حتى وقت قريب من هذا العام، قام ما لا يقل عن 19 بلدا بتخفيض أسعار الفائدة الرسمية لدى مصارفهم المركزية. على أية حال، يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي في سبيله إلى رفع سعر الفائدة الرئيسي من البنك في وقت لاحق من هذا العام. هل يعتبر الاقتصاد الأمريكي قويا بشكل فعلي على نحو يستلزم اتباع سياسة نقدية أكثر تشديدا عندما يكون بقية العالم لا يزال يشعر بالقلق بكل وضوح حول آفاق النمو العالمي؟ كثير من هذه التخفيضات لم تكن متوقعة من قبل الاقتصاديين، أو فُرضت على المستثمرين من قبل البنوك المركزية التي قامت بتغيير السياسة في اجتماعاتها غير المجدولة. لكن تلك التخفيضات جاءت مكثفة جدا وسريعة بحيث كلمة «مفاجئة» لم تعد مناسبة لها. على النقيض من ذلك، من المتوقع أن يضاعف الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الرئيسية لتصل إلى 0.5% مع نهاية شهر سبتمبر، ثم يعلن عن زيادة أخرى بنسبة 0.75% مع نهاية العام، وفقا للتوقعات الوسطية ل 72 اقتصاديا شملهم الاستطلاع الذي نفذته بلومبيرج نيوز. يتنبأ بنك مورجان ستانلي أن بنك إنجلترا، البنك المركزي الآخر الرئيسي الوحيد الذين يمكن أن يكون قريبا من دفع أسعار الفائدة إلى الأعلى، يتخلف عن المصرف الفيدرالي على الأقل بثلاثة أشهر، والبنك المركزي الأوروبي، في غضون ذلك، يبتعد بأكثر من سنتين عن سياسات أكثر تشددا، وفقا لبيانات من بنك مورجان ستانلي. إن كونك تمشي على نحو غير متناغم مع أقرانك من البنوك المركزية ليس مثل الحصول على حلاقة خاطئة لشعر رأسك حين تكون مراهقا، أو مثل الاستماع لنوع مختلف من الموسيقى عن النوع الذي يسمعه أصدقاؤك. إن هذا الأمر مهم لأن العالم منخرط في حرب عملات هادئة، والدولار في تصاعد لأن المستثمرين يفضلون امتلاك عملات تحمل أسعار فائدة أعلى وليس أدنى. قفز الدولار بنسبة 17% خلال العام الماضي مقابل عملات الدول التي تمتلك علاقات تجارية أكبر مع الولاياتالمتحدة، والشركات الأمريكية بما فيها مايكروسوفت وبروكتور أند جامبل وشركة أبل تشكو من أن صادراتها وعائداتها الخارجية تعاني نتيجة لذلك. إن قوة الدولار تعكس بالفعل توقعات بأسعار فائدة أعلى، لكن إذا تحققت تلك التوقعات، من المحتمل أن يرتفع الدولار لمستويات أعلى حتى من قبل. مع أن حجم الاقتصاد الأمريكي كبير، إلا أنه لا يعمل في عزلة واضحة عن بقية العالم. إن تشديد السياسة (أي رفع أسعار الفائدة) في الوقت الذي تقوم فيه المصارف المركزية في أماكن أخرى بقرع أجراس الإنذار حول احتمالات النمو المحلي قد يكون خطوة محفوفة بالمخاطر من جانب المصرف الفيدرالي، في الوقت الذي يُتوقع فيه من اقتصادات العالم الرئيسية الأخرى- وهي أسواق تعتمد عليها شركات التصدير الأمريكية- أن تتباطأ. الصين، التي قلَصت معدلها الرئيسي بواقع ربع نقطة إلى 5.35% يوم السبت، تضع اليوم تنبؤاتها للنمو بحوالي 7%، المستوى الأدنى منذ أكثر من 15 عاما. إن المصرف الاتحادي الفيدرالي ليس متحدا في رأيه الحاجة إلى أسعار فائدة أعلى. قال رئيس المصرف الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو تشارلز إيفانز يوم الأربعاء إنه يفضل تأخير أي زيادات في أسعار الفائدة حتى العام القادم: «حتى مع هذا التأخير في رفع الأسعار قصيرة الأجل، توقعي هو أننا لن نحقق فعليا نسبة 2% من التضخم حتى عام 2018». ترك فريق السياسة ذو الأعضاء التسعة في بنك إنجلترا أسعار الفائدة موقوفة خلال اجتماعهم الأخير. وفي وقت متأخر حتى ديسمبر الماضي، صوت اثنان من الأعضاء لصالح أسعار فائدة أعلى، مع تراجع مارتن ويل وإيان ماك كافرتي مرة أخرى إلى المسار مع زملائهم في يناير بعد 5 أشهر من المعارضة. ما لم يعرف المصرف الفيدرالي شيئا حول الاقتصاد العالمي لا يعرفه نظراؤه حول العالم، ينبغي على المصرف المركزي الأمريكي أن يكون حذرا من التسرع في تشديد السياسة- وأن يكون مستعدا لتغيير المسار بعيدا عن أسعار الفائدة الأعلى إذا استمرت الآفاق في التدهور.