في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس المصري المنتخب عبد الفتاح السيسي لتنصيبه أرسلت السعودية أقوى حلفائه رسائل تتراوح ما بين التهديد والوعيد لضمان ألا يحبط الربيع العربي جبهة جديدة مناهضة للإسلاميين في الشرق الأوسط، بحسب تقرير "رويترز" أمس. ودعا العاهل السعودي الملك عبد الله المصريين الأسبوع الماضي للالتفاف حول السيسي قائد الجيش السابق الذي عزل الرئيس المنتمي للاخوان المسلمين قبل عام وقال إن عليهم التنصل من "الفوضى الدخيلة" للانتفاضات العربية. وكانت هذه أقوى رسالة دعم حتى الآن من الرياض للسيسي الذي فاز في الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي بفضل دعم المصريين الذين يأملون أن تضع حكومة قوية مدعومة من الجيش حدا لاضطرابات سياسية مستمرة منذ ثلاث سنوات في أكبر بلد عربي. وما من شك أن فوز السيسي أعطى دفعة للسعودية التي تابعت بهلع ما جرى في انتفاضات عربية أطاحت بحكام مخضرمين ودفعت إلى قمة السلطة في مصر. وبالنسبة للسعودية فان فوز السيسي يسدل الستار -في الوقت الحالي على الأقل- على صعود الاخوان المسلمين وهي الجماعة التي تأسست عام 1928. ونظرا لوجود أتباع للجماعة في الكثير من البلدان العربية والإسلامية فان النهج الذي اختاره إخوان مصر عبر صناديق الانتخابات شكل تهديدا للنظم الملكية في دول الخليج العربية الغنية مثل السعودية والإمارات. وتحظى الحركة بدعم كبير من دول تناصر الاسلاميين مثل قطر وتركيا ويبدو أن نفوذها تنامى في دول أخرى مثل المغرب وتونس وليبيا منذ عام 2011. ووصف الملك عبد الله في رسالة قوية مفعمة بالود مثيري المشاكل بأنهم " أعوان الشيطان وجنده في الأرض". وكشفت الرسالة الصراع على النفوذ في المنطقة بين نظم محافظة مناهضة للإسلاميين مثل السعودية والإمارات ومصر ودول مثل قطر وتركيا تعتقد أن الاخوان المسلمين هم مستقبل الساحة السياسية في الوطن العربي. ومثل السعودية لا يحمل السيسي إعجابا بحكام إيران من رجال الدين الشيعة. وتنظر الرياض إلى الحكومة الإيرانية على أنها قوة توسعية تسعى لتصدير ثورتها الإسلامية إلى العالم العربي والتدخل في شؤون جيرانها في الخليج وهو ما تنفيه طهران. ومن المتوقع أن يحضر مسؤولون كبار من السعودية ودول خليجية مراسم تنصيب السيسي للتأكيد على أن القائد السابق للجيش يتمتع بدعم نظام إقليمي جديد. ولم تدع قطر التي قدمت مليارات الدولارات لمصر أثناء حكم مرسي لحضور مراسم تنصيب السيسي. وفي مؤشر على عدم ارتياح الحلفاء الغربيين تجاه وضع الديمقراطية في مصر تعتزم الدول الغربية المشاركة في حفل التنصيب بتمثيل منخفض. وانضمت السعودية والإمارات إلى مصر في الحملة على الاخوان التي اعتبرت "جماعة إرهابية" في محاولة لوضع حد للاضطرابات الاقليمية الناجمة عن الربيع العربي. "وجه الظلم القبيح" ------------------ ويبدو أن رسالة الملك عبد الله صيغت بعناية فائقة. وبعد أقل من 15 دقيقة على إعلان فوز السيسي رسميا يوم الثلاثاء بعث الملك عبد الله برسالة دعم بالغة الوضوح. كما دعا لعقد مؤتمر للمانحين لمساعدة الرئيس الجديد على تفادي انهيار اقتصادي. وتجاوز البيان رسائل التهنئة المعتادة ومن منزله الصيفي في المغرب قال العاهل السعودي إن "المساس بمصر يعد مساسا بالإسلام والعروبة وهو في ذات الوقت مساس بالمملكة العربية السعودية." وفي إشارة ضمنية للاخوان المسلمين وربما أيضا لقطر قال الملك "لنحذر جميعاً بطانة السوء فإنها تجمل وجه الظلم القبيح غير آبهة إلا بمصالحها الخاصة." وطالب الملك بعدم التدخل في شؤون مصر الداخلية. وجاء في البيان الملكي أن هذا "مبدأ لا نقبل المساومة عليه أو النقاش حوله تحت أي ظرف كان." وفي خلاف علني غير معتاد عاقبت الرياضقطر بسبب موقفها المؤيد للاخوان بسحب سفيرها من الدوحة في وقت سابق هذا العام في تحرك هو الأول من نوعه. كما تشير الرسالة إلى أن الرياض التي طالما اعتبرت "الاخ الأكبر" في الخليج تتوقع من حلفاء مصر أن يقدموا الموارد التي يحتاجها السيسي لانقاذ الاقتصاد الذي تضرر بسبب ثلاثة أعوام من الاضطرابات. لكن حلفاء مصر الأوروبيين بدوا أقل تأييدا للرسالة. وقال الاتحاد الأوروبي يوم الخميس إنه يشعر بالقلق بسبب احتجاز المعارضين السياسيين والنشطاء والصحفيين. وقال مصدر دبلوماسي غربي إنه بناء على ذلك تم اتخاذ "قرار جماعي" بإلاكتفاء بإرسال سفراء لمراسم التنصيب. "لا مكان له بيننا" ---------------- وقال الملك عبد الله إن " من يتخاذل اليوم عن تلبية هذا الواجب وهو قادر مقتدر - بفضل من الله - فإنه لا مكان له غدا بيننا إذا ما ألمّت به المحن وأحاطت به الأزمات ". ولم تخف السعودية ارتياحها عندما عزل السيسي مرسي بعد مظاهرات حاشدة ضد حكمه وضخت مليارات الدولارات إلى جانب الإمارات والكويت لانعاش الاقتصاد المصري. لكن الولاياتالمتحدة التي تعتبر مصر منذ عقود حليفا وثيقا في الشرق الأوسط علقت بعض المساعدات منذ الإطاحة بمرسي. ورغم أن الدوحة لم تتلق دعوة لحضور التنصيب فان رئيس إيران تلقى الدعوة. وقال سلطان القاسمي وهو محلل إماراتي "أعتقد أن السعوديين لم يمانعوا لانهم يثقون في السيسي. هم لم يثقوا في الاخوان المسلمين. وسيبلغ السيسي (الرئيس الإيراني حسن) روحاني بأن أمن الخليج هو أمن (مصر)." وأضاف "السعوديون لن يشعروا بالقلق من الاجتماع بل سيشعرون بالاطمئنان."