تجارتنا حرّة غير مقيدة أو مكبّلة، لكن يا ترى هل أدرك التجار لدينا هذه الحرية المطلقة بمدلولها وانعكاساتها على الوطن والمواطن؟ بمعنى هل تكوّن لدى هؤلاء التجار وعي كامل بقيمة المواطن ومخاطر استهجانه واستغلاله واستغفاله؟ ليس ثمّة من يحسد التاجر جرّاء تجارته، كلاّ! لم يسم تاجراً ولم يمطر بأمواله وهو نائم على أريكته، بل جرّاء كدّه وتعبه، وهذا أمر مستساغ ومقبول لكل عارف بفن التجارة ولعبتها، لكن الذي يزعج المستهلك ذلك الجشع الواضح من أغلب تجارنا وعدم إحساسهم بالمسؤولية المجتمعية، أما الأمانة فهذه آخر من يتحدث عنها هؤلاء، فهي ليست في أجندتهم على الإطلاق، إلا من رحم الله، وهي التي تدخل في جميع المعاملات والتعاملات في حياة البشر، باتت كلمات الغش والجشع أكثر تداولاً في المجتمع على سبيل التحذير من مخاطرها، وهي سلوكيات مشينة، بل محرمة في شريعتنا بقوله صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا) والآيات القرآنية مستفيضة في هذا الباب، أليس بكاف أن الذي يغش في معاملاته وتعامله مع الناس متعمداً، عارفاً بالحكم الشرعي، يدخلُ طوعاً دون كراهية في دائرة (الغشاشين) مما يعني أنهم مجرمون، (والمسلم لا يغش أخاه المسلم) والحال كذلك! عندما يستميت هؤلاء التجار بجلب المتردية والنطيحة من البضائع، وهي التي لا تحمل أدنى درجات الجودة، تُحسبُ عليهم من بلد المصدر بثمن بخس ويبيعونها علينا بغالي الثمن، هذه البضائع الرديئة جداً لا تجد لها سوقاً رائجاً، إلا لدينا، لا تجدها في البلاد الأوروبية والغربية وبعض البلاد الشرقية، عندها تعرف أنه ملعوب عليك والمروج لهذه اللعبة هذا التاجر الذي هو ابن الوطن، طبعا أمثال هؤلاء التجار، باتوا يسرحون ويمرحون، فلا وزارة التجارة ممثلة بحماية المستهلك ولا هيئة المواصفات والمقاييس ولا مصلحة الجمارك تصنع شيئا، هذه أسماء تخوّفك عند سماعك لها، لكنك (تسمع بالمعيدي خيراً من أن تراه) لسان حال هذه الجهات يقول: (اكرب وجهك وارخ يديك) وزارة التجارة كأنها هذه السنة مع وزيرها الشاب النشط في بدايته، تريد أن تكبح جشع التجار وغشهم، لكن فيما يبدو أن اليد الواحدة لا تصفق، فإذا دخلت السلع المغشوشة في البلد، تفرق الدم بين القبائل، مع أن هذه السلع (عينك، عينك) موجودة في كل شارع وسكة، أغلب هذه السلع (قنابل موقوتة) معنا وبيننا، سواء كانت مستهلكات كهربائية أو قطع غيار للسيارات أو مواد صحية وغيرها كثير، وأخطرها على الإطلاق المواد الكهربائية بمجملها، وما له علاقة بالسيارات كالفحمات والسيور والإطارات وغيرها، هذه بالفعل (سلع الموت) وزارة التجارة تشهّر بواحد على (قدّ) حاله، وتترك الهامور، والذي لم أستطع فهمه، فيما يتعلق بمسألة التشهير باختلاف ألوانه وعلى العموم، عندما يُصوّر المجرم من الخلف أو يظلل ويعتم على وجهه، لا أعلم ما الفائدة من ذلك، بهذه الطريقة نحن ندافع عن هذا المجرم وهذا الغشاش، وهذا الجشع، لا نريد إدانته بالجرم المشهود، نعود إلى السلع الرديئة، وما قد تسببه من حوادث مؤلمة والشواهد (حية) وعقرب كذلك! المواطن المسكين الذي لا يدرك مخاطر هذه السلع الرديئة، قد يدفع حياته وأسرته ثمناً لها، والسبب الجهات الثلاث التي ذكرتها في صدر هذا المقال، المسؤولون في هذه الجهات وثقت بهم الدولة، لكنهم في نظري لم يقدموا ما يوازي تلك العطايا الجزلة. لا أجد ما يبرر استمرارية (هيئة حماية المستهلك)، وهي التي فقدت دورها منذ عُرِفت كجهة رقابية، يا جماعة الخير مرة أخرى، أقول انتشار المقلدة والمغشوشة في الأسواق والمجمعات التجارية إلى درجة الإغراق له عواقبه الوخيمة؛ أقلّها الإضرار بالتجار أصحاب المنتجات الأصلية من كساد بضاعتهم، والإضرار بالمنتجات السعودية المطابقة للمقاييس والمواصفات، ناهيك عن محاربة الاقتصاد الوطني وطعنه، هذه البضائع المقلدة والمغشوشة، التي أستطيع أن أطلق عليها (سلع الموت) هي بضائع أصلاً غير مطابقة للمواصفات والمقاييس السعودية، وضررها على الإنسان والبيئة لا يحتاج إلى كبير دليل، وقد ساعد على انتشارها (عدم الوعي لدى المستهلِك، والجشع المادي، وضعف الوازع الديني لدى بعض المستوردين والبائعين، وجشع بعض أصحاب السلع الأصلية، ورخص ثمن البضائع المغشوشة، وضعف الرقابة والعقوبات بحق الموردين والبائعين المخالفين)، وهذه مجتمعة هي أس المشكلة ووقودها باختصار.