-1-
كانت الخريطة خالية من ظل لوديف، وكنت أفتش عن فستان أزرق، وعن فضاء، وفي الفضاء تفرقت ذرات الشمس قبل أن تتجمع ثانية وتتراص، وتكوِّن فردتي حذاء، ثم ساقين، وتكوِّن بعد ذلك حوضاً وخصراً وصدراً وذراعين ورأساً ثقيلاً مشوّشاً ليصبح الشكل كله رجلاً (...)
قررتُ أن أذهب إلى وسط البلد، لعلني أطمئن على حنان، عقب انفجار استهدف مبنى دار القضاء العالي. لم تعد الانفجارات تثير الرعب كما يفترض بها. باتت معتادة. بتنا ننظر إلى الانفجارات بطرف أعيننا، نمر بين دخانها من دون أن نخلع سماعات الموبايل من آذاننا ومن (...)
لما كانت القاهرة هي المكان/ الواقع الذي أعيش فيه وأهرب منه، فقد لزم أن انتبه إلى حاجتي الملحة إلى المكان/ الخيال الملائم لأحلامي، فكانت بيروت، ولما كان الشعر الرومانسي وبعده الشعر الواقعي هو الشعر الشائع أيام مراهقتي وشبابي، لما كان هذا الشعر يكاد (...)
العنوان الطويل لهذه المقالة هو شاعر واحد وأربعة رؤساء فعليين ورئيسان في المهد. والشاعر الواحد، هكذا يظن نفسه، هو الشاعر الكبير ذو المقام العالي الذي لا يعادل مقامه في مصر، وفق تعبيره، سوى مقام الطيب الذكر جابر عصفور، ولقد صدق فهما شبيهان. الشاعر هو (...)
عندما كنا في أولنا، فوجئنا بأننا نجري كالأطفال وراء هؤلاء النفر القليل، الذين خرجوا بمعاولهم لتحطيم الأصنام القائمة في كل أرض، وأخذنا نردّد أسماءهم باستعظام وفخر، كأنهم أساطيرنا، وانضممنا إليهم. كنا نرفع الأنقاض، وكانوا يشجعوننا، كنا نمسح الأرض، (...)
في كل المرات التي صادفت فيها اسم الفائز بالبوكر، ماعدا مرات قليلة، ضبطت نفسي أتمتم، ثم أصرخ بصوت عالٍ: متى يأتي دور الروائيين؟ وعندما قابلت أحد معارفي ممن عملوا في لجان تحكيم الجوائز، وسألته سؤالي: متى يأتي دور الروائيين؟ أمسك يدي، ونظر نحوي بإشفاق، (...)
في ذلك المساء ِقابلتُ كافكا
كان يبحثُ عن العتمةِ
وكنتُ أبحثُ عن الخروجِ من العتمةِ
يدُه النحيلةُ احتكّت بيدي
حاولتُ أن أنظر إلى وجههِ
لكن سراباً ما رفرفَ بجناحيه
وهبط بيننا
إنه الخنزيرُ البريُّ، إنه الماعزُ
ولما سألني الناسكُ
الذي جالستهُ في ما (...)
إلى أنسي الحاج
في ذلك المساء ِقابلتُ كافكا
كان يبحثُ عن العتمةِ
وكنتُ أبحثُ عن الخروجِ من العتمةِ
يدُه النحيلةُ احتكّت بيدي
حاولتُ أن أنظر إلى وجههِ
لكن سراباً ما رفرفَ بجناحيه
وهبط بيننا
إنه الخنزيرُ البريُّ، إنه الماعزُ
ولما سألني الناسكُ
الذي (...)
لم يكن ليثور تلك الثورة العارمة إلا لأعظم الأسباب، فهو هادئ الطباع مكتوم المشاعر ذو سحنة أوروبية... ولكنه لم يفق من غفوته إلا بعدما هشّم الزجاج بالكرسي الجرار وألقى بالمكتب الخشبي بوجه الجالسين، أصاب بعضهم وجرى الآخرون. كان يرى بين عينيه صوراً لرجال (...)
لم يكن ليثور تلك الثورة العارمة إلا لأعظم الأسباب، فهو هادئ الطباع مكتوم المشاعر ذو سحنة أوروبية... ولكنه لم يفق من غفوته إلا بعدما هشّم الزجاج بالكرسي الجرار وألقى بالمكتب الخشبي بوجه الجالسين، أصاب بعضهم وجرى الآخرون. كان يرى بين عينيه صوراً لرجال (...)
بسبب تربيتنا الثقافية تعودنا دائماً ان نمنح صفة الفنان لذلك الشخص الذي يتكئ على ذاته، ينهب ذاته، الشخص الذي يخايلنا بوجه مفضفض مثل مجنون أو عاشق، أو على الأقل مثل شخص غير عادي، وكانت الكلمة سيئة السمعة وسيئة القصد، أعني كلمة التجربة حجر زاوية في هذه (...)
أحس الآن وكأنني سأغوص في أرض زلقة، يجيد الساسة المدرَّبون المشي فوقها بالضبط كما أجيد أنا تذكر موتاي. كان صديقي الشاعر حلمي سالم، النظيف الثياب لولا تلك البقع التي أصابته بها أحياناً سياسة الشعر وسياسة الحياة، يعمل لزمن طويل في حزب سياسي تأسس أيام (...)
أحس الآن وكأنني سأغوص في أرض زلقة، يجيد الساسة المدرَّبون المشي فوقها بالضبط كما أجيد أنا تذكر موتاي. كان صديقي الشاعر حلمي سالم، النظيف الثياب لولا تلك البقع التي أصابته بها أحياناً سياسة الشعر وسياسة الحياة، يعمل لزمن طويل في حزب سياسي تأسس أيام (...)
يئست مما يحدث حولي، مصر تقف على رأسها، عقلها مقلوب، وثقافتها يشرف عليها رجلان، وزير وأمين، خاليان من الكوليسترول، وأعوان بلا ظلال، وآخرون من دونهم، منتفعون وشماشرجية. وقلبها، أعني مصر، يدق أكثر مما يجب، قلت لنفسي كيف أبتعد بقلبي الصغير عن الدقات (...)
يئست مما يحدث حولي، مصر تقف على رأسها، عقلها مقلوب، وثقافتها يشرف عليها رجلان، وزير وأمين، خاليان من الكوليسترول، وأعوان بلا ظلال، وآخرون من دونهم، منتفعون وشماشرجية. وقلبها، أعني مصر، يدق أكثر مما يجب، قلت لنفسي كيف أبتعد بقلبي الصغير عن الدقات (...)
ضحك أبي عندما أخبره ضيفه أنه رآني على قارعة الطريق أطالع إحدى ورقات الصحف، فتبعني وأبصرني أنحني على الأرض، وألتقط ورقة أخرى. أيامها كنت في الإعدادية، أتأرجح بين غرامين، غرامي بهانم ذات الأصابع الست، وغرامي بالأوراق، وكنت كلما كبرت، شحبت هانم وكبرت (...)
ضحك أبي عندما أخبره ضيفه أنه رآني على قارعة الطريق أطالع إحدى ورقات الصحف، فتبعني وأبصرني أنحني على الأرض، وألتقط ورقة أخرى. أيامها كنت في الإعدادية، أتأرجح بين غرامين، غرامي بهانم ذات الأصابع الست، وغرامي بالأوراق، وكنت كلما كبرت، شحبت هانم وكبرت (...)
إنه صاحب المشروع المتميز بأعماله الأولى، (ذكر ما جرى، أوراق شاب عاش من ألف عام، وقائع حارة الزعفراني، كتاب الخطط، كتاب التجليات)، وبعمله الأخير (أخبار الأدب)، التي شاخت وسقط لحمها، عندما أبعدوه عنها. كان الزيني بركات شاباً في عقده الخامس، حين أصبح (...)
إنه صاحب المشروع المتميز بأعماله الأولى، ذكر ما جرى، أوراق شاب عاش من ألف عام، وقائع حارة الزعفراني، كتاب الخطط، كتاب التجليات، وبعمله الأخير أخبار الأدب، التي شاخت وسقط لحمها، عندما أبعدوه عنها. كان الزيني بركات شاباً في عقده الخامس، حين أصبح أول (...)
بيني وبين الوصول إلى الراحة فراسخ لانهائية، هذا هو اليوم التالي على انتخابات الرئيس، وفيه سوف تظهر النتائج الأقرب إلى الصحة، الشوارع الواسعة أصبحت أنفاقاً، أصبحت صحارى، المصريون في الشوارع، خاصة الشباب، ليسوا غاضبين، ولكنهم يائسون، عيونهم تحدّق إلى (...)
بيني وبين الوصول إلى الراحة فراسخ لانهائية، هذا هو اليوم التالي على انتخابات الرئيس، وفيه سوف تظهر النتائج الأقرب إلى الصحة، الشوارع الواسعة أصبحت أنفاقاً، أصبحت صحارى، المصريون في الشوارع، خاصة الشباب، ليسوا غاضبين، ولكنهم يائسون، عيونهم تحدّق إلى (...)
ماذا على الشاعر
لو بيروت لم تتركه في المنفى
ونادته: تعال!
لو أنها تركت يدَ الأعداءِ
تعصِفُ بالرمال!
ومضت تُرتِّل في الظلامِ
الغُفلِ
مزمورَ الجبال
ماذا على الشاعرِ
لو بيروتُ قامت من خريطتها
وهامت في ضَواحيها
تغنّي أغنياتِ الماءِ
تَسقِي (...)
كنا في السبعينات، وكان الزمن يرفع اليسار واليساريين فوق الأعناق. الحركة الطلابية في الجامعة يقودها اليسار، والسادات يطاردهم ويبشر بالعلم والإيمان، وبعد حرب 73 أصبح يبشر بالعلم والإيمان والسلام والمفاوضات. السادات حوّل خصومه إلى أبطال عندما سجنهم. (...)
كنا في السبعينات، وكان الزمن يرفع اليسار واليساريين فوق الأعناق. الحركة الطلابية في الجامعة يقودها اليسار، والسادات يطاردهم ويبشر بالعلم والإيمان، وبعد حرب 73 أصبح يبشر بالعلم والإيمان والسلام والمفاوضات. السادات حوّل خصومه إلى أبطال عندما سجنهم. (...)
الزمن لم يعد يتيح لنا ما كان يتيحه لطه حسين، لأنه كان يقرأ العمل الأدبي قراءة أولى، قراءة استسلام كامل وطواعية، فإذا رآه ضعيفاً، تركه إلى الأبد، وإذا أقنعه وأمتعه، قرأة ثانية، قراءة نقد ونظر. وربما تزيد مرات القراءة، القراءة الرأسية العمودية التي (...)