أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر، قبيل ساعات من انطلاق فاعليات اليوم، الجمعة 28 نوفمبر، بيانين أحدهما باللغة الإنجليزية والآخر صدر مساء أمس الخميس باللغة العربية وثالث غير رسمي منسوب لبعض شباب الجماعة، لتوضيح موقف الجماعة من التظاهرات التي دعت إليها الجبهة السلفية ونشطاء شباب من التيار الإسلامي تحت اسم "انتفاضة الشباب المسلم" والتي ثمّنتها الجماعة في بيان سابق لها نشر على موقعها الرسمي قبل ذلك. جاء البيان الأول للجماعة باللغة الإنجليزية في تصرف مستهجن من البعض بسبب إصدار بيان يوضح مسألة جدية كهذه في ظرف عصيب بلغة أجنبية قبل ظهوره باللغة العربية؛ مما دعى البعض للقول إن الجماعة مهوسة بمخاطبة الغرب دون جدوى. جاء البيان مخالفًا في محتواه عن سابقه الذي ثمّن الحراك الخاص بانتفاضة الشاب المسلم ودعا للمشاركة فيه بقوة دفاعًا عن الهوية الإسلامية على حد وصف البيان السابق، حيث جاء البيان الإنجليزي متحدثًا بأن الحرية هي المقصودة من موضوع الهوية في تحريرٍ واضح للصراع من أية أبعاد دينية هوياتية على عكس نظرة الجماعة الأولى لهذا الحراك، محاولة تأطير هذه التظاهرات بإطار الخطاب الثوري الجامع الذي لا يدخل في مفاصلة مع أحد وأن جميع التحركات المضادة للانقلاب العسكري محمودة كلها وتُثَمّن إسلامية كانت أم غير ذلك، وهذا على عكس ما تحدثت به لغة "الثورة الإسلامية" لدى بعض الشباب الداعي لفراق الحراك المدني والدخول في المنحنى الأيدلوجي البحت، الأمر الذي تجنبته الجماعة في بياناتها الأخيرة محذرة من رفع أية شعارات أو أعلام غير تلك المعهودة في مظاهراتهم المعتادة أو الانجرار للعنف تحت أي ظرف كان وذلك بدخولهم تحت إمرة التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، محاولين إدخال الانتفاضة المزعومة تحت هذه الإمرة بدعوتهم لاستمرار التظاهرات المعتادة في يوم الجمعة دون جعل خصوصية لهذا اليوم كما هو مجهز له. يفسر البعض سلوك الجماعة نحو هذا الاتجاه بعد تعالي صيحات الربط بين ممارسة العنف والمشاركين في هذا اليوم كما أتت التحذيرات للجماعة بأن ثمة مجزرة ستحدث بحق الإسلاميين عمومًا في هذا اليوم طالما أن الصراع قد دخل في المربع الخاص بالتيار الإسلامي وفقط خاصة مع تزايد هجمات الجماعات المسلحة ضد الجيش والشرطة في مصر في الآونة الأخيرة وحالة التأهب القصوى التي دخلتها الأجهزة الأمنية منذ الإعلان عن هذا اليوم. لم يختلف البيان العربي كثيرًا عن البيان الإنجليزي في هذا الصدد، وإنما اعتبره الكثير من الشباب المشارك في اليوم تفريغ للانتفاضة من محتواها بعد وضع عدة ضوابط لشكل التحرك في اليوم كالتزام السلمية ورفع شعارات الثورة المعتادة والأعلام المصرية، ومن المعروف أن الداعين لهذا اليوم قد اتخذوا من المصحف شعارًا لحمله وهو ما تجاهلته الجماعة في بياناتها. أثارت هذه البيانات موجة غضب لدى مجموعة الشباب من التيار الإسلامي وأنصار الجهاديين والجبهة السلفية المتحمسين لهذه التظاهرات بشكلها الأيدلوجي الإسلامي، متهمين الجماعة بالتخلي الناعم عن معركة الهوية في ذلك اليوم. صدر بيان ثالث منسوب لبعض شباب الإخوان تدوالته بعض صفحات شباب الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي يحمل رؤية مغايرة لما صدر في بيانات الجماعة الأخيرة ويؤكد أنها لا تلبي طموحات الشباب، مؤكدين أنهم لن يتخلوا عن الشباب المسلم في معركته اليوم ولن يستبدلوا خطاب الهوية بخطابات التوافق وأن القاتل لن يفرق بين حامل المصحف أو حامل العلم - حسب ما جاء في البيان المتدوال على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي -. هذا الأمر يؤكد وجود خلافات حادة داخل صف الجماعة بخصوص تكوين رؤيا واضحة لطبيعة الصراع الحالي، حيث يوجد تيار آخر من الشباب لا يرى وجود لمعركة الهوية أصلاً بعكس التيار المساند للانتفاضة هكذا كان الحال عند متخذي القرار في الجماعة. حيث أكد المتابعون والمحللون وفق مصادر من داخل الجماعة أنها كانت تنتوي إصدار بيان يؤجل المشاركة كلية ليوم آخر لتفويت الفرصة على قوات الأمن لإحداث مجزرة جديدة في صفوف المشاركين بعد تأكيدات ونصائح عدة وصلت إليهم من كثيرين، لكن ثمة خلاف حاد بين المؤيدين والمعارضين داخل صف القيادة لإلغاء المشاركة أدى إلى ظهور البيان بصيغة وسط كالذي ظهرت تؤكد المشاركة بالشكل الطبيعي الذي يحدث يوميًا مع التخلي عن الشكل الأيدولوجي المنفصل في المظاهرات وإبراز الخطاب الثوري حتى يخفف من وطأة الربط بين الجماعة وأحداث العنف التي تقع في البلاد وفقًا لوجهة نظرهم. تأتي هذه البيانات لتحدث شقًا في صفوف المشاركين في تظاهرات اليوم مع حدوث نوع من الاضطراب الواضح بسبب ظهور معسكر مؤيد لبيانات الجماعة وظهور آخر يتهم الجماعة بالانبطاح، لكن على أية حال فمن المعروف أن قوة حشد الجماعة هي التي شكلت قوام الحراك المضاد للانقلاب العسكري في مصر طوال الأشهر الماضية وفي انتظار معرفة هل سيظهر تيار غير تقليدي يقود الدفة في اتجاه جديد مغاير لقيادة الجماعة للحراك؟ ومن المفترض أن تظاهرات اليوم هي الاختبار الأول لهذا السؤال وبالتحديد بعد ظهور بيانات الجماعة الأخيرة التي تنأى بنفسها عن الدخول في خضم شكل جديد غير محسوب من أشكال الصراع مع النظام في مصر.