د محمد بن إبراهيم السعيدي موقع الدكتور محمد السعيدي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وبعد : فقد كتب فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الجليل وفقه الله لما يحب ويرضى مقالاً سماه :" رؤية شرعية في النكبة الفرنسية" وقد رأيت أن هذا المقال إنما هو رؤية شخصية محترمة ، وفي نسبتها للشرع نظر ، لما فيها من الأخطاء المنهجية ما يستوجب التنبيه إليه ، ولولا انتشار المقال لما تعقبته ولكان لي في الكتابات المستقلة غُنْيَة عن الرد ، وفقنا الله وإياه لما يحب ويرضى إنه ولي ذلك والقادر عليه . فمقال الشيخ عبدالعزيز حفظه الله يتضمن خطأ منهجياً كبيراً ، يقع فيه الكثيرون من الدعاة في العديد من النوازل وذلك حين رأى :أن الفاعلين لحادثة الصحيفة مجتهدون وقد يرى غيرُهم أن اجتهادهم خطأ ، وبما أن المسألة موضع اجتهاد فلا تثريب على من فعل ، أما من خالف اجتهادُه اجتهادَ الفاعلين فعليه أن يلزم الصمت حتى لا يستغله الكافرون . هذا خلاصة رأيه حفظه الله كما فهمت . وقد رأيت أن أوْجُهَ الخلل في مقالته يمكن رصدها من نواح : الناحية الأولى : أن الاجتهاد ليس حقاً لكل أحد لا سيما في أمور لا يتوقف أثرها على الفاعلين بل تنسحب آثارها على الأمة بأسرها ؟ ومن اجتهد في مثل هذه الأمور فقد افتات على الأمة ووجب على علمائها البراءةُ من اجتهاده والإعلانُ عن كونه لا يمثلها ، لا سيما إذا كان كحال من وردت أسماؤهم في الحدث وهم :أيمن الظواهري رده الله إلى الحق، والوحيشي والأخوين الفاعلين للعملية رحمهم الله تعالى ،حيث لم يُعْرَف أحدهم بعلم ولا مكانة في الاجتهاد في مسائل المياه والطهارات فكيف بمثل هذه الأمور العظيمة . بل قد عانت الأمة من اجتهادات الظواهري مالا يغفل عنه عاقل . الناحية الثانية : لو أن مسلماً سب النبي صلى الله عليه وسلم في بلاد المسلمين لوجب رفعه إلى الحاكم ولا يجوز لأفراد الناس تولي قتله ، ولو فعله أحدهم لكان مفتاتاً على الحاكم ، وللحاكم تعزيرُه بما يردع أمثاله ، فكيف بكافر سب النبي في بلاد الكفر ، وهي بلاد للمسلمين فيها أمَنَة ومَنَعة بل إن بعض المسلمين في تلك البلاد أكثر أمنة ومنعة على أنفسهم وأموالهم من بلادهم التي جاءوا منها ، ولو كان هذا القاتل صادراً في فعله عن حاكمٍ مسلمٍ قادرٍ بمن حوله من أهل العلم على تقدير المصالح والمفاسد ولم يكن ثَمَّ عهد ولا أمان للمسلمين هناك ، لقلنا : إنه اجتهاد يُخطئ ويصيب ، أمَا وأن الأمر ليس كذلك ، بل هو على النقيض من ذلك ، فليس في الأمر اجتهاد ، بل هو افتيات فلا ينبغي أن يُقَرَّ صاحبُه ، ولو صادفَ هوى أوعاطفة في نفوسنا ، نسأل الله أن يقي المسلمين شَرَّه . فأحكام الشريعة لا توزن بهوانا وعواطفنا ، بل إن أهواءنا لو كمُل إيماننا هي التي تعرض على الشرع ، فإن كانت تبعاً له حمدنا الله وإن كانت غير ذلك استغفرناه وتبنا إليه . الثالثة: ثبت عند أهل الخبرة بتلك البلاد : أن كثيراً من المتشددين النصارى واليهود والقوميين فرحون بهذا الحدث فرحاً عظيماً وقد سارعوا باستغلاله كي يُحققوا من خلاله ما يرجون من التضييق على المسلمين في أوربا ، بل أفادت بعض التقارير ومنها ما نشرته هيئة الإذاعة البريطانية : أن هذا العمل تقف وراءه بعض دوائر الاستخبارات الأوربية ، فعلى التسليم جدلاً بأن هذا الأمر صادر عن اجتهاد من له حق الاجتهاد ، فقد ثبت بشهادة أهل الخبرة أنه في الأغلب الأعم ليس في صالح المسلمين فيكون اجتهاداً خاطئاً ينبغي بيان خطئه وليس الدفاع عنه بحجة كونه اجتهاداً . الرابعة: من معضلات العصر : أنه كلما افتات على الأمة مفتات اعتذرنا له بكون ما فعله اجتهاد منه ، وبذلك كثرت المصائب بكثرة الاجتهادات ، وهذه المسألة ينبغي على أهل العلم الوقوف في وجهها ، فكما أننا نقف في داخل بلادنا في وجه من ينصبون أنفسهم للفتوى وليسوا من أهلها في قضايا كشف المرأة وجهها وقيادتها السيارة وعملها في الأسواق ونَحْتَج عليهم بعدم الأهلية ، فمن باب أولى أن نقف في وجه من ينصبون أنفسهم حُكَّاماً وقضاة ومنفذين في قضايا يترتب عليها أجسم الأضرار في الدماء والأموال والأحوال على المسلمين بعامة . فعلى أهل العلم أن ينكروا على هؤلاء صنيعهم ، حتى لو أصابوا ، لأن من ليس له أهلية الفتوى والاجتهاد حين يتصدر لما ليس من شأنه فإنه مخطئ ولو أصاب كما نص على ذلك ابن تيمية رحمه الله في كتابه الانتصار لأهل الأثر . الخامسة: قتل الساب دون استتابة ليس مذهباً مجمعاً عليه وإن اختاره ابن تيمية ، بل الساب المسلم عند كثير من أهل العلم يستتاب فإن تاب وإلا قُتل كغيره من المرتدين وهو اختيار الشيخ ابن باز وعبدالرزاق عفيفي في عصرنا الحاضر . وابن تيمية رحمه الله حين اختار عدم استتابة الساب لم يقل إن قتله متاح لكل أحد بل هو رحمه الله من أشد الناس على الافتيات على المسلمين في أمور الفتوى والحكم . السادسة:يرى الشيخ عبد العزيز الجليل حفظه الله : أن الفرح بقتل الصحفيين من موجبات عقيدة الولاء والبراء ، وأقول إن إطلاق العبارة بهذا الشكل فيه تحريج على المسلمين ، واتهام لكل من لم يفرح بهذا الحادث بالنفاق أو ممالأة المنافقين ، بل قد صرح الشيخ عبدالعزيز حفظه الله بهذا ، ولذلك أقول : إنه لا يصح إلزام المسلمين بما لايلزمهم والزعم بأنه من العقيدة ، بل ذلك من تحميل العقيدة مالا تحتمل ، فأين في نصوص الوحيين أن من لوازم الولاء والبراء الفرح بما يصيب الكافرين هكذا مطلقا . فهناك الكثيرون والكثيرون جداً لم يفرحوا بهذا الأمر لخوفهم من عاقبته على المسلمين ، لاسيما العاملين في مجال الإعلام الإسلامي في أوربا، الذين جعلوا عامة جهدهم في تصحيح صورة الإسلام والمسلمين ونبي الإسلام في أوربا وإستراليا والأمريكتين ، وكذلك العاملون في مجال الدعوة في أوربا ، والقائمون هناك على المدارس والمؤسسات الدينية ، والناشطون في تلك البقاع في مجالات الحقوق المدنية والدينية للمسلمين ، جل هؤلاء لم يفرحوا بهذا الحدث ، بل وأضيف إليهم الداعمون للمؤسسات الدعوية في أوربا من الخليج والعالم الإسلامي ، والسياسيون الذين يترقبون ضغوطاً عليهم وعلى بلادهم جراء أمثال هذا الحدث . وهناك كثيرون أيضا لم يفرحوا بهذا الحادث ليقينهم بأنه تدبير مقصود به الإساءة للمسلمين والإضرار بمصالحهم . الكثرة الكاثرة من هذه الأصناف لم يفرحوا بهذا الحادث ، وليس عدم فرحهم إلا مما في نفوسهم من الشفقة على المسلمين والحرص عليهم ومحبة الإسلام ونبيه ، فكيف يُرمى أمثالهم بالنفاق أو ممالأة المنافقين وضعف الولاء والبراء . وهُنا سؤال أطرحه على فضيلة شيخنا الشيخ عبدالعزيز الجليل وكل من يرى رأيه : هل من شروط الغضب لنبينا صلى الله عليه وسلم من الإساءة إليه تمني قتل من أساء إليه أو السرور والانشراح بقتله؟ ما الرأي فيمن كان يتمنى أسلام هؤلاء الرسامين لا قتلهم ، وسيكون أشد فرحاً لو كان ذلك ؟ أما أنا فكنت سأكون أشد فرحاً لو أسلموا ودخلوا الجنة ولم يُقْتَلُوا كما حصل لمخرج الفلم المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد صنع بفلمه أعظم مما صنعه الرسامون ، ثم أسلم وحج وأصبح داعية إلى الله . فهل عليَّ في ديني من حرج ؟ الذي أراه لنفسي ولمن أحُب : أنه لا حرج من ذلك إن شاء الله في ديني ولا على من كان مثلي ، بل إن ذلك هو ما نعلمه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن بأبي هو وأمي يتشوف لقتل من سبه وآذاه أو لعقوبته ، ففد روى البخاري (3231) ومسلم (1795) أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ قَالَ : ( لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ !! وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ ، فَنَادَانِي فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِم!! فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ؛ فَمَا شِئْتَ ؛ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ !! فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) . هذا هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، سبوه وآذوه وطردوه ، وجاءته فرصة الانتقام منهم فدفعها رجاء أمر مُغَيَّب ، وهو أن يخرج الله من أصلابهم أمة مؤمنة . فأين هذا الحديث ممن يرى أن الفرح بما يصيب الكفار مطلقاً دون قيود أو محترزات علامة الولاء والبراء وأن ضده علامة النفاق ! فمنهج النبي وهو عدم التشوف لقتل من سبه وآذاه ما المانع من أن يكون منهجاً لنا أيضاً؟ لماذا تقتصر ردود أفعالنا تجاه الإساءة لنبينا على تمني هلاك المسيئ والفرح بأن تصيبه قارعة ، مع أن سيرته صلى الله عليه وسلم مع سبّابيه تختلف كثيراً عن هذا ، والذين يذكرون غير ذلك : إنما يذكرون قتله صلى الله عليه وسلم لكعب بن الأشرف وابي عزة ، ثم لا يذكرون منعه ملك الجبال من الإطباق على قريش ولا دعاءه لثقيف بالهداية ولا عفوه عن أبي سفيان بن الحارث ولا عفوه عن أبي سفيان بن حرب ولا عفوه وجائزته لكعب بن زهير . نعم علينا أن نغضب حين يساء لنبينا صلى الله عليه وسلم ، لكننا نستطيع أن نفعل أشياء كثيرة حين نغضب وليس من الضروري أن نقتل أو نفرح بالقتل . السابعة : يرى الشيخ عبدالعزيز الجليل حفظه الله : أنه لا ضير في أن يرى أحدنا خطأ الذين قاموا بقتل الصحفيين ، لكن على من يرى ذلك أن يصمت ولا يتكلم بما أدى إليه اجتهاده لأن ذلك سيستخدمه الكافرون ضد المجاهدين . وهذا من أعجب ما قرأت في هذه الحادثة ، أوليس لي أن أقول عكس ذلك تماماً ، فأنصح من يرى صواب ما قام به الفاعلون بالصمت ، لأن تصويبه لهؤلاء سوف يستخدمه اليهود وأعداء الدين في تسويق الصورة المشوهة للمسلمين ! وأعجب منه استشهاده بقوله تعالى (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل) مع إن هذه الآية في حسباني ترد علي ما طرحه وفقه الله ، فإن عِظم خطأ الكافرين وكونه أكبر عند الله عز وجل لم يكن ذريعة للسكوت عن خطأ المسلمين ووصفه بكونه كبيراً في آية من كتاب الله تتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، نعم إن خطأ الفرنسيين والأوربيين بعامة أعظم وجريمتهم أخطر ، لكن فداحة فعلهم لا تعني الصمت على خطأ من أخطأ من المسلمين وبيان ذلك الخطأ وتجليته ، هذا هو منطوق الآية ، وليس فيها الصمت عن خطأ المسلمين بحجة أن خطأ الكافرين أعظم وأشد خطرا. الثامنة: يتحدث الشيخ حفظه الله عن جرائم فرنسا وأنها هي من تستحق وصف الإرهاب وليس المسلمين ، وما قاله حق لا يتمارى فيه اثنان ، وجرائم فرنسا بل الغرب أجمع على مر التاريخ ليس لها نظير ،وكثير من الفرنسيين يقرون بذلك ، وقد نقل الشيخ حفظه الله ذلك عن بعضهم ، لكن هل قتل هؤلاء الصحفيين سيغير من الأمر شئ ويعيد الأمور إلى نصابها ويجعل فرنسا تراجع حساباتها وتغير تعاملها مع المسلمين وتعتذر عن جرائمها بحقهم عبر التاريخ وتجنح نحو الإنصاف ؟! أم أن العكس هو ما سيحدث؟ وهل أوربا وفرنسا على الأخص تبرأت من تاريخها الإجرامي فلا يمكن أن تعود إليه بحال من الأحوال ، أم أن هذا التاريخ هو ثقافتها ولا يمكن أن تبارحه ومن الممكن أن ترجع إليه اليوم أو غدا؟ وهل الشيخ عبدالعزيز حفظه الله مطمئن إلى قِيَم الحٰرية والعدالة التي تزعمها أوربا ، فلم يخطر في باله يوما أن أوربا يمكن أن تنقلب على المسلمين في داخلها وتضطهدهم وتجليهم عنها أو ترتب لهم بطريقة أو بأخرى مجازر لن يكون لنا معها حول ولا قوة كما عملت لهم من قبل محاكم التفتيش في إسبانيا وفي البوسنة والهرسك وكرواتيا. إن التكلم بما يوحي بتحريض شباب المسلمين في داخل أوربا على الانتقام من هذه الدول وتسميتهم مجاهدين أمرٌ منكر وخطير، بل هو لعب بالنار وعبث بمصير ثلاثين مليون مسلم يعيشون في أوربا وتعريضهم للخطر. العاشرة : أقول للشيخ عبدالعزيز حفظه الله ومن وافقه : لا تفسدوا الجهاد الحق القائم الآن في أوربا بما تقولون من تأييد لهؤلاء الأغرار وأدعياء الجهاد والاجتهاد . إن الجهاد الحقيقي في أوربا يقوم به أناس يدخل على أيديهم إلى الإسلام وبسبب أنشطتهم عشرات الآلاف من الأوربيين في كل عام ، فقد أعلنت الحكومة الألمانية منذ سنوات : أن واحداً في كل ساعتين يدخل الإسلام ويقول العاملون في المراكز الإسلامية إن واحداً كل خمس وأربعين دقيقة يدخل الإسلام في أوربا ، وهناك إحصاءات تفيد بأعداد أكبر ، كما أن نسبة النمو في المواليدالمسلمين تبشر بمستقبل إسلامي في أوربا. يرى مراد هوفمان في كتابه مستقبل الإسلام في الألفية الثالثة أن الذي يفصلنا عن اكتساح الإسلام لأوربا ما هو إلا عقود يسيرة من الزمن ونظرية هوفمن تقوم على أن انطلاقة الإسلام القادمة ستكون من أوربا. المجاهدون بالقرآن جهاداً كبيراً داخل أوربا والقائمون على الأنشطة الدعوية والتربوية والإعلامية والحقوقية يريدون منا كلمة الحسنى والتي هي أحسن كي يرفعوها في وجوه المناوئين لهم ، فإن لم يكن منا ذلك فليس شئ أحسن لهم من صمتنا عنهم . وأرى أن تقصير المسلمين في نصرة هؤلاء العاملين هو الخلل في عقيدة الولاء والبراء وليس عدم الفرح بالقتل . بل إن عقلاء النصارى ومنصفيهم والذين ظهرت أصواتهم هذه الأيام يحتاجون منا من الكلمات ما يؤيد رؤيتهم وما يستطيعون أن يدافعوا به عن المسلمين ضد الهجمات اليمينية واليسارية المتطرفة ، وهاهي إنجيلا ميركل تصر على أن الإسلام جزء من ألمانيا وتطلب من علماء المسلمين في العالم الإسلامي إيضاح حقيقة الإسلام ، فهل من العقل أو من الدين أن نُظهر لهم تأييد العنف في أوربا ووصف من يقومون بذلك بالمجاهدين . إن الدعاة والناشطين المسلمين في بلاد الغربهم أهل المنهج الواضح القويم وهم المجاهدون اليوم هناك وليس الذين يفسدون عليهم أمرهم . وأخيراً أختم بهذه القصة العجيبة عن المجاهد العظيم أبي الدرداء رضي الله عنه في فتح قبرص، حيث بكى حين رأى ذُلَّ أهلِ قبرص وهَوانَهم على الله بِمعاصِيهم، كما روى أبو نُعَيْم الأصبهاني رحمه الله عن جبير بن نفير، قال: (لما فُتِحَتْ قبرص فُرِّقَ بين أهلِها، فبكَى بعضُهم إلى بعضٍ، ورأيتُ أبا الدرداء جالِساً وحدَه يبكي. فقلتُ: يا أبا الدرداء ما يُبْكيك في يومٍ أعَزَّ الله فيه الإسلامَ وأهلَه؟ قال: وَيْحَك يا جُبَيْر، ما أهْوَنَ الخلقَ على الله إذا هم ترَكُوا أمرَه! بَيْنَا هي أمةٌ قاهرةٌ ظاهِرةٌ لهم الملك؛ تركُوا أمرَ الله؛ فصاروا إلى ما تَرَى!) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين د محمد بن إبراهيم السعيدي صباح الجمعة 25/ 3/ 1436