أكد الدكتور على جمعة مفتي مصر أن الاسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات الذي كان في الجاهلية, ولم يأت بتعدد الزوجات كما يظن بعضهم كأصل في التشريع أو الرواية. وقال د. جمعة فى مقاله " تعدد الزوجات وحقيقته " الذى نشرته صحيفة " الاهرام " المصرية اليوم السبت انه تصحيحا للمفاهيم وإرساء للحقائق لم يرد أمر لمن تزوج واحدة بأن يتزوج أخري , وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصودا لذاته وإنما لأسباب. واضاف : " لم يرد تعدد الزوجات في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه, فالله عز وجل قال:( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامي فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) النساء3, فالذين فسروا الآية الكريمة أو درسوها كنظام إنساني اجتماعي فسروها بمعزل عن السبب الرئيسي الذي أنزلت لأجله, وهو وجود اليتامي والأرامل, إذ إن التعدد ورد مقرونا باليتامي, حيث قاموا بانتزاع قوله تعالي:( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع) دون القول السابق, والذي صيغ بأسلوب الشرط( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامي) وكذلك دون القول اللاحق, والذي يقيد تلك الإباحة بالعدل, حيث قال:( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) فمن ذهب إلي القرآن الكريم لا يجد دعوة مفتوحة صريحة للتعدد دون تلك القيود التي أشرنا إليها, وقد سلكت السنة النبوية السلوك نفسه قولا وعملا, ففي الرؤية أخبر أنه خلق آدم وله زوجة واحدة ولم يعدد, فأصل الخلقة الواحدة وفي التشريع أباح ولم يأمر وشتان بين أن يكون الاسلام أمر بالتعدد وأن يكون قد أباحه فحسب, فضلا عن أن تكون تلك الاباحة مرتبطة بأسبابها ومقيدة بأكثر من قيد في قوله:( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) وقوله في آخر الآية:( ذلك أدني ألا تعولوا) أي:( ذلك) وهو الاكتفاء بواحدة, أقرب ألا تجوروا وتميلوا عن حقوق النساء, إذ التعدد يعرض الرجل إلي الجور وإن بذل جهده في العدل: فللنفس رغبات وغفلات, وهذا ما يتفق وظاهر قوله سبحانه:( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)النساء:129" . وقال :"إذن الاسلام وازن بين حقوق الفطرة الانسانية واحتياجاتها وبين الواجبات المترتبة علي تلك الحقوق, في معادلة يصعب إنكار حكمتها العالية أو الغفلة عن مقصدها في تحري الاستقرار النفسي والاجتماعي في المجتمع, وهذا ما أشار إليه كثير من المنصفين الغربيين في تلك القضية ، فيري العالم( توس) أن الدواء الكافل للشفاء من هذا الداء, هو الاباحة للرجل بالتزوج بأكثر من واحدة وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة, وتصبح بناتنا ربات بيوت, فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي علي الاكتفاء بامرأة واحدة, فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلي التماس أعمال الرجال, ولابد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة. أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين؟ أصبحوا كلا وعالة وعارا في المجتمع الانساني, فلو كان تعدد الزوجات مباحا لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هم فيه من العذاب والهوان, ولسلم عرضهن وعرض أولادهن. فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار. ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس علي الرجل, وعليه ما ليس عليها, وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين المنار485/4 نقلا عن جريدة:( لندن ثرو) بقلم بعض الكتاب ما ترجمته ملخصا)". واضاف :" هذا الفيلسوف الألماني الشهير شوبنهور يقول: إن قوانين الزواج في أوروبا فاسدة المبني, بمساواتها المرأة بالرجل, فقد جعلتنا نقتصر علي زوجة واحدة فأفقدتنا نصف حقوقنا, وضاعفت علينا واجباتنا.. إلي أن قال ولا تعدم امرأة من الأمم التي تجيز تعدد الزوجات زوجا يتكفل بشئونها, والمتزوجات عندنا قليل, وغيرهن لا يحصين عددا, تراهن بغير كفيل: بين بكر من الطبقات العليا قد شاخت وهي هائمة متحسرة, ومخلوقات ضعيفة من الطبقات السفلي, يتجشمن الصعاب, ويتحملن مشاق الأعمال, وربما ابتذلن فيعشن تعيسات متلبسات بالخزي والعار, ففي مدينة لندن وحدها ثمانون ألف بنت عمومية, سفك دم شرفهن علي مذبح الزواج, ضحية الاقتصار علي زوجة واحدة, ونتيجة تعنت السيدة الأوروبية, وما تدعيه لنفسها من الأباطيل. أما آن لنا أن نعد بعد ذلك تعدد الزوجات حقيقة لنوع النساء بأسره( الاسلام روح المدنية, لمصطفي الغلاييني ص224, وهذا الرقم الذي ذكره شوبنهور كان في عهده حيث توفي سنة1860 م) ، وقالت أني بيزانت زعيمة الصوفية العالمية في كتابها الأديان المنتشرة في الهند: ومتي وزنا الأمور بقسطاس العدل المستقيم, ظهر لنا أن تعدد الزوجات الاسلامي الذي يحفظ ويحمي ويغذي ويكسو النساء, أرجح وزنا من البغاء الغربي الذي يسمح بأن يتخذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته, ثم يقذف بها إلي الشارع متي قضي منها أوطاره" . واختتم بقوله :" ما سبق يؤكد لنا أن نظام تعدد الزوجات أو إباحة التزوج بأكثر من واحدة, تحقيقا لمقاصد الشريعة التي نص عليها الشرع الاسلامي, ليس منقوضا عند كثير من المفكرين الغربيين, وقد رأينا شهادة بعض مفكريهم, وأن إباحة ذلك التعدد بشروطه هي في الحقيقة تكريم للمرأة كامرأة, لأن الانسان لابد أن تكون نظرته متكاملة, فقصر النظر علي المرأة التي يتزوج الرجل عليها ليس إنصافا, فإن التي سوف يتزوجها الرجل هي امرأة كذلك, كرمها الشرع بأن سمح للرجل أن يتزوج منها لعلاج ما يعانيه المجتمع من مشكلات اجتماعية واقتصادية" .