إذا لم تكن القصيدة شرفة على الميتافزيقا تفتح نوافذها على الماوراء الأبعد، إذا لم تكن جسرا نحو الغاية الأكمل، ولم تشدّ المجاز نحو حدوده القصوى، فلست أحسبها من الشّعر. إذا لم تعد الكلمات جروحًا غائرة تنزّ بدم التجربة، وترشح منها مرارات الندم، ويشفّ من (...)
آمل أن تجدك رسالتي هذه وأنت بحالة روحيّة جيدة. لقد استلمتُ رسالتك الأخيرة وقرأتها، وقد رأيت أنّها مشحونة بعواطف عميقة، وحتى الآن، فإنني لا يمكنني أن أصدق أنك تكمل عامك الخامس والعشرين في هذه اللحظة. أتذكر جيدًا ذلك اليوم الذي انتقلتُ فيه للخامسة (...)
أعرفُ عددًا هائلاً من الكلمات، ومعرفة واسعة في الُمثل، وقدرًا كبيرًا من جلال المعاني. لقد دفعت نفسي دفعاً وحبستها لقراءة معظم التجارب الشعريّة الأصيلة، يقينًا مني أن الشّعر "إصغاء على نحو مباشر لصوت الكينونة". وقد تأملتُ مجمل ما تفوّه به الفلاسفة في (...)
عدتُ الآن إلى تورينتو، المدينة الأكثر مللًا في أمريكا الشمالية. دعني، في البداية، أخبرك أنني لاحظت أنّ سكان هذه المدينة يفضلون كسب المال والعيش هنا على الغربة، وهم بهذا يصارعون مللًا ضاغطًا وشديدًا يوميّا. أرى أنّ حياتهم هنا تتأرجح كالبندول، بين (...)
أبعث إليك هذه الرسالة من طهران، بلاد السراب كما يسمونها، حيث أقيم مع والدتي المسنّة من أجل العناية بها والنظر في حالتها الصحية. من الواجب عليّ الاعتراف بأنه من بالغ الصعوبة أن ترى أحد والديك مريضا أو في حالة احتضار، خاصّة في مرحلتي العمريّة الحالية؛ (...)
بمعنى آخر، الإنسان قد اتّخذ مكانه من سلسلة الوجود العظيمة و"مهما كان فعله فهو صحيح" كما قال ألكسندر بوب في كتابه "مقالة في الإنسان". ونحن نعلم كيف التقط فولتير هذا المعنى، جاعلاً منه سخرية كاملة في مسرحيته "كانديدت". فوفقاً للسيد "بانقلوس"، أحد شخوص (...)
عزيزي زميلي الشاب:
وصلتني رسالتك بينما كنت مسافرًا لمدينة ميدلين، ومن ثمّ، فإنني أتقدم لك باعتذاري عن تأخري بالرد على بريدك. لكنني، على أية حال، في غاية السعادة وفي منتهى البهجة لاستلامي رسالة من فيلسوف شابّ «والحال أن البعض يتحرّج من هذا اللقب لأنه (...)
صدقني لا أعرف كيف اهتديتُ إليك عندما قرأتك أول مرّة، ولكنّها كانت مصادفةً جميلة كأنها الشّعر عندما رأيت ديوانك المختلف "مجرد تعب" في رفوف المكتبة، في مساء صيفيّ طويل كان هو الآخر متعبا.
سأخبرك بأمري، علاقتي معك ومع الشّعر قديمةُ وملتبسة، فأنا مذ (...)
دائمًا ما كنتُ أردّد بأنني ولدت في أحضان حرب الخليج الثانية، مبررًا بقولي هذا أنّ ما أشعر به وما أسمعه من فحيح الأسئلة على مدى خطواتي أنّى اتجهت أنّه قد بدأ معي منذ لحظة الميلاد، لحظة نفير وحروب وجلجلة، وطال اعتقادي بأن لحظة الحرب تلك قد بلعتنا (...)
قرأتُ هذه الجملة عندما كنت أقرأ الشاعر الفرنسي رامبو، وبصورة لا وعية مني، كنت أتمثّلها منذ وعيت على الحياة، ويجب أن أذكر الحق وأقول، إن الوصول لهذا الأمر قذ كلفني الكثير من الدموع والندم المرير، وأقحمني المتالف وعرفت معه طعم المهالك، أقدمت عليها (...)
في وقت مضى، ظننتُ أنني كالسماء البعيدة الزرقاء المفتوحة، أحبُّ الأصدقاء وأتّسع لهم وأظللهم، وأحنو عليهم أحيانًا فأغسلهم بالمطر، وأسليهم فأرسم على وجهي أشكالاً غريبة من الغيمات البيضاء. لكن ومع هذا كله، هذه السماء التي ترسل الرياح الهادئة، أصبحت لا (...)
يطيبُ لعدد غير يسير من الباحثين تسمية هذا العصر ب «عصر الحكمة»، إذ سهُل كما يزعمون الحديث عنها وباسمها وامتلاكها ومن ثم الكتابة بها ومن أجلها مما جعلهم يطلقون هذا الاسم على هذه المرحلة، وعند النظر الدقيق بأسبابهم نجد أنهم يستمدون شرعية هذه التسمية (...)
نفهمُ من نصّ السنة النبوية في قول الرسوله عليه السلام المصحح عند الألباني وغيره " إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق " أمران ، الأول هو أولويّة حضور مفهوم الأخلاق في الفكر الأسلامي وإظهاره كأحد الأبعاد المحورية في الشريعة ، وأمر ثان هو اعتراف جرى على (...)
إنني مدركٌ لحجم الخطورة التي أقبل عليها، أعلم تمامًا أن شابًا في الخامسة والعشرين من عمره يحاول لاهثاً أن يتحرر من النظرة العادية للأشياء من حوله لينفذ بفكره عبر الأغشية والحُجب التي لا يكف الواقع يكثّفها حولنا ليحدق في جوهر الحياة، هو عمل ليس (...)
قد لا يترك الصراع التنظيري حول دعوى امتلاك الحقيقة المطلقة آثاراً دموية كما تفعل الحروب العالمية والتاريخية البعيدة، ولكنه كان كفيلاً بأن يلحق بوجدان الإنسان الدفينة عبر القرون وبمبادئه وعقائده جروحاً غائرة وعميقة.
حروب التنظير والاقتتال الفكري (...)