خالد عبدالرحيم المعينا مكة أون لاين - السعودية قال معالي المهندس عادل فقيه، وزير العمل، لا فض فوه، إن الحملة التصحيحية ستعود أقوى مما كانت بهدف القبض على العمالة المخالفة الموجودة في سوق العمل. وقال الوزير، وهو يدشن فرع الوزارة في تبوك: «إنه من غير المبرر إبقاء من يخالف أنظمة هذا الوطن، ويجب ألا يقيم على أرضه إلا من يحترم أنظمته ويعتني بقوانينه». هذا كلام جميل ونحن نؤيده لكن غاب على معاليه شيء واحد هو لماذا توجد هذه الأعداد الكبيرة من المخالفين في بلادنا؟ من خالف الأنظمة هم أم كفلاؤهم السعوديون؟ لقد ظل هذا التساؤل يقلق هاجسي لسنوات عدة والإجابة لا تحتاج إلى جراح مخ وأعصاب أو عالم صواريخ ليقول لنا لماذا وضع بلادنا هكذا. وظللت عبر السنوات أتلقى الرسائل من عدد من العمال العالقين هنا والذين جلبهم الكفلاء السعوديون بوعود جازمة براتب كبير ومزايا كثيرة ليجدوا أنفسهم مكدسين ثمانية أو عشرة في غرفة ضيقة لا تزيد مساحتها عن 4×4 أمتار. وبعضهم جاء بهم تجار التأشيرات وسلموهم إلى شركات أخرى أو مقاولين بعد أن قبضوا الثمن. ووجدوا أنفسهم بعد ذلك بلا مرتبات أو سكن أو طعام والأدهى من ذلك بلا أوراق ثبوتية تنقذهم من حملات الجوازات. وفئة أخرى من العمال الوافدين يدفعون مبالغ طائلة لكفلائهم كلما أرادوا تجديد الإقامة أو عمل خروج وعودة أو إعطاءهم التنازل ليعملوا في جهات أخرى. والجوازات لا ترحم هؤلاء العمال فالأوامر عندهم هي القبض على أي وافد لا يحمل إقامة نظامية أو لا يعمل مع كفيله. ومن الحالات المؤلمة ما حدث لأحد الإخوة الفلبينيين فقد تم القبض عليه في الرياض بينما زوجته في جدة مع رضيعها الذي لم يتجاوز الستة أشهر من العمر. وطلب مني الرجل التوسط في موضوعه وقد بذلت ما أقدر عليه لكن تم ترحيله مع زوجته في نهاية الأمر كل بمفرده. وكدت أصاب بانهيار عصبي وأنا أتابع المظالم الكثيرة التي وقعت لبعض العمال الوافدين المساكين. ومع أننا شعب مسلم شديد الإسلام ومعتز بقيمه ومثله، إلا أنه مع الأسف بيننا من لا يخاف الله ولا يتورع عن ظلم الآخرين مع أن رب العالمين قد حرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده. ومن أسوأ أنواع الظلم الذي يمارسه بعض الكفلاء على مكفوليهم الوافدين الإبلاغ بأنهم «هربوا»، وذلك حتى لا يصرف لهم رواتبهم أو يعطيهم حقوقهم المالية أو مكافأة نهاية الخدمة حسب بنود العقد الموقع بينهم. وفي زمن وسائل الاتصال الاجتماعي، أصبحت أتلقى الكثير من الشكاوى على الواتس اب، ومنها رسالة جاءتني من بعض الوافدين من شبه القارة الهندية قالوا فيها بالحرف الواحد: «نحن لسنا مخالفين لأنظمة العمل والإقامة السعودية لكن لم تصرف لنا رواتبنا منذ أشهر عدة. إن كل ما نطلبه هو تسفيرنا إلى بلادنا في عز وكرامة بدل الاحتفاظ بنا سجناء في بلد لا يرغب بنا». وهذه حالات ليست منعزلة، بل هي كثيرة وسط الوافدين خاصة في ظل تجارة التأشيرات التي التجأ إليها بعض المواطنين من أجل الكسب السريع. وهذا النوع من التجارة الذي يمارسه بعض الأفراد والشركات الوهمية قد أضر بسمعة بلادنا كثيرا خاصة في الدول التي تصدر لنا العمالة. ويجب علينا قبل كل شيء أن نعترف بوجود مثل هذا النشاط في بلادنا وأن نوقفه فورا، اليوم وليس غدا حتى لا نسبب مزيدا من الإساءة لبلادنا العزيزة. إنه أمر مؤسف أن نرى عددا من الوافدين في هذه الحال المزرية في بلادنا الكريمة التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين والتي كانت دائما التكأة والملاذ الآمن لكل الناس. وما على وزير العمل إلا أن يقوم بزيارة سريعة إلى مركز ترحيل الوافدين في الشميسي ليرى بأم عينه أن بعضهم يحمل الإقامة النظامية لكن انتهى به المطاف في هذا المركز بسبب سوء معاملة كفيله السعودي، وسيسمع من بعضهم «لا نريد شيئا غير السفر إلى بلادنا». وحتى يتم ترحيلهم إلى بلدانهم يجب التعامل مع الوافدين بما يحفظ كرامتهم ويصون إنسانيتهم. ويجب أن تضع حملة الجوازات المتوقعة في اعتبارها أن بعض المخالفين لم يفعلوا ذلك باختيارهم إنما بعضنا مسؤول مسؤولية كاملة عن هذا الأمر.