بات تدهور الخدمات الطبية، قضية رأي عام، وبخاصة بعد نمو مشكلات الرعاية الصحية، وتفاقم الشكوى من هذا المرفق الحيوي، الذي يعد واجهة حضارية، ومعيارا يقيس تقدم المجتمعات الغربية، التي بالرغم من مواجهتها تحديات في هذا القطاع، إلا أنها تجاوزت منذ عقود، ما تحاول الأنظمة الصحية في المجتمع السعودي إدراكه، وحققت كثيرا من المنجزات، التي ما زالت مجهولة المعالم لدى عدد من المؤسسات الطبية. ويكفي النظر إلى ما يتلقاه المواطن العادي، من أرقى وسائل التشخيص والعلاج في بعض المجتمعات الغربية، وماتوفره السلطات الصحية هناك من رعاية أولية ومتقدمة، ومقارنتها بمستوى الخدمات الصحية في بعض البلدان العربية، حتى يتضح الفارق الجلي، ويظهر القصور السافر في المسؤولية الإدارية والمهنية، ليتكبد بسببها كثيرون من المواطنين خسائر لايمكن تعويضها في الأنفس، ناهيك عن الأموال. فالكوادر الطبية الوطنية المؤهلة والمدربة، تواجه عراقيل توظيفها وتقديرها وتطويرها، وعوامل تهميش دور الرعاية الصحية الأولية في تدرج الهرم الطبي، واستقدام «من هبّ ودب» ليرتع في أرواح الناس، وتمركز الكيانات الصحية الكبيرة في المدن الكبرى، وغيابها عن أطراف البلد، وقصور أنظمة الإحالة الطبية، وتأخر مواعيد الكشف والفحوصات، إضافة إلى تنامي ظاهرة «الإمبراطوريات الطبية» التي أنهكت جيوب الناس، ولم تفيهم حقهم من الأداء المهني، هي كلها عوامل تذمر الناس منها. ومن مظاهر التهاون في خدمات هذا القطاع الإنساني، اضطرار كثيرون من المواطنين، إلى استجداء «الواسطة»، والبحث عن «المعرفة»، وإقحام «التوصية» حتى في هذه المهنة الإنسانية، فضلا عن انشغال بعض المتنفذين في بعض الكيانات الصحية، بدعم تكتلاتهم الإدارية، واجتماعهم على مصالحهم الشخصية، مما أحبط كثيرا من المواطنين، لشعورهم بتخلي الأنظمة الصحية، عن حقهم في حياة كريمة.. وبوصفي طبيبا وكاتبا، لايسعني إلا محاولة لمس بعض تلك المشكلات التي نغصت على كثيرين من الناس عيشهم، بالرغم من أن الحلول ليست غائبة عن المديرين التنفيذيين في المؤسسات الصحية المختلفة، وليست الإمكانات المادية والتقنية المرصودة، عاجزة عن تنفيذ المشاريع والخطط التنموية، لكني أناشدهم فقط، إخلاص العمل، وسرعة التنفيذ، لخلق واقع أفضل لايحتمل التأخير، مستعيدا هنا مطالبة الملك «عبد الله بن عبد العزيز» المسؤولين كافة، عند إقرار الميزانية العامة للدولة (1430/1431ه) العمل بإخلاص، وتفادي البطء في المشروعات الحكومية بصفة عامة، والمؤمل ألا يطول الانتظار. «*» استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم في جدة [email protected]