مكة أون لاين - السعودية في نهاية كل موسم رياضي، يتحدث ويصرح رؤساء أندية كرة القدم السعودية حول المصاريف التي دفعوها من حسابهم الخاص، والمشاكل المالية والديون التي لا تنتهي، وحملات استجداء أعضاء الشرف لدعم النادي ماليا لتسيير أموره، فالأمير عبدالرحمن بن مساعد رئيس الهلال السابق يقول إنه صرف من جيبه الخاص منذ تولى رئاسته نحو 300 مليون ريال، ورئيس نادي النصر الحالي الأمير فيصل بن تركي يتحدث عن صرف أكثر من 300 مليون ريال من حسابه الخاص على النصر حتى الآن، فيما بقي الرمز الأهلاوي الأمير خالد بن عبدالله صامتا حول حجم الدعم الذي يقدمه للأهلي منذ عشرات السنين، والذي يتجاوز هذين الرقمين بكثير. والحال في جميع الأندية الرياضية السعودية متشابه فيما يتعلق بقضية الدعم، وهذه التصاريح تعيدنا إلى أن الأندية قائمة على أفراد، وأن دعمهم المالي هو المحرك والمسير لأنشطة الأندية الرياضية، وبصورة أكثر وضوحا يمكن أن نسميها أندية أفراد. والحديث عن خصخصة الأندية الذي لا يكاد يغيب في السعودية وطال أمده، فمنذ صدور قرار خصخصة الأندية قبل نحو 15 عاما من الآن، لم تكن هناك خطوات جادة في تطبيقه حتى يناير الماضي، عندما رفعت الرئاسة العامة لرعاية الشباب رؤيتها لتخصيص الأندية الرياضية للمجلس الاقتصادي الأعلى، مشتملا على الدراسات الفنية والمالية والقانونية الخاصة بعملية التخصيص، والبرنامج التفصيلي لها والمبادئ والأنظمة التي ستحكمها والشكل التنظيمي والتشغيلي المستقبلي للدوري الاحترافي وأنديته. واستبشرنا خيرا بهذه الخطوة، لأن إقرار هذه الدراسات يعني تغييرا كاملا للأنظمة الحالية، يوجب مجموعة من الضوابط الأساسية لضمان أن تكون الأندية بيئة سليمة للتطوير الرياضي، ونقل إدارة الرياضة السعودية من الهواة والمتطوعين إلى كفاءات إدارية متفرغة ومحترفة، وأن الاستثمار الرياضي سيأخذ صفة الاحترافية بدلا من الاجتهادات الشخصية والفردية، وأن إيجاد قانون للاستثمار الرياضي يتيح للمستثمر تحقيق عوائد مالية من استغلال مرافق النادي تجاريا لتحقيق الإيرادات وتنظيم عمليات الرعاية والتسويق أمران واردان. كما يعني كذلك توقف الدعم الحكومي للأندية، لأنها تحولت إلى شركات وقطاع خاص قادر على الاعتماد على موارده المالية بشكل مستقل، وبصورة أكثر شمولية سيتحول قطاع الرياضة السعودية إلى قطاع اقتصادي، ويسهم في خلق فرص استثمارية ووظيفية. لكن هذه الدراسة عادت إلى المربع الأول، فوفقا لما نقلته الزميلة عكاظ (16/ 04/ 2015) حول إعادة ملف مشروع الخصخصة إلى فريق الخبراء إثر إلغاء مجلس الاقتصاد الأعلى، وأن فريق الخبراء والاستشاريين الذي تمت الاستعانة به لتقييم مشروع خصخصة الأندية، أوصى بإعادة توزيع حصص امتلاك الأندية، واقترح تعديلا على البنود الخاصة بملاك الأسهم للأندية، بامتلاك الدولة لنحو 50 % من أسهم الأندية المخصخصة، و40 % للشركات المستثمرة و10 % للأفراد، وستكون وزارة المالية الجهة المشرعة والمفاوضة مع الشركات ورجال الأعمال الراغبين في الاستثمار إلى جانب الرئاسة العامة المشرفة على تنظيم وتطبيق الخصخصة، ومراقبة مراحل تنفيذها، فيما كانت الدراسة الأولية المقدمة من قبل لجنة الخصخصة تنص على امتلاك الشركات فقط لأسهم الأندية. مما سبق يتضح أن الرؤية حول خصخصة الرياضة والأندية السعودية لا تزال بين أخذ ورد، وأن آلية التخصيص والرؤية حولها يشوبهما شيء من الضبابية، فخلال العامين الماضيين كان هناك أكثر من عشرين تصريحا متناقضا حول خصخصة الأندية، منها ما أشار إلى أن الخصخصة ستقتصر على ستة أندية، ومنها من أكد أن التخصيص يستهدف في مراحله الأولى ناديين من أندية دوري عبداللطيف جميل الأربعة عشر، وغيرها من التصريحات التي تدعم فرضية عدم وضوح الرؤية سواء حول آلية التملك أو التخصيص أو البرنامج الزمني. في النهاية، الرياضة بشكل عام لم تعد هواية فقط، بل تحولت إلى فرصة واعدة وحقيقية للاستثمار، وصناعة لتصدير النجوم، لكن الآلية التي تدار بها آلية التخصيص ستطيل أمد تحويل الأندية إلى كيانات تجارية متخصصة، وستبقيها في دائرة أندية الأفراد، ورهينة للمشاكل والديون المالية التي تتضخم سنويا، وتحد من صناعة رياضة سعودية حديثة ذات ملاءة مالية قوية تساهم في تعزيز قدراتها التنافسية، ورفع مستوى حضورها على خريطة الرياضة العالمية.