نشر معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء الأحد 23 يونيو 2013 رداً على مقالة الكاتب سامي الماجد المنشورة في عدد الجمعة بجريد الحياة بعنوان: «رسالة للشيخ صالح الفوزان» حول تعقيبه على رد الماجد على فتواه فيمن ينكر حديث بول الإبل وفيما يلي نص رد إلى الشيخ سامي الماجد، المدرس كما ذكر في كلية الشريعة. 1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإن كنت لم تسلّم علي، مخالفاً في ذلك لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يبدأ ب(السلام عليكم ورحمة الله) إن كان المرسل إليه مسلماً، وإلا قال: (السلام على من اتبع الهدى). 2. كيف اطلعت على مقالتي التي فيها الرد عليك مع أنها قُبرت وهي حية ولم تنشر، فهل أنت نبشتها من المقبرة؟ 3. اعترضت على كلامي في موضوع حديث (اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك) الذي أورده مسلم في صحيحه بطعن الدارقطني فيه، وأنت لم تذكر نص كلام الدارقطني حتى ينظر فيه، وأنت تعلم أن الدارقطني رحمه الله له طريقة خاصة في رواية الأحاديث لا يلزم بها الإمام مسلم رحمه الله لأن الحديث جاء على شرطه، والأمة مجمعة على قبول ما جاء في الصحيحين أو أحدهما، وإن كان في بعض الأحاديث نظر لبعض العلماء فهذا خاص به، والحديث المذكور أخذ به علماء أهل السنة في كتب العقائد، وإنما خالفه المعتزلة والخوارج. 4. أنت تعلم، وذكرت هذا في مقالتك السابقة المردود عليها أن جوابي على السؤال عام لم أخص به شخصاً معيناً، والجواب العام يختلف عن الجواب في حق المعين. 5. فرقتَ بين الحديث المتواتر وحديث الآحاد في إفادة العلم، وهذا على مصطلح علماء الكلام، لا على منهج أهل السنة، فأهل السنة يتقبلون كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم متواترا أو آحاداً، وهو يفيد العلم عندهم. 6. قولك: «من دخل في الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين»، لم تذكر من قال بهذا، وإنما الخروج من الإسلام يحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام، وهي كثيرة، قال العلماء: «المرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه طوعاً ولا مميزاً أو هازلاً بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل»، (راجع متن الزاد وشرحه في باب حكم المرتد)، وأنت لم تذكر ما جاء في الرد عليك: أن المسلم قد يكفر بكلمة، كما جاء في القرآن في الذين تكلموا بكلام كفّرهم الله به. هذا وأرجو الله لي ولك التوفيق والعمل الصالح. عضو هيئة كبار العلماء وفيما يلي نص مقال الماجد: رسالة للشيخ صالح الفوزان سامي الماجد قرأتُ ما كتبه الشيخ صالح الفوزان تعقيباً على مراجعتي لفتواه فيمن لا يرى صحة حديث الاستشفاء ببول الإبل وحديث «وإن جلد ظهرك وأخذ مالك»، لأنهما بزعمه يخالفان الفطرة، وفيهما إساءة للإسلام، فأفتى بأنه زنديق مرتد، ووجدت في ما كتبه ما يتطلب إيضاحاً ودفعاً للبس والتُهمة، فقد وصفني في خطابه للصحيفة بما نصه: «نشرتم مقالات سامي الماجد في (تأييده) لمن أنكر أحاديث..». وعفا الله عن الشيخ، فلا أدري من أين فهم هذا؟ مع أن المقالة لم يكن بها أية كلمة موافقة لذلك المنكر المقصود بالفتوى، وهل مجرد المراجعة في تكفير قائلٍ تعني بالضرورة الدفاع عنه وتأييده؟ وهل إذا قلت إن الجو ليس ممطراً يعني بالضرورة أنه صحو؟ ألا يمكن أن يكون غائماً؟ وهل سيقول عاقل عن الشيخ لو أنكر على أحدٍ تكفيره للبغاة: إن الشيخ يؤيد البغاة ويدافع عنهم؟ أما إننا متفقان على إدانة القائل المقصود في السؤال، لكننا مختلفان في تكفيره، ومن هنا جاءت المراجعة، لا أن منطلقها تأييده من عدمه، ومعاذ الله أن أكون كذلك. كما أنكرتم عليّ تسمية فتواك تكفيراً، وأنني جعلتُ جوابك تكفيراً على لغة الصحافيين الذين يطلقونه على القاعدة.... وليس الأمر كما ظننتم، فالمقالة كتبت بلغة شريعة، وكاتبه أستاذ في الشريعة، وليس مجرد كاتب صحافي، ثم ما يضيركم أن تُسمى فتواكم تكفيراً - ولو كانت منشورة في الصحف - مادام العنوان مطابقاً للفتوى أتم المطابقة، هل أصبحت كلمة «تكفير» كلمة نابية معدودة من ألفاظ السباب يترفع عنها العاقل فضلاً عن العالم؟ ألم يكن التكفير قاعدة لعقيدة البراء؟ فلماذا إذاً هذا التحسس منها؟ أما قولكم: «إن كل ما جاء به الرسول يوافق الفطرة والعقول السليمة، لا ضدها» فهذا صحيح لا ريب فيه، ولا يسع مسلماً إلا أن يعتقد هذا، ولكنه خارج محل المراجعة، إذ لولا اعتقاد القائل المقصود في السؤال أن كل ما جاء به عليه الصلاة والسلام موافق للفطرة لما أورث لديه شبهة في اعتقاد عدم صحة الحديث - وإن كان بغير منهج صحيح -. وأما ما ذكرتموه من أن إنكار حديث «وإن جلد ظهرك وأخذ مالك» يعد موافقة لمذهب الخوارج، فليس بلازم، فقد حكم بضعف هذه الزيادة الدارقطني في كتابه التتبع، وتبعه محقق الكتاب مقبل الوادعي - وهو من هو في سلفيته - فهل تراهما موافقين لمذهب الخوارج؟ ثم إن مسألة السمع والطاعة ليس مبناها على هذه الرواية فتسقط بتضعيفها، ويكون منكرها موافقاً للخوارج. وما ذكرتموه من أن الحكم ليس معلقاً باعتقاد المنكر، وإنما بثبوت الحديث، فإذا ثبت فليس لأحد أن ينكره، فهذا لا يسلّم بإطلاق، نعم هو يصدق على القرآن وما كان قطعي الثبوت من السنة، صحيح أن الحديث الصحيح ليس لأحد رده بغير حجة، حتى لو كان آحاداً. لكن الكلام ليس عن جواز رده وعدمه، ولا عن كون القول بالرد معتبراً أو غير معتبر، وإنما المسألة في التكفير برد خبر ظني من الآحاد، والعلماء يقررون أن من دخل الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين، ولا يقين في الخبر الظني، ولو كفرنا برد خبر الآحاد الصحيح، من دون نظر في اعتقاد المنكر: هل كان يعتقد صحته أم لا؟ لما نجا أحد من الفقهاء ممن ردوا أحاديث ثابتة في الصحيحين لاعتقادهم نكارة متنها. أما كون المنكر للحديثين ليس من أهل العلم، وكون رده ليس على منهج أهل العلم، فلا شك في أن هذا يجعل كلامه غير معتبر، ويوجب إنكاره عليه، لكن لا علاقة لذلك بالتكفير، والسؤال - أيضاً - كان مجملاً مطلقاً، لم يُخص بكونه كذلك أو عدمه. ثم إن خبر الآحاد القطعي والمتواتر لا يُكفر إلا من علم بقطعيته ثم رده، لأن رده في هذه الحال لا يكون إلا تكذيباً أو عناداً أو إعراضاً، ونقضاً منه لشهادة أن محمداً رسول الله. وما أورده معاليكم من نصوص توجب الاتباع والطاعة لأمره إنما هي في حق من هذا حاله، ومن ديدنه التعنت في قبول أحاديث السنة، وأما من يرد حديثاً أو حديثين، إدعاء لنكارة متنهما، فتكشف له الشبهة، ويبين له أن ما يدعيه إنما هو وهم توهمه لا وجود له، لا أن يحاجّ بتلك النصوص. أما وقد أفتيتم هذه الفتوى، وسارت بها الركبان كل مسار، وحاول بعضهم أن يكفّر بها معيناً، لعله كان هو سبب الفتوى ومقصود السؤال، فإني أتساءل - وأنتم أهل للنظر والاعتبار -: ألا تخضع الفتوى للسياسة الشرعية ومراعاة ما يترتب عليها من مصلحة ومفسدة، ألا تقتضي السياسة الشرعية أن تكون فتوى كهذه مفصلة غير مجملة؟ مبينة أتمّ البيان، تمنع استغلالها، وتدفع ما يُشتبه فيها؟ لم تعد الفتوى التي تُلقى في الدروس الخاصة محصورة في دائرة الطلاب، ولا يخفاكم أن ما تلقونه في دروسكم الخاصة صار يسمعه القاصي كالداني، ألا يقتضي الأمر وقد أصبح العالم كالقرية الصغيرة تغييراً في سياسة الإفتاء، وقطع الطريق على من يمارس على الشيوخ أسلوب استحلاب الفتاوى لتوظيفها فيما لا يقصده الشيخ ولا يعلمه غالباً؟ على كلٍ لا أنتظر منكم جواباً ولا أريد أن أشغلكم، فقد بينتم وبيّنت، وإنما هي فتواكم، والأمر إليكم، والسلام عليكم.