مكة أون لاين - السعودية في (الرويس).. رواية المبدع الدكتور سعيد السريحي.. هناك الكثير.. وعن (الرويس) يُقال الكثير.. عن شيء واحد: الإبداع.. في السرد.. في الحكاية.. في اللغة.. في التصوير.. في الإشارة.. في التاريخ.. في المجتمع.. في التكنيك.. وفي.. وفي.. لغة واضحة سهلة مباشرة راقية جاءت من غير تكلف ولا اعتساف ولا تصنع.. ولهجة تم تسجيلها بكل زخمها من منبعها.. للتاريخ.. في (الرويس) عبّر السريحي باقتدار عن واقع ومفاهيم وحقائق اختزلت بحِرفية عالية: «سقطنا بين مرحلتين.. بين بداوة لم نعد نعرفها وحضارة لم تعترف بنا».. وعما يختلج في نفوس «أولئك الذين فروا من جدب القرى ووحشة الصحارى وبؤس السواحل (و) لم يجدوا في قلب المدينة متسعا لهم فاستوطنوا الهامش».. أولئك.. من «يدخلوا المدينة.... مسكونين بغربة من لا ينتمي لتاريخها ولا تعترف بتاريخه».. ليصبحوا ربما حالة من اللا انتماء: «بدوٌ.. إذا ما ضمنا مجلسٌ مع بعض المتجذرين في تحضرهم.. حضرٌ.. إذا ما جمعنا مقامٌ مع من يفد من البادية».. تشخيص سايكوسوسيولوجي لحالة من القلق.. حالة من الضياع بين الهوامش.. ذوبان بين محطات التاريخ.. وضياع بين دهاليز وفي متاهات الجغرافيا.. فكان القلق وكان التشتت المتجذر في العمق.. وغابت المسافة بعمق الألم والمعاناة والبؤس: «نصبوا بيوتهم.. ونصبوا البحر كذلك.. لم يكن الموت هناك.. كان الموت هنا».. أبدع الدكتور السريحي بإخراجه لمنظر درامي صوّر فيه كيّ الجوف بألم الفقد بإحساس مرهف ودقة متناهية.. يقول: «حين أخبروا أمه بموته ركضت تمرغ وجهها بأثر خطوة تركتها قدمه على باب البيت حين غادر البيت صباحا».. وفي حالة أخرى: «حين بلغها خبر غرق ابنها الوحيد خرّت ساجدة تربط على قلبها بالصلاة.. وحين رفعت من سجودها توقفت في منتصف المسافة وقضت بقية حياتها معلقة بين الجلوس والسجود.. كسر الموت ظهرها.. هكذا كانت الأمهات يخبرن بناتهن عنها».. جسد الحزن بالوقوف بين المسافات والانتماء للمواضع.. حالة ضياع.. ويتجاوز الدكتور السريحي حتى نفسه في دايالوج يمثل الذروة.. الكلايماكس في التجسيد المؤلم حد الغصة.. يقول: «- اقرأ عليه الفاتحة وتوصله في أي مكان.. (كونه مات في البحر غرقا). - ما هي مسألة إنه توصل له الفاتحة أو ما توصل له.. أنا.. المهم أنا.. كيف أوصل له إذا رحتوا كلكم لزيارة أهلكم في المقبرة صباح العيد».. تصوير مبدع مرهق مبك لألم تستشعره في أعماق روحك.. ذلك بعض من ألق (الرويس) وإبداع الدكتور سعيد السريحي ووهجه..