بعث الوزير الراحل محمد شطح قبل وقت غير طويل من مقتله رسالة بالإنكليزية إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني تنشر «الراي» الكويتية ترجمة لها: فخامة الرئيس نتخذ هذه الخطوة الاستثنائية المتمثّلة بمخاطبتكم، ومخاطبة القادة الإقليميين والعالميين الآخرين، لأن هذا زمن يشكل خطراً استثنائياً على بلدنا - ليس أمن لبنان الداخلي والخارجي وحده الذي يتعرض لتهديد خطير، ولكن صميم وحدة دولتنا هو أيضاً في خطر حقيقي - ومن واجبنا أن نفعل كل ما بوسعنا لحماية بلدنا من هذه التهديدات - واليوم، أكثر من أي وقت مضى، فإنّ خيارات جمهورية إيران الإسلامية ستلعب دوراً مهما في تحديد نجاحنا أو فشلنا - ولهذا السبب فإننا نكتب إليكم، بصفتكم رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولكن هذه الأوقات استثنائية بالنسبة لإيران أيضاً - فبعد سنوات عديدة من المواجهة بين إيران وجزء كبير من المجتمع الدولي، جاء انتخابكم رئيساً، الصيف الماضي، ليشير إلى الكثيرين في المنطقة والعالم بأن الشعب الإيراني يريد وضع بلده على طريق جديد، مسار الإصلاح والانفتاح والعلاقات السلمية مع بقية العالم - وقد جاء الاتفاق المؤقت الأخير بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد، وبياناتكم وتصريحاتكم منذ انتخابكم، لترفع مستوى التوقعات بأن إيران قد تكون بالفعل اتخذت الخطوات الملموسة الأولى على هذا المسار الإيجابي - ونحن نأمل مخلصين أن هذا هو الحال. لكن بالنسبة لنا، كممثلين للشعب اللبناني، فإنّ الاختبار الحقيقي لا يتعلق كثيراً في ما إذا توصلت إيران إلى اتفاق نهائي مع القوى الغربية بشأن برنامجها النووي، ولا ما إذا نفّذت الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المحلية بنجاح - رغم أهميّة هذه الأهداف للعالم وللشعب الإيراني - بالنسبة لنا في لبنان، فإنّ الاختبار الحقيقي هو ما اذا كانت ايران مستعدة حقاً لرسم مسار جديد في سياساتها تجاه بقية المنطقة، والأكثر تحديداً تجاه لبنان. فخامة الرئيس الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن الحرس الثوري الإيراني لا يزال يحافظ على علاقة عسكرية استراتيجية مع «حزب الله»، المنظمة العسكرية التي كان للحرس الثوري الإيراني دور أساسي في تأسيسها قبل 30 عاماً - في ذلك الوقت كان لبنان لا يزال في خضم حرب أهلية رهيبة، وجنوب لبنان كان تحت الاحتلال الإسرائيلي - أما اليوم، بعد 23 عاماً على انتهاء الحرب الأهلية، وتفكيك جميع الميليشيات اللبنانية الأخرى، وبعد 13 سنة من تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي (الذي لعبت فيه المقاومة اللبنانية دوراً حاسماً)، لا يزال حزب الله يحافظ على كونه قوة عسكرية مستقلة مدججة بالسلاح خارج سلطة الدولة - وهذا يحدث بدعم ورعاية مباشرين من بلدكم. ونحن واثقون من أنكم توافقوننا الرأي، بأن وجود أي ميليشيا مسلحة بالتوازي مع القوات المسلحة الشرعية للدولة، تعمل خارج سيطرة الدولة والسلطة السياسية، لا يتعارض فحسب مع الدستور اللبناني، ولكن أيضاً مع جوهر تعريف الدول ذات السيادة، أي دولة - هذا هو الحال بغض النظر عن الانتماءات الدينية لهذه الميليشيات غير التابعة للدولة، وعن القضايا التي يزعمون مناصرتها. إن إصرار حزب الله على البقاء منظمةً عسكرية مستقلةً، تحت شعار «المقاومة الإسلامية»، شكّل عقبة رئيسية في وجه الجهود الوطنية التي تشتد الحاجة إليها لتعزيز مؤسسات الدولة، ولوضع حد لإرث الحرب الأهلية، ولانتشار الأسلحة في جميع أنحاء البلاد - كما أضعف هذا الأمر، بكلّ تأكيد، الوحدة الوطنية في لبنان، وعرّض البلاد إلى توسيع خطوط الصدع الطائفي في المنطقة، وساهم في صعود التطرف الديني والاقتتال. وعلاوة على ذلك، فإنّ استخدام- أو التهديد الضمني باستخدام- تفوق سلاح حزب الله لإمالة الملعب السياسي الداخلي، جعل من المهمة الحساسة المتمثلة في إدارة النظام السياسي اللبناني مهمّة تكاد تكون مستحيلة، وأدى إلى شلل تدريجي منظّم - فيما الحماية السافرة التي يقدمها «حزب الله»، لخمسة من أعضائه المتهمين من قبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الراحل رفيق الحريري، قد ضاعفت من الشكوك وعدم الثقة. فخامة الرئيس خلال العام الماضي، أدت مشاركة «حزب الله» المباشرة في الصراع الدائر في سوريّة إلى اشتداد تفاقم الوضع في لبنان، غير المستقر أصلاً - ومن المعروف جيداً أن الجمهور اللبناني منقسم بشأن الحرب في سوريّة - ونحن، كأعضاء في تحالف 14 آذار السياسي الواسع، نقف بالكامل، سياسياً وأخلاقياً، دعماً للشعب السوري - نعتقد أنّ نظام الأسد قد فقد على السواء الشرعية الأخلاقية، وقدرته على استعادة السلام والوحدة في سوريّة - إلا أن تركيزنا كممثلين للشعب اللبناني، ومسؤوليتنا الرئيسية، هي حماية لبنان من الخطر الجسيم للنار المشتعلة في الجوار، والتي قد تنتشر في بلادنا - في الواقع، فإن الصراع في سورية قد أثّر بالفعل على العديد من البلدات والقرى على حدودنا، وأثار أعمال عنف متفرقة، وأفعالاً إرهابية دنيئة - وكما تعلمون، فقد كانت السفارة الايرانية في بيروت هدفاً لتفجير إرهابي مؤسف، وكذلك المساجد والأحياء المدنية. إ نّ مكافحة هذه الآفة، وحماية لبنان من التداعيات الأسوأ، لا يمكن أن تنجحا مع مشاركة حزب لبناني كبير مشاركةً مباشرة في الصراع السوري - إن هذه المشاركة هي في الواقع دعوة لأولئك الذين يتلقّون قنابل «حزب الله» ورصاصه في سورية لكي يأتوا بالحرب إلى بلد «حزب الله»، وطننا المشترك - وللأسف، فإنّ هذا يحدث بدعم، جمهورية إيران الإسلامية، وبالتنسيق معها. فخامة الرئيس يعيش لبنان اليوم أزمة على جميع المستويات - ومن الجليّ أن المسكنات لم تعد كافية بعد الآن - نحن بحاجة إلى حماية لبنان من السقوط في منحدر زلق للغاية - ونعتقد أن هذا لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك إيران، على استعداد لاتخاذ الخطوات اللازمة - وهناك بالفعل إشارات وتوجيهات لكيفية فعل ذلك، سبق أن تحدّدت في إعلان وطني مشترك أصدرته جميع الأحزاب السياسية العام الماضي، وأُطلق عليه اسم إعلان بعبدا - وأكد البيان على هدف الحفاظ على أمن لبنان من خلال: 1) حمايته من الآثار الجانبية غير المباشرة من الوضع في سورية، وبصورة أكثر شمولاً النأي به بعيداً عن الصراعات والتحالفات الإقليمية والدولية، و2 ) استكمال تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701. وفي رأينا، فإن هذا يتطلب الاتفاق على الخطوات الملموسة التالية، وإطلاقها خلال اجتماع خاص لمجلس الأمن، أو خلال مؤتمر تعقده مجموعة دعم خاصة، أوسع نطاقاً: 1 - التزام معلن من جميع البلدان الأخرى، بما في ذلك إيران، بتحييد لبنان على النحو المتفق عليه في إعلان بعبدا - ومن الواضح أنه لا يكفي أن يعلن لبنان عن رغبته في تحييده - الأهم من ذلك، تحتاج البلدان الأخرى إلى الالتزام باحترام رغبة لبنان الوطنية. 2 - إنهاء كل المشاركة المسلّحة من جانب الجماعات والأحزاب اللبنانية، بما في ذلك حزب الله، في الصراع السوري. 3 - إيجاد رقابة فعالة من قبل الجيش اللبناني وقوات الأمن على الحدود مع سورية، بدعم من الأممالمتحدة إذا لزم الأمر، على النحو المسموح به بموجب القرار 1701. 4 - الطلب من مجلس الأمن بالبدء باتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 - هذا يهدف إلى نقل لبنان من الوضع المؤقت الحالي من وقف إطلاق النار مع إسرائيل، إلى وقف دائم لإطلاق النار، مع ترتيبات أمنية تتخذها الأممالمتحدة تنهي انتهاكات الحدود من قبل إسرائيل، وتقيم سلطة أمنية كاملة وحصرية من قبل القوات المسلحة اللبنانية على جميع أنحاء البلاد. قد تبدو هذه الرؤية وخارطة الطريق جذرية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن لبنان لم يشهد في أربعة عقود سيطرةً كاملة وحصرية من قبل الدولة على أراضيه، وعلى جميع الأسلحة - ولكنها أيضاً الحقوق الطبيعية الأساسية لأي بلد يسعى إلى أن يكون حراً ومستقلاً - ومن واجبنا، كممثلين للشعب اللبناني، القيام بكل ما في وسعنا لاستعادة تلك الحقوق - لقد دعمنا لسنوات، وسوف نستمر في دعم، حق فلسطين بأن تكون حرة ومستقلة - وبالمثل، فإننا نؤيد حق إيران الوطني، كدولة حرة وذات سيادة، في تقرير مصيرها وأمنها داخل حدودها - إننا، كبلد صغير ولكنه فخور، لا يمكننا أن نطمح إلى أقل من ذلك. فخامة الرئيس هذه هي قضية لبنان - سنفعل كل ما بوسعنا لحشد كل الدعم الذي يحتاج ويستحق - في نهاية المطاف، نجاحنا أو فشلنا سيعتمد على القرارات المتخذة، ليس فقط من قِبل الشعب اللبناني، ولكن أيضاً من الآخرين، بما في ذلك شخصكم الكريم - لا يمكن الإنكار، ولكن لأسباب مفهومة، أنّ هناك العديد من المتشككين بإيران في لبنان والمنطقة - ونأمل أن تتمكّن خيارات إيران في لبنان أن يثبت أنهم على خطأ. مع خالص التقدير، محمد شطح