تترقب الأسواق ارتفاع أسعار الفائدة، وتبدي قلقها، وعاجلا أم آجلا، سوف يُنهي المصرف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نظام التحفيز النقدي الأكبر في تاريخه. ومنذ بضعة أشهر، كان ينتظر دليلا على أن الانتعاش قوي بما يكفي للسماح له البدء برفع أسعار الفائدة، التي دفعها إلى مستوى قريب من الصفر بعد الأزمة المالية لعام 2008. وينتظر المستثمرون بفارغ الصبر القرائن لهذا التاريخ الذي يسميه الكثيرون بعملية الرفع (أي رفع أسعار الفائدة). كما يفضل مسؤولو المصرف الفيدرالي التركيز على ما يسمونه بالتطبيع، أي الزحف البطيء نحو الأعلى الذي يتصورون حدوثه بعد الزيادة الأولى في الأسعار. وليس التوقيت فقط هو الأمر غير المؤكد: إعادة الأمور إلى طبيعتها سوف تتطلب أيضا من الاحتياطي الفيدرالي أن يستخدم أدوات جديدة لم يتم اختبارها ويخشى بعض المستثمرين بأنها قد تسبب الاضطراب للأسواق. وما هو رأي الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي ألان جرينسبان؟ «لا يمكن تصور سيناريو محدد يجعل الأمر سهلا». الموقف قالت رئيسة المصرف الفيدرالي جانيت ييلين، إنه إذا استمر الاقتصاد في التحسن، فقد تكون الزيادة في أسعار الفائدة «مناسِبة» في عام 2015. وفي شهر يونيو، حث صندوق النقد الدولي المصرف الفيدرالي على الانتظار حتى عام 2016، وهو رأي كان قد ردده البنك الدولي من قبل. وحاول مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي تحويل النقاش من رفع الفائدة إلى مسار أطول يقوم على عدد من الزيادات التدريجية. وقالت ييلين، إن الأمر قد يستغرق «سنوات عدة» للوصول إلى المستوى الطبيعي - يرى مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أن المعدل المتوقع الوصول إليه هو 3.75 % - وأن البنك سوف يحتفظ بحرية «تسريع، أو إبطاء، أو إيقاف، أو حتى عكس المسار». لكن أعربت مجموعة واسعة من المستثمرين والمسؤولين عن قلقها حول كيفية رد فعل سوق السندات. والقلق هو عما إذا كانت زيادات الاحتياطي الفيدرالي ستستثير تحركات حادة في العوائد على سندات الخزانة الأمريكية وسندات الشركات على نحو يزعزع استقرار السوق. وفي شهر مايو من عام 2015، اعترفت ييلين بأن عائدات السندات قد تشهد قفزة حادة عندما ترتفع أسعار الفائدة. وكما لو كان ذلك تأييدا لقولها، فقد أدت ملاحظاتها إلى انخفاض الأسهم والسندات الأمريكية لفترة قصيرة. تلك الحادثة ذكرت الكثيرين بهبوط السوق وتراجعها في عام 2013 التي جاءت عقب تلميح بن برنانكي، سلف ييلين، حول تقليص برنامج شراء السندات الضخم الذي يقوم به البنك المركزي الأمريكي. أُطلِق على هذه الحادثة تعبير «نوبة غضب الانسحاب التدريجي». الخلفية يقوم الاحتياطي الفيدرالي بتحديد السياسات النقدية عن طريق ضبط أو تعديل أسعار الفائدة التي تدفعها المصارف الكبرى لبعضها البعض مقابل القروض السريعة، وهو ما يسمى سعر الفائدة الرسمي على ودائع البنوك. والتغييرات في أسعار الفائدة المذكورة تبدأ في السريان عبر الاقتصاد، حيث تؤثر في العمالة والإنتاج وأسعار السلع والخدمات. ومثلما اضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى ابتداع أدوات غير تقليدية مثل برنامجه الخاص بشراء السندات من أجل تحفيز الاقتصاد، كان يقوم أيضا باختبار أدوات جديدة لرفع أسعار الفائدة الرسمية وبالتالي تخفيض التحفيز. وإن تركيزه الرئيسي هو الكمية الضخمة من النقدية التي وضعتها البنوك في المصرف الفيدرالي منذ أزمة عام 2008. ومن أجل رفع أسعار الفائدة الرسمية (على ودائع البنوك)، سيقوم المصرف بزيادة سعر الفائدة التي يدفعها على الودائع التي يسميها بالاحتياطيات الفائضة. ذلك المعدل المرتفع سيمنح المصارف بديلا خاليا من المخاطر للمعاملات، مثل تقديم القروض أو شراء الأوراق المالية، التي تحقق عوائد أقل، وهو ما يؤدي بالتالي إلى رفع أسعار الفائدة بين البنوك لمستوى مرتفع باتجاه مستوى الاحتياطي الفيدرالي. وسوف يستخدم المصرف الفيدرالي أيضا شكلا آخر من الاقتراض السريع، المعروف باسم (عمليات إعادة الشراء «الريبو» العكسية)، الذي سيكون متوافرا للصناديق المشتركة وغيرها من المستثمرين غير المصرفيين أيضا. وفي هذا الريبو العكسي، سيقدم المصرف الفيدرالي فرصة اقتراض الأوراق المالية لليلة واحدة بسعر يكون عاليا بما يكفي لتثبيط الإقراض بمعدلات أقل من النطاق المستهدف. الحجة حذر صندوق النقد الدولي من أن فرض زيادة سابقة لأوانها على أسعار الفائدة قد يقضي على الانتعاش الاقتصادي. كما يبدي البنك الدولي قلقه من أن التشديد في السياسة النقدية سوف يضر بالاقتصادات في البلدان الناشئة والنامية بينما يقوى الدولار. ويلاحظ نقاد آخرون بأن الاحتياطي الفيدرالي كان مفرطا في تفاؤله على الدوام، وأن زيادات أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي في عام 2011 ألقي عليها اللوم من قبل البعض الذين اعتبروا أنها مسؤولة عن تباطؤ الانتعاش في منطقة اليورو. ومن ناحية أخرى، حذر بعض رؤساء المصارف الإقليمية التابعة للاحتياطي الفيدرالي من أن المزيد من التأخير قد يثير فقاعات أصول وأن الانتظار حتى موعد التشديد النقدي (أي زيادة أسعار الفائدة) يزيد من مخاطر التضخم. ويقول نقاد النهج العكسي غير المجرَّب الذي اتبعه المصرف الفيدرالي، مثل شيلا بير، الرئيسة السابقة للمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، إنه يمكن جعل الاضطراب أسوأ: حيث إن العائدات الخالية من المخاطر تقريبا قد تشجع المستثمرين الكبار على الفرار إلى عروض المصرف الفيدرالي الآمنة عند ظهور أول بادرة لوجود مشكلة، ما يؤدي على الأرجح إلى إضعاف الأسواق الأخرى. كما يقول البعض في الكونغرس أيضا، إن الخطة تكاد تكون بمثابة توسع في نطاق شبكة الأمان المالي للحكومة بحيث تعمل على تغطية صناديق الأموال المشتركة. أما الهموم الأخرى فإنها ترتبط بالتغييرات في سوق السندات التي قد تجعل من الأصعب على البائعين العثور على مشترين خلال فترة يمكن أن تتسبب في التقلب من النوع الذي ينتج عن قرار رفع أسعار الفائدة. وفي حين اعترف مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي بأنه قد تكون هنالك عواقب غير مقصودة، إلا أن بقاء الأسعار عند مستوى الصفر لأجل غير مسمى ليس معروضا للمناقشة كخيار مطروح.