عبدالله بن حبتر مال الاقتصادية - السعودية مع اقتراب اجتماع لجنة السوق المفتوحة الاتحادية The Federal Open Market Committee (FOMC) ، والمعنية بصنع السياسة النقدية لنظام الاحتياطي الفيدرالي، تبدأ الأسواق العالمية في مرحلة اضطراب خفي يشعر به صُنّاع السياسة النقدية للبنوك المركزية، وتتجه أنظار المستثمرين وينصب اهتمامهم إلى نتائج ذلك الاجتماع، وينعكس ذلك على أداء الأسواق العالمية، خصوصا إذا كانت النتائج عكس التوقعات، ويرجع الاهتمام إلى القرارات المتعلقة بسعر الفائدة الأمريكية ، فهي مازالت تقبع في أدنى مستوياتها، والسؤال الذي يستحق الإجابة عليه ما السبب وراء هذا الاهتمام، وما هي انعكاساته على الاقتصاد العالمي، والمحلي ؟ قبل الإجابة على ذلك من الأولى أن نلقي نظرة موجزة حول أداء الدولار، فبحسب مؤشر الدولار ( U.S. Dollar Index ) والذي يقيس قيمة العملة الأمريكية بسلة من العملات الأجنبية الرئيسة نجد أن الدولار بدأ رحلة الصعود منتصف 2014 كما هو موضح بالرسم البياني أدناه، أدى ذلك الاتجاه لارتفاع الطلب عليه سواء من قبل المضاربين أو البنوك المركزية كاحتياطي نقدي ولتلبية الطلب المتزايد عليه، كما أن ذلك الأداء عزز من المضاربات عليه، وإقبال المستثمرين على شراءه، طمعا في تحقيق مكاسب يومية، أو مكاسب مستقبلية في حالة رفع الفائدة الأمريكية، وهذا السبب الرئيس في الاهتمام بما ينتج عنه اجتماع لجنة السوق المفتوحة الاتحادية ، ففي حالة قررت اللجنة رفع الفائدة أدى ذلك لموجة صعود أخرى للدولار وتحقيق مكاسب إضافية ، وإذا كانت نتائج الاجتماع الإبقاء على سعر الفائدة كما هي عليه، كان التذبذب حالة ملازمة للأسواق العالمية، ويلاحظ تذبذب أداء الدولار بعد الربع الأول من 2015 نتيجة لعدم تغير معدلات الفائدة، ، أما فيما يتعلق بموجة الصعود التي حدثت منتصف 2014 فقد بينت ذلك في مقال كتبته بعنوان " هل يبطش الدولار بالذهب والنفط؟" ، أنصح بقراءته حتى تتضح أسباب ذلك. أما فيما يتعلق بانعكاسات رفع الفائدة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، فهذا يحتاج أولا إلى تتبع اتجاه سعر الفائدة خصوصا في اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى مقارنة بسعر الفائدة الأمريكي، فمن خلال الرسم البياني أدناه، نجد أن أسعار الفائدة تأخذ نفس اتجاه سعر الفائدة الأمريكي ذي اللون الأسود. لنتخيل الآن أن الاحتياطي الفيدرالي أتخذ قرار برفع الفائدة، ما لذي سيحدث؟ أو ما هو السيناريو المتوقع؟ بداية يزداد الطلب على الدولار الأمريكي كما ذكرنا سابقا، وهذا بلا شك يعزز من أداءه أمام العملات الأخرى، وبالتالي يرتفع سعر صرفه ، ويولد هذا الطلب ضغوطا على البنوك المركزية لتلبية الاحتياج المتزايد على العملة الأمريكية الأمر الذي يضر بسعر صرف عملاتها أمام الدولار الأمريكي، وهذا الإقبال على الدولار يؤدي إلى أن تتجه السيولة من اقتصاديات تلك الدول إلى الاقتصاد الأمريكي أو الدول التي بدأت برفع معدلات الفائدة لديها ، فما الحل الذي تتخذه البنوك المركزية للحد من ذلك؟ تقوم البنوك المركزية للحد من خروج السيولة من اقتصادها إلى رفع سعر الفائدة، حتى تغري المضاربين بالإبقاء على أموالهم في الداخل، إلا أن هناك معضلة أخرى تُحدث أثرا عكسيا جراء رفع أسعار الفائدة، وحتى نوضح ذلك سنضرب مثالين يقرب المفهوم أكثر. الأول تخيل أنك أنك بدأت التخطيط لعمل مشروع استثماريا يتطلب تمويلاً بنكيا، ووضعت الدراسات لذلك المشروع بناءا على معدل الفائدة المنخفضة، والأرباح المتوقعة، فإذا حدث وارتفع سعر الفائدة عندها ستقارن بين معدل العائد المتوقع على استثمارك بمعدل الفائدة وبناءا على ذلك تتخذ قرارك الاستثماري إما بالإقدام أو الإحجام، ففي حالة كان معدل العائد أقل من سعر الفائدة عندها سيكون القرار التخلي عن المشروع. المثال الآخر لنفرض أن مستثمرا اقترض مبلغا بفائدة متغيرة، لتمويل مشروع ما، حدثت وأن ارتفع سعر الفائدة، عندها لدى المستثمر خيارين إما أن يرفع سعر المنتج وفي هذه الحالة يتأثر المستهلك، وربما يقل الطلب على إنتاجه نظير ارتفاع سعره، وبالتالي يضطر المستثمر للخيار الثاني وهو الخروج من السوق. ومن ذلك نجد أن المتضرر الأكبر من رفع الفائدة هما المستثمر والمستهلك، ويعرف الدارسون لعلم الاقتصاد أن هناك علاقة عكسية بين الفائدة والاستثمار، فكلما ارتفع معدل الفائدة انخفض الاستثمار، والعكس ، هذا الانخفاض في الاستثمار له آثاره العكسية على الاقتصاد المحلي والعالمي، تتمثل في انخفاض معدلات النمو، يتبعها ارتفاع في معدلات البطالة . أما فيما يتعلق بآثار رفع الفائدة الأمريكية على الاقتصاد المحلي فالرسم البياني أدناه والذي يبين اتجاه سعر الفائدة على الدولار الأمريكي والريال السعودي يعطي تصورا مشابها لما ذُكر في السطور السابقة، يمكن محاكاته على الاقتصاد المحلي، واستنتاج ما سيكون عليه الوضع مستقبلا – والعلم عند الله وحده – في حالة اتخذت السياسة النقدية لدينا قرار مشابها لقرار الاحتياطي الفيدرالي. AbdullahHabter@