بمعنى آخر، الإنسان قد اتّخذ مكانه من سلسلة الوجود العظيمة و"مهما كان فعله فهو صحيح" كما قال ألكسندر بوب في كتابه "مقالة في الإنسان". ونحن نعلم كيف التقط فولتير هذا المعنى، جاعلاً منه سخرية كاملة في مسرحيته "كانديدت". فوفقاً للسيد "بانقلوس"، أحد شخوص مسرحية فولتير، فإن في هذا العالم "كل شيء هو الأفضل في أفضل العوالم الممكنة". أهمية فولتير ليست فقط كامنة في أن أعماله ناقدة وتحريضية، وهي الروح التي أنت بحاجة ماسّة لها كفيلسوف شابّ، وإنما هي مهمة لكل حركة فلسفية تحمل على عاتقها همّ تغيير الوجه الموروث للمجتمع ومؤسساته. كونك فيلسوفًا، هذا يعني، ألا تصادق على المبادئ العامة التي ترى جاهزيّة معنى الحياة. كما يؤكد أسكاو وايلد هذا المعنى وبقوّة "هنالك لحظات يختار فيها المرء إما عيش حياته بامتلاء وعمق وتَمام، أو يجرّ على نفسه وجوداً مزيّفاً سطحيّاً ومهيناً، وهذا الذي يحتاجه العالم المنافق". هذه هي لحظتك الفلسفية الآن، إن كنت تعاني من الآلام، إن كنت تعاني ألمًا وجوديّاً، فلا تلم الفلسفة. ألقِ باللائمة، أولاً، على العالم الذي تعيش فيه. ثانيًا، على عقلية القطيع التي تقتل وتحطّم كل صور الأسئلة. فالجماهير لا تحتاج للأسئلة لأن لا شكوك لديهم حول أي شيء. وهم خلوا من الشكوك لأنهم يحكمون بالخير أو الشر على الأشياء دون حتى التفكير بها. ومن الخطأ، ويعتبر سلوكاً لا فلسفياً، أن تدّعي معرفة كلّ الإجابات. لكنّ الفلسفة تأخذ وقتها في التفكير في الأسئلة المصاغة على هيئة يقينيّة مطلقة والموجهة للجماهير. التفكيرُ، إذاً، يكون فلسفياً وتأمليّاً إذا كان نابعًا من الأسئلة (تثوير الأسئلة) (طرح الأسئلة). كفيلسوف، عليك أن تحمل مصير التفكير على عاتقك وتواجه أعباء الأسئلة، دون حتى التساؤل ما إذا كان هذا الطريق يؤدي إلى الشهرة. والآن، أرجوك أن تتفهم أن الفلاسفة لا يمارسون التفلسف من أجل أن يصبحوا مشاهير. هناك طرق عديدة للنجوميّة في عالمنا هي خارجة عن اهتمام الفيلسوف. لذلك، تجنب الشهرة كما تتجنب المحن والطاعون ومرض الإيبولا. وتذكر ما قاله الإغريق عن اللا نهاية، لأن الأمر ذاته ينطبق على الفلسفة. الفلسفة هي التفكير على نحو غير محدود، ونحن إذا طرحنا جهود الفلاسفة من الفلسفة، فإنّ الفلسفة لا يمكن محوها بأيّ شكلٍ كان؛ لأنّه ليس بإمكان المرء أن يجعل إمكانيّة التفكير بمبعدٍ عن الفلسفة. الفلسفة يجب أن تكون في عالمها ولوحدها وأن تجد كلّ شيء بنفسها. على هذا النحو، كفيلسوف شابّ، يمكنك أن تجد طريقك ومن ثمَّ أن تستمر في النمو بهدوء، ولكن بصورة موثوقة. هناك الكثير مما يمكنني قوله لك، ولكن، ورغم كل شيء، أنت بحاجة لأن تفكر لوحدك في حياتك الفلسفية. ولا تنسَ، الفلسفة مرآة، وستعكس للفلاسفة ما يفكرون من خلالها. معتصم الهقاص