هل انفجار الفقاعة السعرية العقارية يهدد استقرار الاقتصاد الوطني؟ تباينت الإجابات لدى تجار العقار ومن يخضع لهم من بعض المنظرين في الوسط الإعلامي، فمنهم من ينكر في الأصل وجود هذه الفقاعة السعرية، ومن ثم فلا مجال للحديث أصلا عن انفجارها، ولا مجال للحديث عن وجود احتمالات لتراجع الأسعار الراهنة، بل يتوقع هذا المعسكر أن تستمر الأسعار في النمو مجددا في المستقبل، ويستند هذا الفريق (المتفائل) في إنكاره لوجود تلك الفقاعة إلى ضعف مساهمة الائتمان المصرفي في تمويل صفقات شراء الأفراد للعقارات والمساكن، حيث لم تتجاوز حتى نهاية الربع الثالث من عام 2014 سقف 88.4 مليار ريال، وأن نسبتها إلى حجم الثروة العقارية في البلاد تكاد لا تذكر! وكأن الفقاعة السعرية هنا لا شرط لوجودها سوى هذا العامل، دون التدقيق من قبل الكاتب في دقة هذا الاستناد من عدمه، الذي بنى عليه هذا الفريق من تجار العقار مقولتهم هذه. والرد على هذه المقولة سهل جدا؛ أولا: الفقاعة السعرية في أي سوق كانت تتشكل من توافر ثلاثة أركان، هي على النحو التالي: (الركن الأول) عدم تماثل معلومات السوق لدى أطرافه كافة، وهو ما كان قائما حتى ما قبل قيام وزارة العدل بالنشر المنتظم والمستمر لبيانات ومعلومات السوق العقارية منذ منتصف العام الماضي، والتي أصبحت تغطي في الوقت الراهن الفترة منذ عام 1430ه وحتى تاريخه. (الركن الثاني) زيادة تدفق رؤوس الأموال الباحثة عن فرص مجدية للاستثمار والمتاجرة، أسهم في زيادة تركزها على السوق العقارية طوال الأعوام الماضية؛ السرعة التي حظيت بها للتحول بين الأسواق المحلية الضيقة والمحدودة الحجم، قابلها ضيق ملموس في اتساع وتنوع الفرص الاستثمارية المتاحة محليا، فلا يوجد في الأغلب سوى سوقي المال أو العقار، وهذا ما حدث بالفعل من بعد انهيار السوق المالية في نهاية شباط (فبراير) 2006، لتتحول السوق العقارية إلى سوق هائلة لتدوير الأموال والثروات، ويكفي ما كشفت عنه بيانات وزارة العدل أخيرا أن حجم الثروات المدارة في السوق وصل خلال 2014 إلى نحو 449.7 مليار ريال، تركز نحو 94.0 في المائة من تلك السيولة المدارة على شراء وبيع أراض زراعية وقطع أراض، فيما لم يتجاوز نصيب المنتجات الإسكانية منها 4.7 في المائة من إجمالي قيمة صفقات السوق العقارية (21.3 مليار ريال فقط). (الركن الثالث) الزيادة المفرطة في خلق الائتمان المحلي، وهو ما كان يعتقد أنه غير متحقق في تعاملات السوق إلى ما قبل نشر بيانات وزارة العدل، إلا أنه بعد الاطلاع على تلك البيانات ومقارنتها بما هو منشور في بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي (النشرات ربع السنوية)، تبين أن نسبة الزيادة السنوية في القروض العقارية للأفراد إلى قيمة الصفقات العقارية على الوحدات السكنية، قد ارتفع من 92.0 في المائة خلال 2013، إلى 132.5 في المائة حتى نهاية الربع الثالث من 2014! ولعل هذا ما يفسر كثيرا الأثر الكبير الذي تركه تطبيق أنظمة التمويل العقاري أخيرا، ودوره الملموس في تراجع صفقات السوق العقارية طوال الأشهر القليلة الماضية. كما تبين أعلاه فإن أركان أو شروط تشكل الفقاعة السعرية كانت متوافرة بالدرجة الكاملة، وبدأت تشهد ذوبانا متسارعا مع زيادة شفافية السوق العقارية (وزارة العدل)، وزيادة التشدد في التمويل العقاري (مؤسسة النقد). الرأي الآخر المختلف لدى فريق آخر من تجار العقار وبعض منظريهم، يعترف بوجود هذه الفقاعة دون ذكرها مباشرة ودون أن يدرك ذلك في مبرراته التي يضعها محذرا من انهيار الأسعار! وهو محور الإجابة على سؤال هذا الجزء من التقرير الأسبوعي (هل انفجار الفقاعة السعرية العقارية يهدد استقرار الاقتصاد الوطني؟) والحقيقة أن رأي هذا الفريق من تجار العقار هو أكثر تضليلا من التضليل الذي حمله رأي الفريق الأول الذي تطرقت إليه أعلاه! فهو هنا يحمل (تحذيرا وهميا كامل الوهمية 100 في المائة)، مضللا للرأي العام كاملا وللأجهزة الحكومية المعنية بالسوق العقارية، التي تعتزم في الوقت الراهن إقرار الرسوم على الأراضي داخل المدن والمحافظات نظير تعطيلها عن التطوير والإنشاء، والتي تراوح نسبها إلى مساحات المدن بين 40 إلى 70 في المائة منها، زاعما هذا الفريق أن من شأن تلك الرسوم وغيرها من الإجراءات الرادعة لاحتكار الأراضي سيخفض الأسعار بنسب كبيرة، وسيلحق أشد الأضرار بالسوق العقارية، وسيؤثر سلبا في نشاط شركات التطوير العقاري! عجبا؛ وما هو نشاط السوق العقارية في الوقت الراهن؟ وماذا قامت به شركات التطوير العقاري، وما نسبة مساهمتها في نشاط السوق؟ لقد كشفت بيانات وزارة العدل الرسمية، أن نحو 94.0 في المائة من قيمة صفقات السوق العقارية ليست سوى مضاربات على أراض صماء بكماء، لا بناء عليها ولا تطوير! وأن نشاط شركات التطوير جاء أقل مما كان مأمولا فلم تتعد قيمة صفقاتها من السوق سقف 4.7 في المائة! وبالتالي فما جرى في حقيقته لم يكن سوى تشكل (فوهة مضاربة عملاقة) امتصت الأموال والثروات المتوافرة في الاقتصاد، على حساب بقية نشاطات الاقتصاد الوطني، فعوضا عن أن تتجه الأموال والثروات إلى الاستثمار والإنتاج وإيجاد الوظائف للمواطنين، وجدناها تتجه بأحجام هائلة جدا إلى مجرد شراء وبيع مساحات من الأراضي الجرداء، والمضاربة المحمومة عليها طوال الأعوام الماضية، نتج عنها أضرارا بالغة تأذى منها الجميع إلا أصحاب تلك الأموال المنخرطة في مضاربات الأراضي! إنه هنا حديث عاقل لعاقل، حديث بالأرقام والإحصاءات الرسمية لا مجرد هراء وأكاذيب نسجه خيال المستفيد الوحيد من الفوضى العارمة التي تعج بها السوق العقارية. الإصلاح المأمول دفعه كاملا على جسد السوق العقارية (فرض الرسوم على الأراضي المحتكرة بمساحات شاسعة داخل المدن والمحافظات، استرداد للأراضي المسروقة بصكوك مزورة وتوجيهها إلى وزارة الإسكان)، الهدف الرئيس منه هو سد تلك الأبواب الخطيرة التي لم ينفذ منها إلا حرمان ثلاثة أرباع المواطنين من الحصول على مساكنهم المستحقة، ولم ينفذ منها إلا حرمان الاقتصاد الوطني من موارده التي تحولت إلى مضاربات بالغة الضرر عوضا عن الإنتاج والتشغيل والتوظيف. السؤال الأخطر جدا في ضوء هذه التشوهات الراهنة؛ أيها أجدى لملاك الثروات والأموال، أن يشتري أراضي ويحتفظ بها لعدة أعوام تتنامى فيها أضعافا مضاعفة؟ أو أن يدفع بها كرأسمال عامل في مشروع إنتاجي معين؟ الوضع الراهن يقول الخيار الأول هو الأفضل والأجدى أمام أصحاب الثروات والأموال دون نقاش! كلما زاد اجتذاب السوق العقارية (تجارة الأراضي واحتكارها) للأموال زاد حرمان الاقتصاد والمجتمع من موارده وخيراته، ولك أن تتخيل أي حال سيكون عليه كل من البلاد والعباد إن امتصت تلك التجارة والمضاربة أغلب الثروات والأموال المتوافرة؟! أهذا ما يدافع عنه أصحاب رأي التحذير من معالجة وإصلاح السوق العقارية؟ بناء عليه؛ ماذا يعني انهيار قيمة أراض تقدر قيمتها السوقية اليوم على سبيل المثال بملياري ريال إلى ما لا يتجاوز 300 مليون ريال (انخفاض 85 في المائة)؟ لقد نمت قيمتها في الأصل دون أن يدفع فيها ريالا واحدا، من أقل من 300 مليون ريال إلى أن وصلت إلى ملياري ريال نتيجة تلك التشوهات المذكورة أعلاه، وأولها آفة الاحتكار! كل ما في الأمر أن قيمة الأراضي المتضخمة عادت إلى قيمتها الحقيقية، وهو الأمر الذي سيخدم كثيرا الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وسيفرض على الأموال والثروات أن تتجه إلى البناء والتطوير والإنتاج والتشغيل والتوظيف، الذي ستتوزع عوائده على شرائح أكبر من المواطنين، وسيعزز كثيرا من مستويات الدخل والنمو والتنمية والرفاهية، بينما لن ينتج عن الوضع الراهن البالغ التشويه الذي يدافع عنه تجار العقار؛ إلا زيادة في تشوهات الاقتصاد، وزيادة في اختلال الدخل وتباينه بين طبقات المجتمع، ونقص في الإنتاج والنمو الاقتصادي وتمزيق خطير جدا لأنسجة وشرائح المجتمع، فتتشكل لدينا طبقات ثرية جدا يكاد لا يذكر عددها، مقابل طبقات اجتماعية فقيرة واسعة العدد والانتشار، وتلك لعمرك هي سبب نهاية أي مجتمع عرفه التاريخ. الأداء الأسبوعي ------------------- سجلت الصفقات الأسبوعية للسوق العقارية السعودية ارتفاعها الأول بعد انخفاضين لأسبوعيين متتاليين، مرتفعة بنسبة 2.1 في المائة مقارنة بتراجعها الأسبوع الأسبق بنسبة 8.5 في المائة، لتستقر عند 8.7 مليار ريال، مقارنة بقيمتها نهاية الأسبوع السابق 8.5 مليار ريال. يعزى هذا الارتفاع إلى زيادة قيمة الصفقات المنفذة على القطاع التجاري بنسبة 20.6 في المائة، مقارنة بارتفاع قيمة صفقاته خلال الأسبوع الأسبق بنسبة طفيفة لم تتجاوز 0.7 في المائة، وارتفعت تلك القيمة إلى نحو 3.9 مليار ريال مقارنة بنحو 3.2 مليار ريال المحققة خلال الأسبوع الأسبق، بينما انخفضت قيمة الصفقات الأسبوعية على القطاع السكني للأسبوع الثاني على التوالي بنسبة 9.2 في المائة، لتنخفض من نحو 5.3 مليار ريال إلى 4.8 مليار ريال. أما على مستوى مبيعات العقارات السكنية، فلم تلبث بعد نموها الأسبوع الأسبق إلا أن عادت للتراجع مرة أخرى بنسبة 7.0 في المائة، لتستقر عند 5376 عقارا مباعا، مسجلا مستوى أسبوعيا متدنيا جديدا هو الأدنى منذ نهاية صيف 2014، ونتج هذا الانخفاض في أعداد العقارات المباعة للقطاع السكني من التراجع الذي بالمبيعات الأسبوعية الذي شمل جميع العقارات السكنية المنقولة ملكيتها (الأراضي الزراعية، الشقق، الفلل، قطع الأراضي)، باستثناء ارتفاع أعداد العقارات الأخرى (البيوت، العمائر). جاءت تطورات العقارات المنخفضة أعداد مبيعاتها الأسبوعية كالتالي: انخفاض مبيعات الأراضي الزراعية إلى 165 أرض زراعية بنسبة 17.9 في المائة، وانخفاض مبيعات الشقق السكنية إلى 288 شقة سكنية بنسبة 15.8 في المائة، وانخفاض مبيعات الفلل السكنية إلى 41 فيلا سكنية بنسبة 21.2 في المائة، وانخفاض مبيعات قطع الأراضي السكنية إلى 4777 قطعة أرض سكنية بنسبة 6.1 في المائة. فيما جاءت تطورات العقارات المرتفعة مبيعاتها على النحو التالي: ارتفاع مبيعات البيوت السكنية إلى 58 بيتا سكنيا بنسبة 11.5 في المائة، وارتفاع مبيعات العمائر السكنية إلى 34 عمارة سكنية بنسبة 21.4 في المائة. أما على مستوى متوسط أسعار العقارات السكنية خلال الأسبوع، فقد تباينت تحركات متوسطات الأسعار لجميع أنواع العقارات بين الارتفاع والانخفاض. بالنسبة للارتفاعات فقد جاءت من نصيب الأراضي الزراعية السكنية، التي ارتفع متوسط سعر مترها المربع من 16.3 ريال للمتر المربع إلى 32.0 ريالا للمتر المربع، بنسبة ارتفاع 96.0 في المائة، وارتفع متوسط قيمة البيوت من 477.9 ألف ريال للبيت الواحد إلى 513.2 ألف ريال للبيت الواحد بنسبة ارتفاع 7.4 في المائة، وارتفع متوسط قيمة الفيلا السكنية من 1.41 مليون ريال للفيلا الواحدة إلى 1.7 مليون ريال للفيلا الواحدة، بنسبة ارتفاع 22.8 في المائة. فيما جاءت الانخفاضات على النحو التالي: انخفض متوسط قيمة الشقق السكنية من نحو 608.8 ألف ريال للشقة الواحدة إلى 574.7 ألف ريال للشقة الواحدة، بنسبة انخفاض 5.6 في المائة، وانخفض متوسط قيمة العمارة السكنية من 1.2 مليون ريال للعمارة الواحدة إلى 720.9 ألف ريال للعمارة الواحدة بنسبة انخفاض 39.1 في المائة، وانخفض متوسط سعر المتر المربع لقطع الأراضي من نحو 844 ريالا للمتر المربع لقطعة الأرض الواحدة إلى نحو 520 ريالا للمتر المربع لقطعة الأرض الواحدة، بنسبة انخفاض بلغت 38.4 في المائة.