يمارس الحي السكني دوراً تحريضياً على الكتابة الإبداعية لدى الدكتور سعيد السريحي، ويسعى إلى تفريغ الذاكرة (السريحية) بكل أحزانها وأفراحها ومكاسبها وخسائرها على صدور الأوراق والكتب ويستثمرها لمصلحة الفن والإبداع فيما بعد؛ فالفتى الموهوب الذي كان يقفز ويلهو في أزقة ومنعطفات حي الرويس في مدينة جدة هو اليوم الشيخ المبدع الذي أخرج لنا كتاب «الرويس» بما فيه من سير وحكايات ليس ليروي ويحكي بقدر ما يوثق ويحفظ جزءاً مهما من تاريخ المدينة الساحلية، التي تحوم حولها عواصف التغيير ورياح التعرية وتخضع أحياؤها إلى جراحات تجميلية متعددة. لقد سافر السريحي بالحضور الكبير في ليلة الاحتفاء بكتابه «الرويس» (دار جداول للنشر والتوزيع بيروت 2013) مساء الثلثاء الماضي في الغرفة التجارية بجدة إلى مسافة تجاوزت 40 عاماً، وحضرها أقرانه وأصدقاء طفولته ليعززوا دور رفيقهم ويشاركوا بما عرفوه عن ذاك الفتى من حكايات ومواقف شعبية مختلفة ويقدموا نموذجاً حياً لقصص الحي وأحداثه. ويقول السريحي: «نعم كنا في ذلك الحي نتشارك الألم والفرح، فالقادمون من تخوم البادية وقساوتها هم من صنعوا ذاكرة الحي المخضب بملح الدم وملح العرق وملح البحر، وأهدي هذا الكتاب إلى ذكرى صديقين عزيزين هما زكي سالم دريب وسليمان معتوق مناع، لقد سقطنا بين مرحلتين بين بداوة تموت وحضارة لم تولد بعد بين بداوة لم نعد نعرفها وحضارة لم تعترف بنا عشنا على هامش المدينة كما عشنا على هامش القرية هامش مدينة لم يعرفوها وهامش قرية لم تعد تعرفهم، بين الهامشين ولدنا وعلى الهامشين عشنا أشباه بدو وأشباه حضر نتأرجح بين هؤلاء وهؤلاء». ويتجول السريحي بين أزقة الحي وشوارعه ويقول أيضاً: «اسم الرويس زحف من البحر إلى البر كما كان ماء البحر رويساً كان رمل الشاطئ رويساً كذلك يتبادلان الاسم والمواقع كلما عنّ لهما أن يلعبا لعبة المد والجزر». ولم ينس السريحي أن يقبل يدي معلمه صالح صابر مدير المدرسة الثانوية، التي كان يتعلم فيها الدكتور سعيد ويعترف: «سمح لنا أن نمارس دورنا الصحافي من خلال مجلة مدرسية كنا أنا وصالح بوقري وآخرون نسعى إلى الرقي بها، فكان الأستاذ صالح صابر الذي يحضر بيننا اليوم مربياً ومعلماً وأباً لنا في وقت واحد». ولم ينس أيضاً أن يرفع التحية لعمدة حي الرويس طلال عبدالعزيز ويخبرنا: «أن هذا الحي لا يزال متشبثاً بعاداته وتقاليده ورجاله على رغم كل المدنية والحضارة التي تنشب أظفارها في جسد المدينة العتيقة». ويختم السريحي حديثه بالقول: «في فناء كل بيت من بيوت الرويس قبر يضم رفات قرية ماتت أو جنازة مهيأة لقرية تنتظر الموت».