إلى أنسي الحاج في ذلك المساء ِقابلتُ كافكا كان يبحثُ عن العتمةِ وكنتُ أبحثُ عن الخروجِ من العتمةِ يدُه النحيلةُ احتكّت بيدي حاولتُ أن أنظر إلى وجههِ لكن سراباً ما رفرفَ بجناحيه وهبط بيننا إنه الخنزيرُ البريُّ، إنه الماعزُ ولما سألني الناسكُ الذي جالستهُ في ما بعد هل رأيتَ الفراشةَ أهملتهُ وقلتُ لنفسي: هذا الناسكُ غريبٌ على الطريقِ ثم فوجئتُ بالرعيةِ خلفي تهتفُ: هذا الناسكُ أعمى فاتكأتُ على أعضائي مثل شيطانٍ أبيضَ وحملتُ جسمي كلَّه فوق قلبي كان جسمي بحجمِ الماءِ وحجمِ الفانيليا وكنتُ أشبهُ طيراً مقلوباً على ظهره وقبل أن أصل إلى الغابةِ المنسيةِ استوقفني المارّةُ، ونادوني بفمٍ واحدٍ: أنت القاتلُ فتخلخلتُ ولذتُ بالفرارِ وبعد انكفائي على وجهي وسقوطِ أمتعتي رأيتُ الشمسَ تفتحُ عينيها وتدلُّني على الدربِ الذي يكادُ يمتدُّ هكذا منذ طفولتي فاتَّبَعتُ الدربَ واتبعتُ بعده البحرَ والجبلَ والصحراءَ واتّبعتُ الكوّةَ التي في صدري واتَّبعتُ أبي وأمي وأوشكتُ أن أصل إلى آخرِ أحفادي لولا أن أحدهم أوقفني وأمسك بيدي وأمرني أن أنسى عائلتي فرأيت صباحاً أبيضَ يشبهُ صباحَ اليأسِ ورأيتُ الماندولين مركوناً على الفراغِ فاسترخيتُ وتذكرتُ أنني في ذلك الصباحِ قابلتُ الرجلَ الآخر الذي خطواتُه أرقُّ وأعنفُ من خطواتِ كافكا يدُه النحيلةُ أيضاً احتكّت بيدي حاولتُ أن أنظر إلى وجهه لكنه احتضنني واستقبلني على الدرجِ وعلّمني الصعودَ على حروفِ اسمهِ قال: أُنسي، قلتُ: أُنسي وعند البابِ، قال: أنسي الحاج قلتُ: أنسي الحاج وفي البهوِ قال: أنسي لويس الحاج قلتُ: أنسي لويس الحاج وفي الغرفةِ التاليةِ ظلَّ يهسُّ ويتمتمُ بالأسماءِ الأخرى بعد أن فرغتُ مثله من التمتمةِ والهسيسِ اكتشفتُ أنني خرجتُ من الباب الخلفيّ وأنني وصلتُ الغابةَ المنسيةَ وأنّ المارةَ ما زالوا ينادونني بفمٍ واحدٍ: أنت القاتلُ أنت القاتلُ وأنني أقفُ ثابتاً مثل شجرة توتٍ مليئةٍ بالأسرارِ وأن الرجلين كافكا وأُنسي يقفان أمامي على الرصيف المقابلِ وبينهما هواءٌ شفّافٌ مغسولٌ بغير لسانٍ وغير أذنين بينهما هواءٌ شفّافٌ مغسولٌ بغير استئذانٍ في الحضورِ واستئذانٍ في الانصرافِ, فاتخذتُ مكاني وجلستُ على الترابِ كأنني قطعةُ حلمٍ، أو كأنني ابتسمتُ، أو كأنني بين ثلاثِ رياحٍ.