لابد من الاعتراف، بأن مهنة الطب لم تعد المهنة التي توارثها أصحاب الحكمة والعقل الراجح، ولا التي مارسها الأطباء المتميّزون الذين أبدعوا في تشخيص الأمراض، وعالجوا الأرواح والأبدان معا، فقديما كان ينادى الطبيب بقول "ياحكيم" لتميّزه بحنكة وشخصية منضبطة، فيما شاب اليوم هذه المهنة ما شاب غيرها من المهن، وغدت حرفة ليست بذلك التميّز الذي كانت تُعرف به، وباتت - في كثير من المجتمعات - رهينة رؤوس الأموال، والامبراطوريات الخاصة، وبعض الإداريين الفاشلين من الأطباء غير المتميزين، واضطر بعضهم إلى التخلي عن الرسالة التي كانوا يحلمون بأدائها، لاصطدامهم بواقع طبي، جعلهم يعيدون حساباتهم، ويلجأون إلى المتاجرة بأخلاقهم المهنية، في سبيل مكاسب آنية. وتكمن - في رأيي- بعض أسباب هذا الواقع الأليم، في الحاجة إلى تعبئة "سوق الطب"، بعدد كبير من الأطباء، لسد القصور في الخدمات الصحية، في كثير من المستشفيات الحكومية والخاصة، لكن ذلك تم على حساب السلوك المهني لكثير من الأطباء، ومستوياتهم العلمية، وقدراتهم الحِرَفية، التي لا تؤهل كثيرا منهم، لتشخيص وعلاج الأمراض، بأحدث الطرق العلمية، والإرشادات العالمية، ناهيك عن معاملة المريض بطريقة إنسانية. وقد اتجه كثير من المؤسسات الصحية، إلى استقدام كوادر طبية وتمريضية، من مجتمعات تُصدّر شتّى أنواع العمالة الرخيصة، بكميات تجارية، بغية توفير الإنفاق وزيادة المكاسب، دون اعتبارات أخلاقية، وذاك أحد أهم أسباب كثرة الأخطاء الطبية، وتدهور البيئة المهنية، وانخفاض مستوى الرضا عن الخدمات الصحية. تزعم بعض إدارات المستشفيات، حصولها على شهادات الجودة الطبية، وهذا - في رأيي - لا يعدو أن يكون طريقة لذر الرماد في العيون، ووسيلة أسرع للكسب، ومحاولة لمواجهة تساؤلات المواطنين، عن أسباب ضعف الخدمات الطبية المقدمة إليهم، على الرغم من توافر الإمكانيات المادية والتقنية. لكن من باب الإنصاف، توجيه تحية تقدير واحترام لكثير من الأطباء المؤهلين تأهيلا عاليا، فهم يزاولون مهنتهم بإنسانية أصيلة، ويسلكون مسلكا مهنيا وأخلاقيا راقيا، إلا أنهم في واقع الحال، أقمار في فلك حالك، ونجوم في سماء مُعتمة، لايكفي نورها لإضاءة الأفق المظلم، لكنها تبقى نجوم، تسر الناظرين، وتدلهم على معالم الطريق الصحيح. الدكتور/ أيمن بدر كريّم استشاري الجهاز التنفسي واضطرابات النوم.