يعد الشرق الأوسط أحد أكثر المناطق اضطراباَ في العالم، وهو ليس غريبا على الاضطرابات، بداية من احتجاجات 2009 في إيران وإصرار الرئيس محمود أحمدي نجاد على اتباع سياسة حافة الهاوية، إلى اضطربات الربيع العربي، ثم الصراع السوري وامتداده إلى العراق والعودة المحتملة للعلاقات بين واشنطنوطهران. وعلى خلاف الأعوام الأخيرة ربما يشهد العام 2015 اصطفافًا سُنيًّا إقليميا مع إعادة تنظيم العلاقات نحو قبول أوسع للإسلام السياسي المعتدل. لا سيما وأن المنطقة لا تزال تحاول الخروج من حالة عدم اليقين التي سادتها على مدار نصف عقد في محاولة لتشكيل مستقبلها، هذه العملية لن تكون أنيقة أو منظمة، وسوف تدور معظم التغييرات حول مناطق الصراع في سورياوالعراق في مواجهة النفوذ الإيراني الذي يزداد قوة. يدخل الشرق الأوسط العام 2015 وهو يواجه عدة أزمات؛ لا تزال الأوضاع في ليبيا تشكل تحديًا أمنيًا لمنطقة شمال إفريقيا، ودول الخليج والمشرق العربي لا تزال تتلمس الطريق مع تطورات المحادثات الأمريكيةالإيرانية، والحرب الطائفية "بالوكالة" الدائرة بين السنة والشيعة في العراق، وفراغ القوة الذي خلفه تعثر تركيا بسبب مشكلاتها الداخلية التي منعتها من الاضطلاع بدور أكبر في المنطقة، علاوة على الاضطربات الناجمة عن تهاوي أسعار النفط، ففي حين سيكون بمقدور السعودية والإمارات والكويت استخدام احتياطياتها النفطية لمواجهة حالة الركود؛ فإن سائر الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط سوف تواجه عواقب وخيمة. على مدار عقود ساعد القادة المستبدون في المنطقة كمثل الجزائر واليمن على الحفاظ على خيارات متشددة على غرار القومية العربية المدعومة من الجيش التي تبناها جمال عبد الناصر في مصر، تمكنت الديكتاتوريات في الحد من المعارضة الداخلية وتحجيم دعاوى الديمقراطية، إما من خلال الإنفاق الاجتماعي أو استخدام آلة القمع أو كليهما، لا تعد الولاياتالمتحدة مجرد شريك أمني لهذه الدول في استراتيجية مكافحة الإرهاب منذ عام 2011، ولكنها اعتمدت أيضاً على دول الخليج كحصن ضد التوسع الإيراني والخطر القادم من عراق صدام حسين، انتقلت حالة عدم الاستقرار بشكل كبير إلى لبنان والأراضي الفلسطينية، في حين ظلت إسرائيل آمنة نسبيًا من باقي الجبهات بسبب التزام جيرانها بالاتفاقات الموقعة. "السعودية تسعى لتقليص اعتمادها على الولاياتالمتحدة لحفظ الأمن الإقليمي" اليوم، يبدو المشهد متغيرًا، فقد انهار النظام الحديدي للرئيس العراقي صدام حسين، وتم استبداله بديمقراطية هشة مُهددة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، كذلك ولّى عهد القادة التاريخين في تونس وليبيا ومصر، وتبدو دول المملكة العربية السعودية والجزائر وسلطنة عمان في انتظار تغييرات خلال العام القادم، كذلك المفاوضات الجادة بين الولاياتالمتحدةوإيران والتي تعتبر بالنسبة لدول الخليج كابوس لا يصدق، كل هذه المتغيرات ربما تدفع باتجاه تحولات إقليمية كبيرة، خصوصًا مع اتجاه المملكة العربية السعودية وحلفائها نحو تقليل الاعتماد على الولاياتالمتحدة في حماية الأمن الإقليمي. البحث عن هيمنة سُنّية تبدأ الرياض هذا العام بضغوط كبيرة مقارنة بالعام الماضي، ليس فقط لكون الملك عبد الله (91 عامًا) يعاني من توعك صحي شديد «نقل على إثره إلى المستشفي واضطر لاستخدام أنبوب رئوي للتنفس الصناعي»، ولكن المملكة –أكبر منتج للنفط عالمياً- اضطرت أيضًا إلى الدخول في حرب أسعار مع منتجي النفط الصخري الأمريكي. ونظرًا لأن المملكة وحلفاءها الإقليميين (الإمارات والكويت) يتمعتون بفوائض نقدية تصل إلى تريليون دولار، فسوف يكون بإمكانهم الحفاظ على مستويات ثابتة للإنتاج –رغم انخفاض الأسعار- على المدى المنظور. "ضغوط كبيرة على إيران وروسيا بسبب حرب الطاقة" ومع ذلك فإن سائر منتجي أوبك لن يكونوا قادرين على الصمود أمام العاصفة بسهولة، حيث يمثل انخفاض أسعار النفط إلى معدلات تصل إلى 40-50% ضغطًا ماليًا كبيرًا على إيران والحكومة الشيعية في العراق، واللذان يمثلان أكبر المنافسين الطائفيين للمملكة، وكذلك أكبر منافسيها في مجال الطاقة، ولكن التخطيط المنظم مع وفرة الاحتياطيات يعني أن الأمن الاقتصادي للمملكة العربية السعودية لن يكون معرضًا لتهديدات خلال الأعوام الثلاثة القادمة، وفي المقابل فإن الرياض ستوجه تركيزها ليس فقط في مواجهة إيران ولكن أيضًا في صناعة علاقات مع الفاعلين السنيين في المنطقة والذين ضعف تأثيرهم كثيرًا خلال السنوات الأخيرة. وطالما اعتمدت الاستراتيجية الإقليمية التقليدية للرياض على دعم الجماعات العربية السُّنية ذات الأيدولوجية المحافظة «السلفية»، تبقى الجماعات السلفية غالبا بعيداً عن السياسة، كما تفيد الأيدولوجية السُّنية المملكة في منافستها ضد إيران والمشروع الشيعي، كما تستخدم السلفية كأداة للحد من نفوذ الإسلام السياسي، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، التي ترى الرياض أنها تمثل تهديداً لها بسبب ما تحظى به من دعم شعبي إضافة إلى مطالبتها المستمرة بالديمقراطية. ومع تزايد الضغوط الإقليمية، يبدو أن دول الخليج، وبالأخص المملكة العربية السعودية في سبيل إعادة تقييم علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث يبدو أن تهديدات الجماعات السلفية الجهادية سوف تدفع السعودية –وربما الإمارات- إلى إقامة علاقة مع الإخوان المسلمين من أجل الحد من المخاطر التي تشكلها الجماعات المتنافسة في المنطقة. الرغبة في استعادة العلاقات مع الإخوان المسلمين سوف تؤثر أيضاً على العلاقات الديبلوماسية، حيث ظلت قطر لفترة طويلة تدعم جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي تسبب في توتير علاقاتها مع سائر دول الخليج «السعودية والبحرين والإمارات» والذي بلغ حد سحب السفراء، ومع ذلك فقد دفع التقارب الأمريكي الإيراني وبزوغ نجم السلفية الجهادية كلاً من الرياض وأبو ظبي والمنامة إلى التفكير في التقارب مع الإخوان المسلمين والإسلام السياسي والبداية كانت بالمصالحة مع قطر التي سارعت في إبداء مواقف أكثر مرونة تجاه القضايا في مصر «حيث هدأت نبرة الحدة في علاقتها مع النظام المصري»، وليبيا «تتعاون قطر الآن بشكل أفضل مع الحكومة المعادية للإسلاميين في طبرق» ،[حيث يبدو أن قطر ستلعب دور الوسيط الديبلوماسي الخليجي بين تيارات الإسلام السياسي والحكومات المعادية لها، كما ستسعى لممارسة بعض الضغوط على الإسلاميين لتقليل سقف طموحاتهم]، الأمر الذي يوضح كم تشكل العلاقة مع الإخوان المسلمين فارقاً في رسم سياسة مجلس التعاون التي تتجه لانتهاج حلول أكثر ديبلوماسية بهدف اتخاذ موقف إقليمي موحد مع بداية عام 2015 وفقاً لما تسعى إليه الرياض. يأتي هذا التحسن في العلاقات في وقت حرج تزامناً مع التقارب الأمريكي الإيراني، حيث تسعى دول الخليج لحماية مصالحها بالتدخل المباشر في سوريا وليبيا وبشكل أخص في اليمن، ويهدف هذا التدخل العسكري المحتمل إلى إظهار القوة في وجه إيران، كما يهدف إلى ملأ الفراغ السياسي بسبب غياب القيادة التركية خصوصاً في سوريا. ولطالما عارضت قطر التدخلات المباشرة، حيث تفضل الإمارة الضغيرة استغلال ثروتها واستقرارها الداخلي في دعم فصائل الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان في مصر وحركة النهضة في تونس والفصائل المتمردة في سوريا، وتسببت الخلافات بين دول الخليج بشأن أحداث 3 يوليو 2013 وبشأن دعم الفصائل المسلحة في سوريا إلى تغييرات إقليمية كبيرة، حيث تسببت في تصاعد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا على حساب الفصائل المدعومة خليجيًا، مما أدى في النهاية إلى تمدده في الساحة العراقية. دون تدخل عسكري أجنبي لمساعدة المتمريدين، لن ينجح فصيل في الحرب السورية أن يحرز نصرًا حاسمًا، وتبدو كل آفاق الوصول إلى حلٍ حاسمٍ غير واقعية. الداعمون الأساسيون لنظام الأسد يسعون إلى الوصول إلى تسوية في سوريا من أجل الالتفات إلى مشاكلهم الداخلية التي تفاقمت بسبب انخفاض أسعار مصادر الطاقة. قرار الكويت مؤخرا بإعادة فتح سفارة للنظام السوري لخدمة السوريين المقيمين في الكويت ربما يعكس قناعة ترسخت لدى دول الخليج أن الأسد لن تتم إزاحته بالقوة، وأن على الجميع البحث عن مواقع تفاوضية، ربما لن ينتهي الصراع السوري في 2015 ولكن الجهات الإقليمية الفاعلة سوف تسعى للبحث عن مخرج من الأزمة بعيداً عن أرض المعركة. أي تسوية عن طريق التفاوض ستتم عبر الوكلاء السُّنيين في المنطقة وعلى رأسهم مجلس التعاون وتركيا، حيث ستتشكل ما يشبه منظمة سياسية وظيفتها الحد من سلطة الحكومة العَلَوية والتقدم الذي أحرزته بمساعدة داعميها في طهران. ويمثل نموذج الإسلام السياسي على غرار الإخوان أحد الحلول السُّنية المحتملة في هذا الإطار، لأن البديل الذي ترفضه السعودية سيكون شاملاً للجهاديين، مثل هذا الحل لا يزال بعيد المنال ولا يزال يحتاج إلى إطار ديموقراطي أكبر لمحاولة تفعيله. طريق شمال إفريقيا الطويل نحو الاستقرار "القاهرة نقطة انطلاق العمليات الخليجية لدعم عملية الكرامة بقيادة اللواء خليفة حفتر" لطالما اتبعت دول شمال إفريقيا مسارًا ممايزًا عن بلاد الشام ودول المشرق العربي بفعل عوامل الجغرافيا؛ حيث سادت منافسة طويلة بين الحكومات القومية العلمانية المستوحاة من تجربة عبد الناصر وبين ممالك الخليج حول قيادة العالم السني، بينما صار الشمال الإفريقي الآن يعتمد على الدعم المالي من منافسيه السابقين. لقد استطاع الخليج أن يستثمر استقراره النسبي وثرواته النفطية لأخذ زمام المبادرة ودعم حلفائه في شمال إفريقيا في أعقاب الربيع العربي، وبذلك صارت القاهرة الآن نقطة إنطلاقٍ للعمليات الخليجية، وخاصة الضربات الجوية التي توجهها الإمارات ضد الإسلاميين في ليبيا، والتنسيق المصري الخليجي لدعم عملية الكرامة التي يقودها اللواء خليفة حفتر. ليبيا أيضا بشكل ما تشكل ساحة للمنافسة بين القوى السنية، في حين تدعم قطر –وبشكل أقل تركيا- الفصائل الإسلامية المسلحة المنتمية إلى المؤتمر الوطني العام بطرابلس، في مواجهة الحكومة المعترف بها دوليا والمعادية للإسلاميين في طبرق، وتسيطر الفصائل الإسلامية على المدن الثلاثة الأكبر في البلاد، في ذات الحين فشلت القوى المدعومة من مصر والإمارات في تحقيق تقدم للاستيلاء على طرابلس وبني غازي مما يستدعي تنسيق أكبر بين القاهرة وأبو ظبي. السعودية والإمارات ومصر معنيون بالمقام الأول بالتعامل مع الوضع في ليبيا الغنية على الحدود مع مصر، والتي صارت أحد معاقل الإسلام السياسي، وقد ترك الاقتتال حول موانئ النفط على السواحل الليبية معظم الصحاري الليبية فارغة لتمدد الجهاد الإقليمي أو منظمات التهريب مما يشكل خطرًا أمنيًا كبيرًا ليس فقط على دول المنطقة ولكن على المصالح الغربية كذلك، أثبتت محاولة مصر ودول الخليج لتشكيل الأمور على الأرض في ليبيا أنها غير فعالة، والخطط الغربية لإجراء مصالحة ربما تحاول الاستفادة من قوى إقليمية كالجزائر –المنافس التقليدي للمصالح الإقليمية الخليجية في شمال إفريقيا- والتي تتمتع بأريحية أكبر للعمل مع طيف واسع من الأيدولوجيات السياسية بما في ذلك الإخوان المسلمين. من المرجع أن تجد ليبيا نفسها ساحة للصراع الداخلي بين القوى السُّنية حول الإسلام السياسي، ففي مقابل أن تقوم السعودية وحلفاؤها بتخفيف الضغط على الإخوان في مصر وسوريا، سوف تكون كل من قطر وتركيا مطالَبين بالتعامل مع الحكومة في طبرق والضغط على الإسلاميين للقبول بخطة تفاوض يرعاها الغرب مع خصومهم السياسيين والحكومة في طبرق. التأثير الإقليمي كان الاختلال الوظيفي والاقتتال الداخلي أهم ما شاب الاستراتيجية السُّنية في التعامل مع الوضع في سوريا، وقد مكن هذا الاختلال إيران من أن ترسخ أقدامها في بلاد الشام وأخذت تنفق مواردها في أماكن أخرى مثل ليبيا ومصر. سوف يشهد العام القادم توافقا بين السعودية وقطر وربما تركيا حول دَور الإسلام السياسي في المنطقة، لقد شهد العام 2014 تراجعًا كبيرًا لتيارات الإسلام السياسي على شاكلة الإخوان المسلمين، الأمر الذي أعطى فرصة لصعود مجموعات اليمين المتطرف مثل الدولة الإسلامية في الوقت الذي ركز فيه وكلاء السُّنة في الخليج على منافسة بعضهم البعض. تتوجه إيران ببطء ولكن بثبات نحو مفاوضات ناجحة مع الولاياتالمتحدة، فضلا عن التهديدات التي يشكلها الإسلام «المتشدد» في جميع أنحاء بلاد الشام والعراق وشمال أفريقيا، وقد استلزم إعادة تنظيم العلاقات داخل المصالح السُّنية المختلفة في الشرق الأوسط، سوف تتجه القوى السُّنية إلى تجاوز خلافاتها وتركيز جهودها لحل النزاع في سوريا وليبيا رغم أن الحلول النهائية لهذه الأزمات بعيدة عن متناول هذا العام 2015. ربما تضع قوة ووحدة السُّنة ضغوطًا على إيران للقبول باتفاق مع الولاياتالمتحدة قبل نهاية العام، هذا الاتفاق الذي يبدو في ظاهره مُضرًا بمصالح دول الخليج ربما يدفعها لاتخاذ موقف أكثر براجماتية، والقبول بدورٍ للإخوان المسلمين في الشرق الأوسط، والالتفات إلى الحد من فرص طهران للنجاح وليس إنكار دورها بشكل كلي كما كان من قبل. وسيتم تحقيق جزء من هذا التحجيم عبر استراتيجية الطاقة الحالية بينما ستأتي بقية الجهود عبر مفاوضات داخلية بين السعودية ومصر وقطر وتركيا. "الرئيس اليمني فقد سيطرته على البلاد لصالح الحوثيين" [في اليمن يبدو أن السعودية ربما تلجأ أيضًا لموازنة علاقتها مع الإخوان المسلمين بعد أن صبت الحرب السعودية ضد بني الأحمر والتجمع اليمني للإصلاح في صالح جماعة الحوثي الموالية لإيران التي صارت لها الكلمة العليا الآن في العاصمة صنعاء، تظن السعودية أنها ارتكبت أخطاءً كبرى في اليمن أسهمت في سقوط حديقتها الخلفية في براثن نفوذ خصمها اللدود، تشير تقارير إلى سعي السعودية إلى التواصل مع قبائل حاشد من أجل موازنة النفوذ الحوثي، كما تسعى لدعم الرئيس هادي، وفي كل الأحوال فإن موازنة نفوذ الحوثيين سيتطلب بالضرورة تخفيف الضغط على الإخوان المسلمين وحلفائهم] سوف يشهد العام القادم تلاحمًا بين الفصائل السُّنية الموجودة في العراق وبين المتمردين المدعومين من الغرب لدفع المفاوضات ومواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، ستكون القيادة الخليجية الموحدة حصنًا أكبر ضد المزيد من التمدد في النفوذ الإيراني والعلوي في بلاد الشام، الأهم من ذلك أنها ستكون فرصة للتحالف السُّني وفي مقدمته السعودية لتقديم استجابة أكثر نضجًا سواء من خلال تحركات عسكرية حازمة في المنطقة أو التعاون مع قطر بهدف توجيه الإخوان المسلمين. لذا فإن العام 2015 ربما يشهد تحولاً في الاستراتيجة العربية السُّنية التي طالما شكلت وجه المنطقة لفترات طويلة. *تم نشر هذا التقارير بإذن من «ستراتفور» "Saudi Arabia Faces Challenges in the New Year is republished with permission of Stratfor."