التحلل من الالتزام بمواعيد العمل ونظامه - مفسدة للحياة أي مفسدة، ويجب الأخذ على يد المتحللين المستهترين بالتزامات ومواعيد وواجبات العمل بيد من حديد.. إذ كثيراً ما وردت في مقالاتي الدعوة إلى اليسر والرفق، والبعد عن التزمت والغلو، وقد بينت في أكثر من مقال أن الغلو جر على العباد والبلاد الويل والثبور، وأنه التنطع الذي نهانا عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فيه من آثار سيئة وما يترتب عليه من شرور. *** ولا يُفهم من هذا الذي أشرتُ إليه بهذه المقدمة أني أرضى عن التسيب والانحلال.. أو أوافق على الخروج على قيم الإسلام، وأخلاقيات المسلمين، أو أن أقبل - معاذ الله - دعاوى أقوام يُقْصرون الدين على (صلة العبد بربه) وأنه للآخرة فقط، وليس للدنيا. فالإسلام الحنيف في حقيقته ما ترك صغيرة ولا كبيرة من أمور الدين والدنيا إلاّ دعا معها إلى الهَدْي الأقوم، وأن الأخذ بهذا الهَدْي يجني ثماره الطيبة الأفراد والجماعات على حد سواء. *** الفرق شاسع بين التيسير والتسامح من جهة، وبين التحلل والانفلات من جهة أخرى، ولا خير في دنيا لا تقوم على الدين، وما ضرنا إلاّ عدم التمسك بديننا سواء ما يجيء من المغالين والمتنطعين، أو ممارسي الانحلال المتسيبين، فكلاهما على غير صواب، ونتائج سلوكهما ضارة بالناس والمجتمع. *** فيما حولنا صوراً كثيرة، ومواقف عجيبة، وسلوكيات مرفوضة من الدين، والخلق، والحياء، والنظام.. هي مرفوضة قبل ذلك من كل إنسان له شيء من القناعة بأن الالتزام بمستوياته المتعددة هو الحياة والحياء. هناك من بيننا من لا يبالي، بلهو مقصر مجاهر بالسوء، وهناك المستهترون بالعمل المخالفون للنظام، وكم تفزعك الفوضى في المعاملات الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية، وعلى مشهد من العين ترى ما يحزنك من مظاهر التسيب الأخلاقي في بعض الشباب والشابات بل وبعض الكبار.. مما يندى له الجبين.. هناك ما لا يرضاه الإسلام أو الخلق الكريم من انحلال في مظاهر الحياة، من ملبس وزينة، حتى إنك أحياناً تندهش من هذا التصرف، وكيف قبله الوالدان، وأتساءل في مثل هذه المواقف: أين الأهل من هذا البذاء. وما أسوأ التحلل من العهود.. من التزامات العمل، من الوعود والمناسبات.. كل هذا مع الجهر به.. وكأنه لا دين، ولا خلق، ولا فضيلة ترسم الحدود في حياتنا. *** أقول لهؤلاء جميعاً.. ألم تسمعوا مرة قول الله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلاّ من ظُلِم.. وكان الله سميعاً عليماً).. وإذا كان الجهر بالقول السيئ مكروهاً - فما بالك بالجهر بالعمل والسلوك والتصرفات.. والانخراط في الماديات الضارة.. كما ورد في هذا الشأن من الأثر. (يأتي على الناس زمان همتهم بطونهم، وشرفهم متاعهم، وقِبلتهم نساؤهم، ودينهم دراهمهم ودنانيرهم، أولئك شر الخلق - لا خَلاق لهم عند الله). ومما ورد في أثر آخر: في هذا الأمر (بئس العبدُ عبد تخيَّل واختال، ونسي الكبير المتعال، بئس العبد عبد تجبَّر واعتدى، ونسي الجبار الأعلى.. بئس العبد عبد سها ولها.. ونسي المقابر والبلى). *** أقول لا للتسيب في العلاقات الاجتماعية - كما شكا من ذلك بعض معارفي - إذ لا يقيم البعض وزناً لمشاعر الناس سواء في أعمالهم - أو هم له جيران في بيوتهم، قد يجاورك من لا يهدأ بيته، ولا تسكت ساعة اضطرابات أولاده.. أو مضايقاته للناس بسياراته وحاجاته.. والإسلام هو أرقى ما يكون مشاعر واحتراماً للناس عامة، والجوار خاصة.. حتى أن الرسول علمنا ذلك في أدق صوره. (إذ لو طبخ أحدنا طعاماً له رائحة فليعط منه جاره أو يكتمه). *** إن رفض التحلل هو رفض لكل نقيصة مفسدة للعمل والحياة، بل كثيراً ما يكون التحلل عدواناً صارخاً على حقوق الناس وحرياتهم. التحلل الذي ساعد بعض أنحاء البلاد، واستهتار الشباب وكثرة ما يحدث في الأسواق من إيذاء للآخرين، وتداخلات مريبة مع السائرين.. هو من التحلل الممقوت شرعاً، المكروه خلقاً، وتأدباً. التحلل من الالتزام بمواعيد العمل ونظامه - مفسدة للحياة أي مفسدة، ويجب الأخذ على يد المتحللين المستهترين بالتزامات ومواعيد وواجبات العمل بيد من حديد.. إذ كثيراً ما يكون صاحب الحاجة التي يراجع من أجلها مريضاً متعباً - أو غريباً جاء من بلدة بعيدة مسافراً.. لكنه لا يجد المسؤول.. ويقال: إنه في موعد أو في اجتماع.. إنه في إجازة اضطرارية.. هل ظروف الناس ومصالحهم ليست اضطرارية، وكثيرة أمثلة ذلك في كثير من المصالح والدوائر الحكومية. *** التحلل من المواعيد والالتزامات بالمناسبات سوء سلوك لا يليق بذي خلق أن يكون عليه. موعدك مع غيرك.. هو التزام ديني وارتباط خلقي.. والوفاء بالعهود.. والالتزام بالموعد من أعظم الصفات التي شدد الإسلام عليها. (وأوفوا بالعهود)، (لا يخلف الله وعده). (إن العهد كان مسؤولا). *** أما عن التحلل السلوكي والاستهتار الخلقي فحدِّثْ ولا حَرجَ.. إن كثيراً من ذلك قد ساد برامج القنوات الفضائية، وسيطر على أساليب الإعلام العصرية، حتى أنك تجد أن برامج اللعب، والتحلل، والاسترسال في الغواية لها أوقات وقنوات أضعاف أضعاف ما للعلم والتعليم والثقافة والدين. *** هؤلاء شبابنا.. صغارنا.. انسلخ بعضهم من حشمة الثياب إلى الانحلال وارتداء الملابس التي تدفع بها المصانع المتسيبة، فهم كما نشاهدهم كثيراً حفاة عراة.. أو شبه ذلك بل فاقت شعور رؤوسهم في هيئتها شجرة الشبرم أو رأس الغول، ولا حول ولا قوة إلا بالله. هذه بعض مظاهر التحلل المادي، والتسيب المعنوي التي انتشرت في الحياة عامة.. وبين بعض الناس الذين لا سيادة للدين أو الخلق عليهم خاصة. أتساءل مع نفسي: * ماذا يضير الإنسان لو التزم بكل خلق كريم، وسلوك قويم؟!! * ماذا يكلفك أن تخلص في عملك متمسكاً بنظامه وواجباتك فيه؟ * ماذا تخسر لو أحسنت العلاقة بكل الآخرين؟ * ما الذي يفسد حياتك أن تنهج سبيل الخير، وحب الناس، وفعل المعروف.. وترك نزغ الشيطان الرجيم؟ * لم لا نكون أشد التزاماً بمواعيدنا وحضورنا، وانصرافنا، وحقوق الآخرين من الناس في حياتنا؟! كم يؤلمك أن يعتدي أحد على حريتك الشخصية - شريطة التزامك بما حدده الشرع والأخلاق لها - كم يزعجك إفزاع آخر بسوء جواره لك.. كم يفُسد عليك حياتك لو استهتر الآخرون ولم يراعوا حقوقك في السير والوقوف، والحديث واستمرؤوا التمتع بما هو سفيه من الفن والأعمال. *** ألا تنزعجوا أيها الآباء والأمهات وأنتم ترون أبناءكم قد خرجوا عن المألوف الصحيح سلوكاً، ومظهراً، وأفعالاً؟! وتذكروا أنكم رعاة مسؤولون عن رعيتكم، وهم هذه الرعية. *** تلك هي بعض مظاهر التحلل والتسيب.. كثرث وانتشرت، وصارت سلوكاً صحيحاً في نظر أصحابها، وكل يقول لك إنها حرية شخصية.. نحن في عصر التمدين والتطور والحريات.. لكن هذا مناف للحق، مغاير للفضيلة مخطئ في تفسير الحرية وفهم معناها. *** إن المسؤولية عن إقامة الخير والإصلاح في مجتمعاتنا، وتقويم ما ارتد إلى السوء من سلوكيات بعض الناس حولنا هي مسؤولية تشترك فيها جميع المؤسسات المجتمعية: الأسرة: وهي منبت الغرس الذي فيه ينمو الصغار، والمسجد الذي فيه يسقون الصلاح.. ويطعمون الفلاح، ويتعلمون عملياً الالتزام والصواب. والمؤسسة التعليمية بكل مراحلها: هي الروضة الغناء التي تزخر بالمثل، وتنضر فيها القيم، ويعبق فيها شذا الخير والهداية، والعلم، والمعرفة. والمؤسسات الإعلامية - بجميع صور صدورها - فيها تمتلئ الأوقات.. وتحظى الأسماع، وتشهد العيون بما يجب أن يكون قويماً، راقياً، مهذباً، مسايراً لأخلاق ديننا، وجميل صفات حياتنا وقيمنا. والمؤسسات الاجتماعية: بل المجتمع بأكمله مسؤول بكل أفراده وهيئاته عن تسديد الخطأ.. وتقويم المنحرف، والوقوف بحزم ضد المتسيب.. فلا يترك المهملون وإهمالهم، ولا المتحللون وتسيبهم. النصح والدعوة بالإقناع للخير فرض عين على كل إنسان: فلنقم بدورنا هذا كما طالبنا ديننا، ونحرص على حراسة الفضيلة والقيم فبهما سمتْ عقيدتنا، وتميزت رسالة نبينا الذي وصفه الله بأنه على خلق عظيم، ووصف هو رسالته بأنها متممة لمكارم الأخلاق. *** وموقف المجتمع من ردع المتسيبين المتحللين هو تطبيق عملي لما وجهنا إليه رسولنا الأعظم بقوله: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم إعلاها، وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَنْ فوقهم، فقالوا: لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ مَنْ فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هُلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعاً). من هنا تتأكد مسؤوليتنا جميعاً أفراداً وجماعة للوقوف ضد المتنطعين المغالين المغلقين في أفكارهم المارقين في تصرفاتهم، وكذلك الموقف ضد المتحللين المغرقين في الإنفلات والتسيب والخروج عن الثابت من القيم، والمقبول من التصرفات. *** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمِدَنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد. «يتبع»