في أغنى دول العالم، من حيث نصيب الفرد، تُستَخدَم البيروقراطية لاستعباد العمال الأجانب الفقراء الممنوعين من مغادرة البلاد. هذا ما نشرته "الجارديان" البريطانية ،في تحقيق عنوانه 'We want our pay,' say Qatar's exploited migrant workers قام بترجمته موقع صحيفة "ساسة بوست"، وفيما يلي نصه: ساعات العمل الطويلة تحت لهيب الصحراء القائظ، والنوم في مهاجع مزرية ضيقة، هما الدليلان الأكثر وضوحا على محنة العمال المهاجرين في قطر. لكن استغلال المملكة الخليجية لهؤلاء الذين يعملون قسريًا يُطِلُّ أيضًا من بين سطور الوُرَيقة المسماه عقدًا، والراتب الذي لا يُدفَع. يُستَدرَج العمال من الهند ونيبال وسريلانكا بإغراءاتٍ زائفة للعمل في شركات لا يستطيعون منها فِكاكًا. وتُظهِر الملفات كيف أن بعضهم لم يحصل على راتبه لعدة أشهر- وفي بعض الحالات لأكثر من سنة – وأنهم يتقاضون أقل بكثير مما وُعدوا به، وكيف أن نظام الكفالة القطريّ يحرمهم من حقوق تغيير الوظيفة، أو حتى مغادرة البلد. وهكذا تقوم البيروقراطية، في أغنى دول العالم من حيث دخل الفرد، بدور الأغلال والسلاسل في استعباد أشد البشر فقرًا. والحال هكذا، تعهدت قطر بمعالجة المشكلة عبر إصلاح ممارسات العمل البالية – بحسب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الاتجار بالبشر- ووعد المسؤولون في مايو بتدشين أساسٍ تعاقديّ جديد، وإنهاء النظام الذي يمنع العمال من مغادرة قطر إلا بإذن كفيلهم المحليّ. لكن هذه التغييرات لم تحدث حتى الآن، ولا يزال العمال يعانون في ظروفٍ تصل إلى حد السُّخرَة. وداخل مخيم العمال الصحراوي الواقع على بعد 25 كم غرب الدوحة، زارت الجارديان مجموعة قوامها أكثر من 60 عاملًا، من بلدان جنوب آسيا. كانوا مُجَرّدين من جوازات سفرهم، في خرقٍ لقوانين العمل في قطر التي تمنعهم من مغادرة البلاد، ولم يحصل عدد كبير منهم على راتبه منذ عدة أشهر، بعدما دفع معظمهم مئات الجنيهات إلى وكلاء في بلدانهم لمجرد الحصول على وظيفة في قطر. أحدهم يُدعى يوجوال ثابا (25 عامًا)، غادر نبيال في الخريف الماضي على أمل أن يُرسِل "المال الكثير" لأهله في الوطن. لكنه لم يتلقَّ راتبه منذ عدة أشهر، رغم عمله 11 ساعة يوميًا، طيلة 6 أيام أسبوعيًا، في موقع بناء يتبع مقاولا هنديًا. ومع توقف تحويلاته المالية، اضطرت عائلته إلى اقتراض 660 جنيها إسترلينيا بفائدةٍ سنوية قدرها 48%. أما هو فلا يستطيع المغادرة؛ لأن صاحب العمل جرده من جواز سفره، كما أنه لا يستطيع تغيير وظيفته دون إذن صاحب العمل. عاملٌ آخر خُدِع بشأن الراتب؛ فوثيقة الهجرة التي ختمها من الحكومة النيبالية قبل مغادرته كاتماندو، تُظهِر أنه وافق على العمل كرئيس عمال براتب أساسي قدره 410 جنيه إسترليني شهريًا، لكن العقد الذي وقعه مع صاحب العمل عند وصوله كان ينصّ على أن يعمل نجارًا مقابل150 جنيه إسترليني فقط، أي أقل ب64% من الراتب المتفق عليه ابتداءً. ولأنهم لا يمتلكون أموالًا حتى لابتياع الطعام، ثَقُل كاهل هؤلاء الرجال بديون ضخمة اقترضوها غذاءً من محل بقالةٍ محليّ. وحول استعدادات قطر لكأس العالم 2022، جاء في تقرير الخارجية الأمريكية: "موافقة عامل البناء المبدئية على العمل في بيئة قاسية لا يعني التنازل عن حقه في عدم التعرض لسوء المعاملة. وحين يخدع صاحب العمل، أو شركة التوظيف، العمال بشأن شروط العمل ويحتجز جوازات سفرهم ويبقيهم في ظروف وحشية ويستغلهم في العمل فإنهم بذلك يكونوا ضحية للاتجار بالبشر". ويعيش في قطر 1.4 مليون عامل مهاجر- يشكلون أغلبية كبيرة بين سكان البلد البالغ عددهم قرابة مليونين- ويعتبرون محرك النمو المتسارع في البلاد، ويتدفق المزيد منهم كل يوم. وتُبنى أماكن إقامة ل 220 ألف عامل إضافي يُتَوَقَّع مجيئهم على مدى العامين القادمين مع بدء الاستعدادات الجدية لكأس العالم لكرة القدم 2022. لكن المشاكل التي يمثلها نظام الكفالة لا يزال مستمرًا. وتوجد أدلة واضحة على أن كثيرًا من العمال غُرِّر بهم للسفر والعمل في قطر تحت ذرائع كاذبة، وهم الآن غير قادرين على الهرب من البؤس الذي وجدوا أنفسهم عالقين فيه. ودون مواربة صرَّح تقرير الخارجية: "تأخر أو عدم دفع الرواتب هو المحرك الرئيس للعمل القسري، بما في ذلك الاسترقاق بالديون في قطر". ما دفع واشنطن لإدراج قطر على قائمة الاتجار بالبشر لأن "الحكومة لم تُصلِح نظام الكفالة، ولم تحاكِم أو تُدين أي مُتَّجِرٍ بالبشر، أو تجتهد في تطبيق قانون كفالة يطبق عقوبات على صاحب العمل الذي يحجب الأجور وجوازات السفر عن العمال". حتى الهرب صعب جدًا، فبصرف النظر عن رغبتهم في البقاء للحصول على أجورهم المحجوبة، لا يمتلك العمال جوازات سفر، ووحده صاحب العمل – الذي يعملون عنده الآن مجانًا – بإمكانه منحهم تصريحًا بالمغادرة. وهم ليسوا أحرارًا في تغيير وظائفهم، حتى يعطيهم صاحب العمل أو الكفيل "شهادة عدم الممانعة". أما الإصلاحات المقترحة فتشمل إلغاء نظام تصريح المغادرة، وفرض غرامات باهظة على أرباب العمل الذين يحتجزون جوازات السفر، والسماح للعامل بتغيير وظيفته. وفي هذا السياق يقول العقيد عبد الله صقر المهندي، مدير إدارة حقوق الإنسان بوزارة الداخلية القطرية: "نحن نتجه لإلغاء نظام الكفالة، وبدلا من ذلك سيكون هناك علاقة تعاقدية بين رب العمل والموظف. كما نأمل في إلغاء تأشيرة المغادرة تمامًا". لكن شمس هذه التغييرات لن تشرق قريبًا على هؤلاء المحاصَرين بلا أجرٍ في معسكرات العمل الصحراوية في قطر.