الإقتصادية - السعودية حين سألت زميلنا المراسل عن إمكانية إرسال أوراق مهمة "بالبريد السعودي" سخر من طلبي، وقال: لم يعد أحد يتعامل مع البريد، هناك شركات جديدة أفضل بمراحل وتتوزع مكاتبها في معظم الأحياء. هذه الإجابة التي قالها موظف بسيط لا يهمه اسم الشركة بقدر ما يهمه عامل الزمن، والوصول الآمن. تلخص واقع "المؤسسة العامة للبريد السعودي" التي أعجز عن فهم هويتها التي جعلتها بهذا الأداء الرتيب والعجز عن مواكبة سرعة الشركات الأخرى والغموض الذي يحيط بكل تفاصيلها. فالمعلومات تقول إن البريد الحكومي الذي كان قطاعا مترهلا وعبئا على الدولة، قد تمت إعادة هيكلته وتحويله إلى مؤسسة عامة عام 2002 تعمل وفق اقتصادات السوق، وفلسفة القطاع الخاص. ورثت المؤسسة الجديدة قرابة 300 فرع، وأكثر من خمسة آلاف موظف، وبدأت العمل مع بعض التغييرات الشكلية، والكثير من التصريحات الإعلامية، لكن الواقع يقول: إنه رغم مرور 13 عاما على ذلك القرار الاستراتيجي لا تزال المؤسسة تراوح مكانها، ولا تزال كوادرها في أدنى درجات الأداء الاحترافي مقارنة بالشركات الأخرى، واكتفت بدورها التقليدي كناقل رسمي لمعاملات الحكومة دون أن تلتفت إلى كعكة السوق الحقيقي التي تناهز 18 مليار ريال سنويا كما يقدرها المختصون، ويوما بعد يوم تتراجع "مؤسسة البريد" وتزداد سيطرة الشركات الأخرى على هذه الكعكة، رغم أنها لا تملك ما تملكه "مؤسسة البريد السعودي" من كوادر، وإمكانات، وأنظمة تقنية وجيش كبير من الإداريين التنفيذيين. قرار التخصيص بتحويل البريد إلى مؤسسة يفترض معه أن تعتمد المؤسسة الجديدة على نفسها، وعلى إيراداتها ذاتيا وتعلن أرباحها وخسائرها وفق نظام مؤسسات الدولة، وطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، لكن الغريب أنني لم أعثر على معلومات عن القوائم المالية لمؤسسة البريد، ولم أجد ما يشير إلى إيراداتها، أو مصروفاتها، وحجم الإنفاق، ولا أعرف ما الذي يستدعي كل هذه السرية لمؤسسة تعمل بنظم السوق وتتقاضى رسوما عن مجمل خدماتها؟ ولم تقف حيرتي عند هذا الحد، فبعد كل الجهد الذي بذلته لمعرفة حجم هذه المؤسسة، وإيراداتها، ومساهمتها في الناتج المحلي، صدمتني تصريحات متكررة لمجموعة من القياديين فيها اتفقوا على أن مشروع "الخصخصة" الذي نصت عليه أنظمة الدولة، وقرار المجلس الاقتصادي الأعلى لم ينفذ بعد!! إذا كانت مؤسسة البريد خارج فلسفة الخصخصة طوال 13 عاما فبأي نظام كانت تعمل؟ وما الهوية التي كانت تسير عليها؟ وما "الخصخصة" التي يحلم بها مديرها العام ونوابه وهم يرددون في التصريحات المنشورة ذاتها أن المشروع يحتاج إلى سنوات، وإلى ميزانيات تناهز 450 مليونا، وأن هناك أربع شركات أخرى ستتولد من "مؤسسة البريد" وغيرها من التصريحات التي تؤكد أن مؤسسة البريد كانت أشبه بالمنتج الهجين الذي حمل اسم مؤسسة خاصة وبقي يعمل بروح الجهات الحكومية، وأدائها الباهت، في ظل غياب الرقابة المجتمعية والرسمية وتكفيك زيارة أحد فروعها ومقارنتها بالشركات الأخرى لتعرف الفرق حين ترى بوضوح المهنية الفارقة في احترام العميل، وسرعة الخدمة، ووضوح المعلومة، ولا أعرف ما الذي منع مؤسسة بحجم البريد خلال 13 عاما من تأسيسها من تطوير أدائها، وتنمية العمل الاحترافي، وتوسيع قاعدة عملائها؟ ولماذا لم تتدخل وزارة الاتصالات خلال الفترات السابقة لتصحيح مسارها؟ وتجعل منها مؤسسة قوية تصنع الفرص، وتنافس في السوق، وتحقق الأرباح، وتكسب الثقة كثمرة من ثمار مشروع الخصخصة الاستراتيجي. الواقع يقول: إن وزارة الاتصالات بالتعاون مع الجهات الرقابية يجب أن تفتح ملفات مؤسسة البريد طوال السنوات الماضية، وتحاسب قياداتها على هذا الأداء الضعيف الذي مكن الشركات الأجنبية من السيطرة على السوق وحرم الدولة من واحدة من أنجح فرص الخصخصة.