ماذا على الشاعر لو بيروت لم تتركه في المنفى ونادته: تعال! لو أنها تركت يدَ الأعداءِ تعصِفُ بالرمال! ومضت تُرتِّل في الظلامِ الغُفلِ مزمورَ الجبال ماذا على الشاعرِ لو بيروتُ قامت من خريطتها وهامت في ضَواحيها تغنّي أغنياتِ الماءِ تَسقِي بعضَها للمُتعبينَ القادمينَ من الجَنوب الى الشَّمالْ ماذا على الشاعرِ لو لم تستطعْ بيروتُ أن تَسخو عليهِ بما يشاءُ من الخيالْ ماذا إذن؟ ستضيع موسيقا فناءِ الكونِ خلفَ حدودنا ويضيعُ بَحرُ الكاملِ المفتونِ تحتَ جلودنا فتزولُ عن أحداقنا شُرُفاتُ هاتيكَ البيوت وتزولُ شمسُ ظَهيرةٍ كانت تميلُ على الحوائطِ ثم تذبُلُ في خُفُوت ويزولُ تابوتٌ وليلٌ... كهفُه كالليلِ مبثوثٌ على الرَّجزِ المُحطمِ كهفه مثلَ الخيوطِ - العنكبوتْ ويزولُ ما كنَّا نمرُّ عليه من أطلالنا وتزولُ صُورتُنا وتَهوِي تحت أرجُلنا الشوارعُ والمنازلُ والتلال لكنها الحربُ التي ابتدأتْ هنالكَ سوف يعلو فوقَها النايُ القديمُ المُستميت فإذا بصوتٍ يستعيد براءةَ الأعشابِ يعلو فوقَها وإذايَ... أهتفُ: كنتُ، قبلَ الأمسِ، في بيروتَ في طاحونةِ الدنيا وفي الدنيا وبعدَ غدٍ أكون هناكَ مثل يمامةٍ تحتاج قوت كي أسمعَ النايَ القديمَ المُستميت: "موتوا جميعاً واتركوا آثارَكم في أرضها فلَسوفَ تمحوها الظِّلال موتوا جميعاً واتركوها إنها - أبداً - تَظلُّ ولا تموتْ" * شاعر مصري