية كأن يوجد اضطرابات في التغذية أو زيادة كمية الماء في الجسم أو صدمة أو جرح في المخ... إلخ، وقد يحدث نتيجة لعوامل نفسية واجتماعية مثل الانفعالات الحادة والقلق الزائد، والصراعات والضغوط النفسية، والإرهاق والإنهاك النفسي، أو تعرض الفرد لمواقف الفشل المتكررة، ووجود مشاعر النقص والدونية لدى الفرد، والخوف من المجهول، وعدم الثقة بالنفس، وانخفاض تقدير الشخص لذاته. وتتمثل طرق علاج الصرع في العلاج العضوي باستخدام الأدوية المهدئة والتي تقلل من الصرع ونوبات حدوثه، ويوجد أيضا التدخل الجراحي عن طريق الصدمات الكهربية أو استئصال الأعصاب التالفة، وأيضا يوجد العلاج النفسي، حيث غالبا ما يعاني مريض الصرع من الكثير من الاضطرابات الأسرية والنفسية والاجتماعية، ويساعد العلاج النفسي المريض على تقوية مصادره الذاتية لمواجهة الاضطرابات التي يعانيها، ثم يأتي في النهاية العلاج الغذائي، كأن يوصف للمريض وجبات غذائية مخصصة له تساعده على تقبل الأدوية إذا تطلب الأمر. *أستاذ التربية الخاصة المساعد بكلية التربية جامعة الملك عبدالعزيز