شهدت الساحة السعودية جدلا فقهيا متزايدا بشأن شرعية التظاهر والخروج على الحكام, على خلفية ما جرى في تونس ومصر, وما يحدث الآن في ليبيا. فقد نفى عالم الدين السعودي البارز وعضو المؤسسة الدينية الرسمية الشيخ صالح اللحيدان مطالبته الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك بالتنحي عن سدة الحكم، إبان ثورة الجماهير المصرية التي بدأت في 25 يناير/كانون الثاني الماضي. وأشار الشيخ -في درس شرعي فقهي يوم 21 فبراير/شباط الجاري- إلى التباس في فهم الناس لرأيه, وذلك في إطار رده على سؤال وجهه له أحد الحضور يطلب منه توجيهاً لأهل ليبيا. ما بين مبارك والقذافي وقبل أن يجيب عن الأوضاع في ليبيا، تطرق الشيخ اللحيدان إلى ما نسب إليه من "تأييده لتنحي مبارك، ومظاهرات المصريين"، ليؤكد أن ما نقل عنه من قبل موقع إخباري إلكتروني سعودي لا صحة له، ويضيف أن "المظاهرات من الفتن غير المحمودة شرعاً". ووفقاً للنص الصوتي المنسوب إلى الشيخ -والذي حصلت الجزيرة نت على نسخة منه- يقول اللحيدان "كررت التأكيد على أن المظاهرات غير شرعية لما يترتب عليها من المفاسد من إتلاف الأموال، أو سفك الدماء، أو الترويع، إلى غيره، وإذا لم يحصل من هذا شيء أبدًا، فإنه يحصل فيها تعطيل الناس عن القيام بأعمالهم، وفتح متاجرهم، وكل ذلك لا يجوز". وبشأن الرئيس المخلوع حسني مبارك, قال اللحيدان "إذا رأى حسني مبارك أن يتخلى عن الحكم دفعًا لما يخشى من فتنة، وما قد يحدث من سفك دماء وإتلاف أموال ونهب وغير ذلك، إذا رأى ذلك فأرجو أن يكون في ذلك الخير". وما تكرر في مصر، كرره اللحيدان في ليبيا، على وجه العموم "بشأن عدم مشروعية المظاهرة، وعدم الخروج على الحاكم"، قائلاً "لم يعرف عن أحد من أئمة الإسلام -من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة- أن أحدًا منهم يحث الناس عند الاستنكار أن يقوموا بمظاهرة ومغالبة"، مذكراً "بالسمع والطاعة حتى إذا كان الوالي غير مرضي عنه من الناس ما دام لم يكفر". إلا أنه وصف ما يحدث في ليبيا بأنه "سيئ جدًا"، مستشهداً باتصالات هاتفية كثيرة تأتيه من أهالي ليبيا يصفون فيه "فظائع نظام الزعيم القذافي من سفك الدماء وقتل الناس، واستعانته بالمرتزقة الأفارقة"، ورغم ذلك لم يذكر عن الشيخ الإدلاء بأي فتوى في ذلك. وأكد الشيخ اللحيدان التعليق الصوتي المنسوب إليه، إلا أنه اعتذر عن إبداء أي رأي للجزيرة نت للإجابة على عدد من الأسئلة المتعلقة بالمواقف الشرعية المؤيدة لثورتيْ مصر وليبيا. يشار إلى أن اللحيدان يوصف بأنه يتمتع بشخصية "كاريزمية" واسعة النفوذ في الوسط الشرعي السعودي، حيث كان رئيس مجلس القضاء الأعلى قبل أن يعفى بقرار ملكي في 14 فبراير/شباط 2009. ورأي اللحيدان الحالي هو ذاته الذي أعلنه بعدم جواز المظاهرات التي خرجت في عواصم عربية عدة إبان الحرب الإسرائيلية على غزة في 27-12-2008, ووصفها بأنها "فساد كبير". ومن جهته قال العلامة الليبي الشهير الدكتور صادق الغرياني إن ما يحدث الآن في ليبيا "شيء لا يحتمل ولا يمكن السكوت عليه"، حيث يضرب النظام الليبي المتظاهرين بأسلحة مضادة للطائرات. واتهم الغرياني النظام باستخدام مرتزقة لقمع المحتجين، ودعا قادة الجيش وزعماء القبائل الليبية للوقوف في وجه النظام ونصرة المتظاهرين. دلالات فتوى اللحيدان وفي مقابل ما قاله اللحيدان المحسوب على السلفية الرسمية، انتشرت فتاوى منسوبة لعلماء بارزين أمثال الشيخ عبد الرحمن البراك، وبيانات شرعية أخرى شارك فيها علماء آخرون، يجيزون فيها "المظاهرات والخروج على نظام القذافي باعتبار أنه غير شرعي". وقد أعلن ذات الموقف أثناء "الثورة المصرية"، إلا أن "التأييد الواسع جاء مع ثورة ليبيا". ومن جهته قال خبير السياسة الشرعية الدكتور محمد بن صالح العلي -في حديث للجزيرة نت- إنه "بحسب قواعد السياسة الشرعية، إذا ما أفتى علماء البلد الشرعيون بالخروج على الحاكم، فإنه ينبغي على علماء المسلمين في كل مكان مناصرتهم وتأييدهم، لأنهم أعلم بحال البلد". وقال العلي أيضا إن "السؤال الذي ينبغي طرحه على أولئك الذين أفتوا بعدم جواز المظاهرات هو: هل مرجعية تلك الأنظمة مرجعية إسلامية أم أن مرجعيتها غير إسلامية؟"، مضيفاً "إذا أريد محاكمة أي نظام فلا بد من الرجوع إلى مرجعيته". ويستدل العلي "بمظاهرات مصر المطالبة بسقوط مبارك"، ويضيف أن "النظام المصري يعلن أن مرجعيته غربية ديمقراطية، فالدساتير الديمقراطية تجيز المظاهرات كآلية من آليات التعبير عن الرأي ومعيار من معايير قياس الرأي العام، ومن تلك الدساتير الدستور المصري والدستور التونسي، فإذا قلنا بأن المظاهرات لا تجوز في مصر وإنها خروج على الحاكم فإننا نخلط في الفهم والتصور والرؤية، ومما يدل على ذلك مواقف التيار السلفي في مصر الذين أيدوا تلك المظاهرات بل شاركوا فيها، من أمثال الشيخ محمد حسان وغيره". وطالب العلي العلماء الشرعيين الذين يفتون في المسائل العامة المصيرية -كما يحدث في ليبيا وغيرها- بأن تكون لهم معرفة بالواقع السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وبطبيعة النظم السياسية.