د. رشود الخريف الاقتصادية - السعودية تأسست وزارة التجارة منذ أكثر من ستة عقود، وعلى مدى عمرها المديد لم تقدم خدمات تذكر لخدمة المستهلك. لا أنكر دورها في مجالات أخرى، ولكنها أهملت المستهلك وشؤونه وتركته ضحية الغش والاحتيال على مدى العقود الماضية، بل أسهم ضعف إرادتها وعدم اكتراثها بالمستهلك في انتشار البضائع المقلدة وضعف موقف المستهلك وقلة حيلته أمام الشركات والبائعين. أما اليوم فلا بد من قول كلمة حق، إن الوضع مختلف! أصبحت الوزارة قريبة للمواطن عموماً والمستهلك خصوصاً، وأصبح المواطن يشعر بأن هناك جهة حكومية تحميه من الغش والاحتيال وتنصفه أمام التجار المتلاعبين الذين لا هم لهم إلا تعظيم أرباحهم دون اعتبار للمستهلك أو البيئة التي يعملون فيها. في الماضي، كان المستهلك ضائعاً وتائهاً لا يعرف أين يذهب؟ نعم كانت هناك وزارة تجارة، لكنها مشغولة لا تضع حماية المستهلك ضمن اهتماماتها، وكانت هناك "جمعية حماية المستهلك"، ولكنها ضعيفة وتائهة، لا حول لها ولا قوة، ولا تستطيع أن تحرك ساكناً دون موافقة وزارة التجارة. كانت الشركات لا تعترف بشيء اسمه "الخلل المصنعي" إلا ما ندر، ولا يعوض عنه المستهلك السعودي، بل راحت أرواح الضحايا دون تعويض! كما أن "رضا المستهلك بعد البيع" مصطلح لا يُعرف إلا في مناهج كليات إدارات الأعمال، لذلك لا تعترف الشركات بهذا الأمر، بل وصل الحال بشركات بيع السيارات – على سبيل المثال - إلى معاملة زبائنها وكأنهم "شحاذون" يتوددون إلى المسوقين والعاملين في تلك الشركات لكسب اهتمامهم وبيعهم سيارة باللون والمواصفات التي يرغبونها دون مماطلة واستعلاء! وعلاوة على ما سبق، تعج السوق المحلية بالبضائع المقلدة والمغشوشة والبضائع الصينية رديئة الجودة دون أن تحرك الوزارة ساكناً لحماية المستهلك والحفاظ على مدخرات المواطن ومقدرات التنمية من استغلال التجار الجشعين الذين يجلبون بضائع رديئة من الصين وغيرها، ويسوقونها بأضعاف ثمنها، دون رقيب أو حسيب! ففي السوق تجد بضائع مقلدة تباع بأسعار السلع الأصلية دون تزويد المستهلك بمعلومات عنها أو التشهير بمن يحاول استغلال الناس. وطفح الكيل وأمن ضعفاء النفوس من المواطنين والوافدين العقوبة، وشعروا بضعف الوزارة وعدم اكتراثها، ففتحوا مصانع لتقليد السلع في شققهم ومستودعاتهم للقيام بتقليد السلع التي تتنوع ما بين الملابس ومواد التنظيف والحلويات وغيرها، ووضعوا علامات تجارية مشهورة عليها، لذلك أقولها باختصار شديد، لن يذكر التاريخ وزراء التجارة السابقين أبداً، إلا بخدمة أنفسهم وأهليهم! وفي المقابل، لا بد أن أشيد – بإعجاب شديد – بجهود الوزير الحالي (الدكتور توفيق الربيعة) الذي استطاع ضخ الحياة في شرايين الوزارة البالية، فأدخل التقنية في كافة أحشائها وخدماتها، وكافح ضد التلاعب بمدخرات المواطن في مساهمات عقارية لا يستفيد منها سوى العقاريون أنفسهم، فقامت الوزارة بتصفية كثير من المساهمات العقارية وإنصاف المستهلك من الغش والتدليس وجشع بعض العقاريين! إلى جانب ذلك، استطاعت وزارة التجارة والصناعة - بجهود الوزير الحالي - منح المستهلك السعودي شيئاً من الهيبة التي لم يحظ بها طيلة حياته. وأخيراً .. أرجو ألا يُقلل من جهود الوزارة المشكورة تقديم بعض المقترحات لخدمة المستهلك. أولاً، لا يوجد على موقع الوزارة قسم خاص بالمستهلك يشتمل على الأنظمة والقرارات التي تخص حماية المستهلك، بل ما يوجد – حالياً - هو "مركز التفاعل مع المستهلك"، فأتمنى أن يحتوي موقع الوزارة على قسم خاص بحماية المستهلك يشتمل على الأنظمة واللوائح، وكذلك القرارات الصادرة في هذا المجال، إضافة إلى الدراسات والتقارير والإرشادات اللازمة للمستهلك. ثانياً، آمل أن تعمل الوزارة على تحقيق هدفها الذي ينص على: "تنمية العمالة الوطنية في الأنشطة التجارية، وتأهيلها وإحلالها محل العمالة غير السعودية"، خاصة مع استمرار تدني نسبة السعودة في قطاع تجارة الجملة والتجزئة، على الرغم من أن ممارسة المهن في هذا القطاع لا تتطلب تعليماً عالياً أو تدريباً مكثفاً. ثالثاً، ضرورة إعادة هيكلة "جمعية حماية المستهلك" ومنحها استقلالية من الوزارة، بحيث تصبح من مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، فتحظى باحترام المواطن، وتكسب الهيبة أمام التجار والشركات!