اعتاد بعض الناس في المجتمع السعودي مخالفة الأنظمة، وانتهاك أبسط القوانين المتوافقة مع العقل والمنطق السليمين. وفي رأيي أن كلمة "اعتاد" لا تعطي هذه الظاهرة وصفها الحقيقي، بل لعل "عَشِق" أو "أحب" أصلح لذلك. فالإصرار العنيد الذي يُبديه أحدهم على سلوك اتجاه مخالف لسير المركبات في وضح النهار، وأثناء الزحام، لا يُطلق عليه وصف "التعود"، فمهما تأصلت العادة السلوكية للفرد، يُمكنه الحيد عنها لدى عدم ملائمتها مع ظرف أو واقع معين. أما حال المُستهترين الذين "وقعوا في حب" عكس الاتجاه، ضاربين بعرض الحائط أبسط قوانين المرور التي تهدف إلى المُحافِظة على حياة الناس وممتلكاتهم، و"عشقوا" تجاوز الإشارة الحمراء والخط الأصفر، و"استمرأوا" التضييق على الناس في الشوارع العامة والفرعية، والوقوف الجريئ أمام أبواب بيوتهم لساعات، وسد منافذ الطرقات أمام الأسواق وحتى المساجد، فحالهم يحكي واقعا مريرا لسلوكيات شبه يومية، أصبحت مستساغة لديهم، إلى حد أن أحدهم لا يَعُدُّها عيبا من أصلها، بل ويستغرب استنكار غيره عليه وقد يشتمه، ولسان مقاله يقول: "مَشّي حالك" أو "إنت إيش دخلك" !!. إن عددا غير قليل من الأفراد، تجاوز سلوكهم الخطأ العرضي، ولم يقفوا عند حد المخالفة الاستثنائية، أو لدى غياب الرقابة النظامية، بل أصبحت تصرفاتهم ثقافة مقبولة لديهم، ومنهجا عدوانيا يظنونه "فهلوة"، يُشعرهم بالنشوة لخداعهم منظومة القوانين، وتجاوزهم حقوق غيرهم، وهذا مما لايُحمد عُقباه، في مجتمع يحرص على النهضة بمقوماته الإنسانية الوطنية، والرقي بسلوك أفراده. ولا أتوقع في المستقبل القريب، أن يتجاوز التربويون، والمثقفون، والإعلاميون، مرحلة الحديث عن مشكلة مخالفة الأنظمة في المجتمع السعودي، إلى غيرها من الأمور الثقافية والسلوكية والفكرية المهمة، ولا أراهم قريبا، ينتهون من مناقشة عوامل انخفاض مستوى الذوق العام لدى كثير من الأفراد، بوصفها سببا لدوران المجتمع في حلقة لولبية، لايمكن تصور نهايتها. همسة: كثرة المخالفين للأنظمة، لا تبرر التهاون المخجل في تطبيقها، واجتماع المستهترين على الخطأ، لا يغيّر حقيقة أنه "خطأ" !. *استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم