يعكف استشاريون غربيون على وضع خطط لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري، وفق ما كشفت مصادر في هذا المجال، ورجحت أن هذه المهمة يباركها الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي الذي لم يعلن في أحاديثه حتى الآن سوى عبارات غامضة حول إحياء موارد الدولة. ولفتت مصادر مطلعة ورجال أعمال في معلومات إلى وكالة «رويترز»، إلى أن «القوة الدافعة وراء المشروع الاستشاري هي الإمارات التي قدمت مع السعودية والكويت مساعدات ببلايين الدولارات لمصر منذ أطاح السيسي العام الماضي بالرئيس الإسلامي محمد مرسي المنتمي إلى «جماعة الإخوان المسلمين» . وإذا قبلت مصر الإصلاحات التي اقترحتها شركة «ستراتيجي أند» الاستشارية الأميركية و «بنك لازارد الاستثماري الدولي»، فسيُستخدم كأساس لإعادة إحياء المحادثات في شأن اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي، الذي فشل الرئيس المعزول مرسي في إنجازه مع عدم استعداده لفرض إصلاحات مرفوضة شعبياً. وقدم الحلفاء الخليجيون المعارضون ل «الإخوان المسلمين» أكثر من 12 بليون دولار، بعضها نقداً وآخر منتجات نفطية لمساعدة مصر على تجنب انهيار اقتصادي. وتشير الاستعانة ب «بنك لازارد» وشركة «ستراتيجي أند» التي كانت تعرف في السابق باسم «بوز أند كومباني»، إلى أن دول الخليج تريد ضمان إنفاق المساعدات في شكل فعال في بلد أساء فيه زعماؤه السابقون المتحدرون من خلفية عسكرية إدارة الاقتصاد. وأشار أحد المصادر، إلى أن «الإمارات مشاركة في العملية كونها من بين أكبر المقرضين لمصر، لأن إقراض الأموال غير كافٍ بذاته، فضلاً عن الحاجة إلى ضمان توافر الوسائل لدى الحكومة لتحديد الأمور التي تحتاج إلى تغيير وتنفيذها». وربما يساهم اتفاق مع صندوق النقد الدولي في إنعاش ثقة المستثمرين الأجانب، الذين أزعجتهم ثلاث سنوات من الاضطرابات والمشاكل الأخرى، من بينها الدعم الباهظ للطاقة والافتقار إلى الشفافية في الإدارة الاقتصادية. وليس واضحاً ما إذا كان السيسي اجتمع مع الشركات الاستشارية الغربية، لكن في حكم المؤكد أن مستشاريه يشاركون من قرب في المشروع القائم منذ أشهر. وتدل المناقشات إلى أن السيسي قد يعيد هيكلة اقتصاد يعاني من فساد وبيروقراطية وبطالة مرتفعة وعجز متزايد في الموازنة يفاقمه دعم الوقود البالغة كلفته 19 بليون دولار سنوياً. وتوقع مسؤولون أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 3.2 في المئة فقط في العام المالي الذي يبدأ في تموز (يوليو)، وهو يقل كثيراً عن المستويات المطلوبة لتوفير ما يكفي من الوظائف لسكان يتزايد عددهم بسرعة، وتخفيف الفقر المستشري. وأوضح المصدر إن الاستشاريين كلفوا فرقاً متخصصة بدرس قضايا مثل التخصيص وإصلاحات أخرى. وتكمن المشكلة الأكثر صعوبة في دعم الطاقة، إذ من شأن زيادة أسعار الكهرباء والوقود أن تؤدي إلى إثارة اضطرابات في بلد ساعدت تظاهرات الاحتجاج في الإطاحة برئيسين له في ثلاث سنوات. ورأى المصدر ضرورة «تغيير دعم الطاقة، لكن القرار في هذا الشأن سياسي ويعود إلى الحكومة. وأشارت دول خليجية حليفة لمصر، إلى أنها ستستمر في دعم الحكومة الجديدة، وستستضيف السعودية مؤتمراً للمانحين بعد أن يتولى السيسي منصبه رسمياً. ولم يشرح السيسي خلال حملته الانتخابية كيفية إدارة اقتصاد مصر، لكن رجال أعمال التقوه اعتبروا أن دعوته إلى «العمل الجدي» إشارة إلى رغبته في درس إجراءات تقشفية تجنبها رؤساء سابقون. وبدأ المشروع الاستشاري قبل انتخاب السيسي بكثير، إذ كشف نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية طارق زكريا توفيق، أن شركة «بوز» عملت على «مدى الأشهر السبعة الماضية على خطة إصلاحات بالتعاون مع الجيش المصري»، الذي يملك إمبراطورية اقتصادية تتنوع نشاطاتها من المياه المعبأة إلى محطات البنزين، ولا تخضع موازنته لرقابة عامة. ويشهد له كثر بالكفاءة في تنفيذ مشاريع كبيرة كتلك التي تمولها الإمارات منذ عزل مرسي. وقال رجال أعمال بارزون آخرون استشيروا بشأن الخطة، إن الاستشاريين الدوليين «يعملون مع مسؤولين في البنك المركزي المصري ووزارات المال والتجارة والصناعة والاستثمار». ويشعر رجال أعمال بتفاؤل لتلميحات إلى إصلاحات اقتصادية قد تساعد مصر في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، ما سيؤدي إلى إطلاق مساعدات إضافية ببلايين الدولارات والاستثمارات التي تراجعت بشدة، بعد انتفاضة 2011. وأوضح صلاح دياب وهو من كبار رجال الأعمال المصريين، أن «بوز» تجهز الجانب المصري «ليكون مستعداً لتقديم حجة ذكية لدى الجلوس مع صندوق النقد الدولي». ومن الخطوات المقترحة، إنهاء الدعم على الوقود ورفع ضريبة المبيعات على السلع والخدمات، وفرض ضرائب على طرح الأسهم في البورصة. وأعلن مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد مسعود أحمد في تصريح إلى وكالة «رويترز»، أن الصندوق «لم يتلق اتصالاً حتى الآن من مصر في شأن استئناف محادثات القرض، لكنه مستعد ومتحمس لهذا الاحتمال». وأكد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، أن بلاده «سترحب بالشركاء ومنهم صندوق النقد للمشاركة في خطة لديها لإنعاش الاقتصاد المصري».