أكد الأكاديمي القانوني الدكتور حسين صلاح عبدالجواد أن التقادم كسبب من أسباب سقوط الجريمة والعقوبة أمر مختلف حوله، ومحل جدل فقهي، سواء في كونه من الأصل سبباً لسقوط الجريمة والعقوبة أو في وضعه في موضعه بين باقي أسباب سقوط الجريمة والعقوبة، وذلك بحسب ما نشرته "الحياة" السبت في تحقيق جاء فيه: أوضح د.حسين صلاح عبدالجواد في بحث له بعنوان: «تقادم الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي» أن المقصود بالتقادم هو مضي مدة معينة من الزمن على صدور الحكم بالإدانة من دون تنفيذ العقوبة المقضي بها، فيمتنع بعد هذه الفترة تنفيذها. وأشار إلى أن الفقهاء في تقادم الجريمة فرقوا بين الشهادة على الجريمة أو الإقرار بها، وذلك في أربعة مذاهب. الأول: مذهب الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف، إذ إنهما يريان ردّ الشهادة بالجريمة القديمة، وقبول الإقرار بها فيما سوى حدّ شرب الخمر. أما الثاني: وهو قول محمد بن الحسن برد الشهادة في الجريمة القديمة وقبول الإقرار بها حتى بالشرب القديم، إذ يرى محمد بن الحسن أن التقادم يقدر بمضي الزمان، وإن كان ذلك بالشهادة كما في الزنا وغيره من الحدود، وإن أقرّ فيصح مطلقاً ولا يبطل بالتقادم اعتباراً بما ذكرنا من الحدود، وهذا لأن التأخير يتحقق بمضي الزمان والرائحة قد تكون من غيره. الثالث: وهو قول مالك والشافعي وأحمد، ويخلص إلى أن العقوبة لا تسقط مهما مضى عليها الزمن من دون محاكمة، وذلك ما لم تكن العقوبة من عقوبات التعزير، وما لم تكن الجريمة من جرائم التعزير فإن الجريمة أو العقوبة تسقط بالتقادم إذا رأى ذلك أولو الأمر تحقيقاً لمصلحة عامة. وأكد عبدالجواد أن أساس هذه النظرية يستند إلى أن قواعد الشريعة ونصوصها ليس بها ما يدل على أن عقوبات الحدود والقصاص والدية تسقط بمضي مدة معينة، إضافة إلى أن ولي الأمر ليس له حق العفو عن هذه العقوبات ولا إسقاطها حال وجودها بأي حال من الأحوال. وعلى ذلك وإذا لم يكن هناك نص يجيز إسقاط العقوبة، ولم يكن لولي الأمر إسقاطها فقد وجب الامتناع عن القول بالتقادم، أما في مجال التعزير فإن تطبيق القواعد العامة يقتضي القول بجواز سقوط العقوبة بالتقادم إذا رأى ولي الأمر ذلك تحقيقاً لمصلحة عامة. الرابع: وهو قول ابن أبي ليلى، وهو رد الشهادة والإقرار في الجريمة القديمة بمضي المدة. وحول تقادم العقوبة، ذكر عبدالجواد أن الأحناف يرون أن التقادم يؤثر في تنفيذ العقوبة المقضي بها وذلك على أساس أن التقادم كما يمنع قبول الشهادة في الابتداء، يمنع الإقامة بعد القضاء، وذلك خلافاً لرأي زفر حتى لو هرب المحكوم عليه بعدما ضرب بعض الحد، ثم أخذ بعدما تقادم الزمان فلا يقام باقي الحد عليه، لأن الثابت أنه في حقوق الله يقوم الحاكم بحقه تعالى بالاستيفاء إذا ثبت عنده بلا شبهة، فكان الاستيفاء من تتمة القضاء. وأضاف: «إذا كان الأمر كذلك، وكان قيام الشهادة شرطاً حال الاستيفاء كما هو شرط حال القضاء بحق غيره إجماعاً وبالتقادم لم تبق الشهادة، فلا يصح القضاء الذي هو الاستيفاء»، واستشهد بما جاء في المبسوط بقوله: «إذا ثبت حد الزنا على الرجل بشهادة الشهود وهو محصن أو غير محصن فلما أقيم عليه بعضه هرب، فطلبته الشرطة فأخذوه في فوره وأقيم عليه بقية الحد، لأن الهرب غير مسقط عنه ما لزمه الحدّ، مفيداً أن جمهور الفقهاء – مالك والشافعي وأحمد - يرون أن العقوبة لا تسقط بالتقادم وهو قول زُفّر. وحول مدة التقادم أوضح عبدالجواد أن أقوال الفقهاء تعددت في تحديدها على النحو التالي: «قال محمد في الجامع الصغير إن مدة التقادم ستة أشهر، أما الإمام الأعظم أبو حنيفة فلم يحدد للتقادم مدة». وقال أبو يوسف: «جهدنا بأبي حنيفة أن يقدره لنا فلم يفعل، وفوّضه إلى رأي القاضي في كل عصر لاختلاف أحوال الناس والشهود والعرف والعادة والتوقيت». أما ما نقل عن محمد بن الحسن من أن أبا حنيفة قدر مدة التقادم بشهر لأن ما دونه عاجل، إذ يستند إلى قول أبي حنيفة: «لو سأل القاضي الشهود متى زنى طيها؟ فقالوا: منذ أقل من شهر.. أقيم الحد. وإن قالوا شهراً أو أكثر درئ عنه الحد. قال أبو العباس الناطفي: «فقدّره على هذه الراوية بشهر، ويقال بأن هذا هو الرأي الأصح». وتطرق إلى موقف الأحناف من التقادم في بعض الجرائم فذكر: أولاً تقادم جريمة شرب الخمر، إذ يرى أبو حنيفة وأبو يوسف أن جريمة شرب الخمر تتقادم بزوال الرائحة، فالشهادة مقيدة بوجود الرائحة فلابد من شهادتهما بالشرب أن يثبت عند الحاكم أن الريح قائم حال الشهادة، وأن يشهدا به وبالشرب أو يشهدا بالشرب فقط. فأمر القاضي باستكناهه فيستنكهه ويخبره بأن ريحها موجودة. وقال: «أما إذا جاءوا به من بعيد فزالت الرائحة فلابد من أن يشهدا بالشرب، ويقولا أخذناه و ريحها موجودة، لأن مجيئهم به من مكان بعيد لا يستلزم كونهم أخذوه في حال قيام الرائحة، فيحتاجون إلى ذكر ذلك للحاكم خصوصاً بعد احتمال كونه سكران من غير الخمر، فإن ريح الخمر لا توجد من السكران ومن غيرها، ولكن المراد هذا لأن الحد ّلا يجب عند أبي حنيفة وأبي يوسف بالشهادة مع عدم الرائحة، فالمراد بالثاني أن يشهدوا بأنه سكر من غيرها مع وجود رائحة ذلك المسكر الذي هو غير الخمر». وأشار إلى أن جريمة شرب الخمر تتقادم كما غيرها من الجرائم، غير أن هذا التقادم مقدر بالزمان عند محمد بن الحسن اعتباراً بحد الزنا، أي ستة أشهر، أو أنه مفوّض إلى رأي القاضي، أو بشهر وهو المختار، وهذا لأن التأخير بتحقق مضي الزمان بلا شك بخلاف الرائحة، لأنها قد تكون من غير الخمر، وذلك لأن رائحة الخمر تلتبس بغيرها فلا يناط شيء من الأحكام بوجودها ولا بذهابها. ولو سلّمنا أنها لا تلتبس على ذوي المعرفة، فلا موجب لتقييد العمل بالبينة بوجودها، لأن المعقول تقييد قبولها بعدم التهمة، إضافة إلى أن التهمة لا تتحقق في الشهادة بسبب وقوعها بعد ذهاب الرائحة، بل بسبب تأخير الأداء تأخيراً يعد تفريطاً، وذلك منتفٍ في تأخير يوم ونحوه وبه تذهب الرائحة.