يبدو أن الصورة التي حققت انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لأول رئيس مصري يقبّل فيها رأس العاهل السعودي، لا تقف عند حدودها البروتوكولية غير المألوفة، بعدما أشار مصدر حكومي إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي طلب من ملك السعودية خلال اللقاء الذي عُقد على متن الطائرة الملكية الخاصة، مساعدات مالية سريعة دون انتظار عقد مؤتمر المانحين الذي لايزال في دائرة المجهول، بحسب "العربي الجديد " اللندنية. وقال مصدر حكومي للصحيفة ، إن الرئيس السيسي طلب من العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، خلال اللقاء الذي لم يستغرق أكثر من 37 دقيقة، تعجيل دعم المملكة لمصر من دون انتظار مؤتمر المانحين الذي دعت إليه السعودية قبل أسبوعين، بعدما رصدت القاهرة إشارات توحي بعدم خروج المؤتمر بالشكل المعوّل عليه، في ظل تردد الإمارات والكويت والولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. وكانت مصادر قد أكدت ل"العربي الجديد" الأسبوع الماضي، أن زيارة العاهل السعودي (التي جرت الجمعة الماضية) لن تثمر جديداً بشأن مؤتمر المانحين بسبب انشغال المملكة عن مصر بملف أكثر حساسية، وهو العراق، موضحاً أن الرياض حتى الآن، لا تريد الالتزام بموعد محدد لعقد المؤتمر. وقال المصدر: "نحتاج من السعودية مساعدات عاجلة بين مليارين إلى ثلاثة مليارات دولار لحين عقد مؤتمر المانحين. نعتقد أن المؤتمر سيتأخر إلى الخريف المقبل بسبب التطورات في العراق". لكن المصدر لم يوضح طبيعة هذه المساعدات، وما إذا كانت على شكل منحة أو ودائع. ويحتاج الرئيس المصري الجديد إلى مساعدات عاجلة، توفر له مناخا ملائما لاتخاذ إجراءات تُسهم في تزكيته عند عموم المصريين، خصوصاً بعد العزوف الكبير عن الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها رغم النتائج الرسمية التي تذهب عكس ذلك. ومن شأن المساعدات الأجنبية، دعم احتياطي النقد الأجنبي، بما يؤهل البنك المركزي في مواجهة السوق الموازنة للدولار واضطرابات سوق الصرف عبر ضخ كميات تكفي المستوردين. وهذا من شأنه خفض أسعار السلع الآخذة في الارتفاع منذ أشهر. كما تعوّل الحكومة المصرية على المنح والمساعدات في إحياء الاستثمارات الحكومية، لا سيما تلك التي تتعلق بالبنية التحتية، فضلا عن تقليص عجز الموازنة وتخفيف الضغط عن البنوك المحلية التي توجه أغلب استثماراتها للسندات الحكومية على حساب مخصصات القطاع الخاص الذي هو في الأساس قاطرة النمو الاقتصادي لأي دولة. وساهمت السعودية إلى جانب الإمارات والكويت، في دعم مصر بنحو 21 مليار دولار منذ الانقلاب العسكري في يوليو/تموز الماضي، وحتى يونيو/حزيران الحالي. وتحتاج مؤسسات ضخمة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي إلى جهود كبيرة من المملكة بصفتها منظم المؤتمر، لإقناعها بالمشاركة نظرا لملاحظات الولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي على ملف حقوق الإنسان في مصر على مدار العام الماضي. وكان ملك السعودية عبدالله بن عبدالعزيز، قد دعا إلى مؤتمر للمانحين من الدول، لمساعدة "السيسي"، محذرا من يتأخر عن المشاركة بالتخلي عنه وقت أزماته. وتوقع مسؤولون في مصر أن تفوق المساعدات التي سيدرها مؤتمر المانحين المزمع، عشرة مليارات دولار على الأقل، فضلا عن توقيع اتفاقيات استثمارية ضخمة مع شركات عالمية مدعومة من "حكومات صديقة" وضخ استثمارات من مؤسسات المال الدولية، الأمر الذي يدفع عجلة الاقتصاد إلى الدوران، ويُخرج البلاد من حالة الركود غير المسبوقة التي ضربتها منذ يوليو/تموز. وتباطأ معدل النمو في مصر إلى حدود 2% خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية الحالية 2013-2014، وكانت الحكومة تستهدف نموا 3.5% ثم خفضته بعد انقضاء أول ستة أشهر إلى 2.5%، لكن هذا الهدف المتواضع يبدو بعيد المنال رغم المساعدات. وتواجه مصر ظروفاً اقتصادية مترديّة بسبب استمرار الاضطرابات السياسية والأمنية، منذ اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 والتي ازدادت حدتها في أعقاب الانقلاب العسكري، ما أدى إلى تراجع معدلات نمو الاقتصاد بشكل حاد. وبحسب تقرير لمؤسسة "كارنجي" للسلام الدولي منتصف مارس/آذار، فإن نجاح القيادة الجديدة في مصر بوضع الاقتصاد على طريق التعافي، مرهون بإعادة إرساء الاستقرار السياسي والحصول على مزيد من الموارد المالية من بلدان الخليج الغنية. وامتنع السيسي عن تقدير الوقت الذي يمكن لمصر الاستغناء فيه عن مساعدات الخليج، لكنه قال إن مصر بحاجة إلى الوقوف على قدميها.