اعتاد أهالي مدينة جدة ومنذ سنين طويلة وفي شوارع بعينها المشهد، حيث تنتشر أعداد كبيرة من العمالة وقوفًا أو مفترشين للأرصفة أمام محلات الأدوات الصحية والبويات، على أمل الاسترزاق من خلال أي شخص يطلبهم للقيام بأعمال السباكة والكهرباء أو الدهان. قد يبدو الوصف السابق عاديًا لظاهرة عادية لا غبار عليها لكن المفارقة أن بعض هذه العمالة يأتي للبلاد بإقامة مكتوب في خانة الوظيفة فيها مهنة معينة ك «سائق» مثلًا لكن وبالاتفاق مع الكفيل مقابل مبلغ مادي شهريًا يصبح عاملًا في مهنة أخرى وفي مدينة أخرى قد تبعد عن مدينة الكفيل مئات الكيلو مترات. وفي حين يرجع بعض الخبراء الظاهرة إلى المتاجرة بالتأشيرات وغياب الرقابة، يطالب البعض الاخر بضوابط للعمالة الموسمية وانشاء شركات لتأجير العمالة خاصة وان الاحصاءات تشير إلى ارتفاع المرحلين المخالفين لنظام الإقامة ليصل شهريا إلى قرابة 40 الف مخالف. «المدينة» التقت عددا من هؤلاء العمال واستطلعت أحوالهم وما يعانونه من مشكلات، وحاولت رصد طبيعة العلاقة التي تربطهم مع كفلائهم، وسألتهم عن أسباب قبولهم ببعض الأمور التي يرونها مجحفة في حقهم. 5000 ريال مبلغ سنوى وكانت البداية مع أحمد وهو عامل بناء من إحدى الدول العربية يعيش بين مطرقة إرهاقه بالمبلغ الذي يقتطعه منه الكفيل شهريًا وبين سندان المعاملة السيئة التي يتعرض لها من بعض الذين يطلبونه للعمل ثم يغمطونه حقه في الأجرة على حد قوله. ويبرر أحمد الذي يعمل سباكًا ويعيش في جدة منذ 8 سنوات تحمله لعمليات الاحتيال التي يتعرض لها بأنه غريب ولا يريد الدخول في مشكلات. ويحصل كفيل أحمد والذي يعيش في مدينة بقعاء على 5000 ريال سنويا منه مقابل مصاريف تجديد الإقامة بالإضافة إلى ألفي ريال أخرى كأتعاب نظير توفير العمل له بالمملكة، ويقول أحمد إن دخله الشهري غير ثابت ففيما يبلغ أحيانا ألفين و3 آلاف في الشهر قد يقل عن ذلك كثيرا في بعض الأحيان، ويضيف: «بالرغم من الإجحاف الذي أشعر فيه بسبب كفيلي، إلا أن المعاملة السيئة وأكل حقوقي عن عملي تبقى أصعب على نفسي». أما خالد وهو عامل بناء من إحدى الجنسيات العربية فقد حصل كفيله على 10 آلاف ريال منه مبدئيا مقابل إصدار الإقامة، ومنذ حضوره قبل عام ونصف للعمل في جدة حرا بعد إطلاق كفيله له يعيش في غرفة مع 3 أشخاص آخرين مقابل 3600 ريال سنويا، ويقول أن مصاريف الأكل والمكالمات بالإضافة للخمسة آلاف ريال التي يأخذها منه سنويا كفيله المقيم في عنيزة مقابل تجديد الإقامة لا تترك له الكثير من المال آخر الشهر لإرساله لأسرته. العودة بصورة مخالفة وإذا كان بعض الكفلاء يقتطعون من عرق مكفوليهم مبالغ شهريا يؤدونها إليهم فإن البعض يعيش أوضاعًا أفضل حالا إذ أسعفه الحظ بكفيل لا يرهقه من أمره عسرا ومن هؤلاء محمد الذي حضر من إحدى البلاد العربية للعمل كمزارع في إحدى القرى لعدد من السنين، ثم تركه كفيله لاحقا منذ سنتين للعمل بجدة كعامل بناء حر دون أن يقتطع منه أي مبلغ مادي مقابل ذلك، فهو كما يقول لا يدفع إلا المبلغ الذي يكلفه تجديد الإقامة، ويذهب إلى قرية كفيله من وقت لآخر لمساعدته في زراعة أرضه. ويبدو أن الأوضاع المعيشية الصعبة في إحدى البلاد العربية تجبر بعضا من مواطنيها للعودة إلى المملكة مرة بعد أخرى بطرق غير نظامية رغم تكرار عمليات القبض عليهم من الجوازات وترحيلهم، مفضلين عدم القدوم بطريقة نظامية، ومن هؤلاء عبدالله الذي عاد من بلاده إلى المملكة منذ 8 أشهر بطريقة غير نظامية بعد أن بقى فيها سابقا لمدة سنتين أرهقه فيها الكفيل بطلباته المادية التي يراها بحسب قوله «لا لزوم لها». واضاف: أن لديه 3 أولاد وزوجة ودخله ليس بالكبير حتى يستطيع الاقتطاع من رزقه 200 ريال شهريا لمصلحة الكفيل، بالإضافة ل 6 آلاف أخرى يأخذها منه سنويا بحجة تجديد الإقامة. أما حسن يعمل كهربائيًا فيقول أن الجوازات قامت بترحيله أكثر من مرة إلى بلاده لكنه يعود في كل مرة، مبررا ذلك بالفقر الذي يعاني منه الناس في بلاده، ويقول انه في السابق وخلال وجوده في المملكة منذ 8 سنوات جرب العمل بطريقة نظامية إلا أن طلب الكفيل 10 إلى 15 ألف ريال لإصدار الإقامة بالإضافة لاقتطاع مبلغ شهري حولته إلى جزء من مجتمع العمالة السائبة الذي ينتشر في الطرقات. وزارة العمل لا ترد على أسئلة «المدينة» «المدينة» حاولت الحصول على تصريح من وزارة العمل عن موضوع العمالة السائبة من خلال إدارة العلاقات العامة بالوزارة، وقد طلبت إرسال خطاب عبر الفاكس يحوي جميع استفساراتنا للإجابة عنها، وتم بالفعل إرسال الفاكس قبل أكثر من أسبوع إلا أننا لم نتلق أي رد حتى الآن، وفيما يلي مجموعة الأسئلة التي قمنا بطرحها على وزارة العمل: ما الدور الذي تقوم فيه وزارة العمل للحد من ظاهرة تسريح الكفلاء لعمالتهم من المكفولين دون عمل؟ هل هناك عقوبات على من يثبت عليه القيام بذلك؟ وما هذه العقوبات؟ وكم عدد الغرامات وقيمتها خلال العام الماضي ومنذ بداية العام الحالي؟ وما الأسباب خلف استمرار هذه الظاهرة بالرغم من وجود القوانين التي تمنع تسريح الكفلاء لعمالتهم من المكفولين من دون عمل؟ حمل المتحدث الإعلامي بإدارة الجوازات بمنطقة مكةالمكرمة المقدم محمد الحسين وزارة العمل المسؤولية عن مشكلة العمالة السائبة. وقال أن موضوع العمال الذين يطلقهم كفلائهم للعمل منفردين مقابل أجر مادي شهريا ليس من اختصاص إدارة الجوازات بل وزارة العمل مشيرا إلى أن ادارته من باب التعاون مع الجهات الحكومية الأخرى تقوم بإعلام مكتب العمل بجدة عن أي حالة تصادفها من هذا القبيل. واشار إلى أن نطاق عمل الجوازات يقتصر على مخالفات العمل دون إقامة أو بإقامة منتهية الصلاحية. المتاجرة بالتأشيرات ارجع المهندس عبدالعزيز حنفي الرئيس السابق للجنة المقاولات بالغرفة التجارية بجدة ظاهرة العمالة السائبة إلى متاجرة البعض بالتأشيرات للتربح منها، مضيفا أن وزارة العمل دائما ما تلقي بالمسؤولية على الجوازات رغم تفتيشهم المستمر على الشركات للتأكد من كفالتها لكل العمالة ومطابقة وظائفهم للمهنة التي استقدموا من أجلها. وأكد أن ظاهرة العمالة السائبة تمثل خطورة أمنية قصوى نظرا لارتكاب البعض منهم أعمالًا مخالفة للقانون للحصول على المال من اجل تعويض ما دفعوه إلى المتاجرين بالتأشيرات الذين وعدوهم بأحلام وردية ستتحقق حال وصولهم للعمل بالمملكة، وطالب الجهات المختصة بحل جذري لهذه المشكلة مضيفا أن الردود الدبلوماسية لا تقدم ولا تؤخر. واقترح الإيقاف الفوري للمتاجرة بالتأشيرات، وإنشاء شركات متخصصة لتأجير العمالة، موضحا أن عدم حاجة بعض شركات المقاولات للعمالة لبعض الوقت لطبيعة عملها الموسمية يضطرها لإطلاق عمالتها حتى يتفادوا دفع الرواتب لهم وأشار إلى وجوب التفرقة بين العمالة السائبة والتي تعمل حرة بمعرفة كفيلها، وبين العمالة الهاربة التي تضطرها بعض ظروف العمل السيئة لدى الكفيل للهرب، مشددا على أن المعاملة القاسية والسيئة التي تنتج عن النظرة الفوقية لبعض الكفلاء لمكفوليهم، يجعل الكثير منهم يهربون بحثا عن ظروف عمل أفضل، واشار في ذات الوقت أن بعض العمالة تهرب للحصول على راتب أعلى من بعض المواطنين الذين يدفعون رواتب أعلى للهاربين لعدم تحملهم مصاريف إصدار الإقامة وتذاكر السفر، ولا ثمن إصدار تأشيرات الخروج والعودة التي يتحملها الكفيل النظامي. ويرى الحنفي أن الحلول الخاصة بإنهاء ظاهرة العمالة السائبة تنطبق أيضا على ظاهرة العمالة الهاربة، مع ضرورة قيام الجهات المختصة بنشر التوعية الإسلامية بأن العمالة إخواننا في الإنسانية والدين، وأنهم يستحقون التعاطف منا لأنهم لم يتركوا أوطانهم إلا بحثًا عن «لقمة العيش»، وأنهم لا يحتاجون إلا لتوفير الظروف الجيدة للعمل لهم. قنبلة موقوتة وصف مدير مستشفى الصحة النفسية بجدة د. سهيل خان الشخص الذي يقوم بإحضار عمالة وإطلاقها في السوق دون أن تعمل لديه مقابل أجر مادي شهريا، بالأناني والذي ينطلق من مبدأ أنا ومن بعدي الطوفان، وأضاف أنه يمكن التنبؤ بالسمات النفسية لهذا الشخص ومن ذلك فقدانه لمقومات التعاطف الأسري بسبب طغيان الناحية المادية لديه. وعزا قبول المكفول لدفع مقابل مادي «إتاوة» لكفيله إلى الظروف المعيشية الصعبة في بلده الأم، مما يضطره لدفع «جباية» لمن يفتح له باب الرزق من خلال عمل رسمي في المملكة، محذرا من أن الإحساس بالظلم والذي يشعر به بعض المكفولين يجعلهم كالقنبلة الموقوتة والتي يمكن أن تنفجر في أي لحظة من خلال مخالفة النظام والقانون. وأشار إلى أبرز الأضرار الاجتماعية من وجود هذه الظاهرة، ومنها سلوكيات بعض العمالة المخالفة للأنظمة والقوانين، وفتح باب التنافس غير الشريف بين هذه العمالة السائبة والشركات التي تعمل في نفس المجالات. أكد عضو هيئة كبار العلماء فضيلة الشيخ علي الحكمي أن ما يقوم فيه بعض المواطنين من تشغيل للعمالة في أنشطة وأماكن أخرى غير التي استقدموهم من أجلها حرام شرعا، وارجع ذلك إلى مخالفتهم لما يصدره ولاة الأمر من أنظمة وقوانين، وكذلك حصولهم دون وجه حق على مبالغ مالية شهريا من مكفوليهم. خطر حقيقي ارجع الباحث في الشؤون العمالية والموارد البشرية د. عبدالرحمن بن علي باعشن استقدام العمالة الوافدة إلى عدة اسباب رئيسية إلى الرغبة في إرساء البنى التحتية اللازمة وتذليل كل الصعاب للمواطن لاجتياز المراحل التعليمية واكتساب الخبرات العملية التي تجعله قادرًا على إدارة شؤونه بنفسه. وبعد أن اكتملت البنية التحتية للدولة في فترة وجيزة، تحولت هذه العمالة التي كانت من المفترض أن تكون حالة مؤقتة إلى وضع دائم وقاد إلى استمرار هذا الاختلال الاعتماد شبه الكلي على تلك العمالة بسبب ضعف رواتبها واضاف في دراسة له صدرت مؤخرا: ادت الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها المنطقة بوجه عام بعد ذلك إلى قيام بعض أصحاب الأعمال باستخراج تأشيرات لاستقدام عمالة أجنبية وباعداد كبيرة دون أن يكون لها أي عمل ودعا إلى تكوين فريق عمل يتكون من الجهات ذات العلاقة كالإمارة والجوازات والشرطة ومكتب العمل لوضع تصور وخطط قصيرة وطويلة المدى تتركز بالدرجة الأولى على رفع درجة الوعي والتثقيف لدى المواطن والمقيم، ومن تلك الخطط تخصيص يوم في كل عام لتعميق مفهوم الآثار السلبية لهذه العمالة. والاستفادة من وجود الفضائيات والقنوات التلفزيونية لعرض مشاهد حية عن آثار هذه العمالة وإقناع المواطن بأن هذه العمالة تعد خطرًا حقيقيًا يهدد حياته وأمن بلده، ومخاطبة جهات الاختصاص لوضع آليات جديدة في استقدام العمالة تركز على الأيدي العاملة السعودية بدلًا من استقدام آخرين. العقيل: الحصول على مبلغ شهري من المكفول خيانة وطنية قال عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود بالرياض د. سليمان العقيل ان الحصول على مقابل مادي شهري من العمالة دون عمل يعد خيانة وطنية، مشددا على أنه يصر على هذا الوصف رغم ما قد يبدو للبعض من كبر حجمه نظرا لما تمثله هذه الظاهرة «الخطيرة» من إخلال بأمن الوطن من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والأمنية. ونعت المواطن الذي يقوم بالاسترزاق من عرق الآخرين بأنه لا يستحق وصف إنسان عليه، مضيفا أنه ليس من المقبول أن يعمل الآخرون بينما يحصل هو على نصيب يستقطعه من جهودهم شهريًا دون بذل أي مجهود مقدما مصلحته على مصلحة الوطن، وطالب الجهات الأمنية بإيقاع عقوبات رادعة بحق من يقومون بذلك والتشهير بهم بوسائل الإعلام حتى يكونوا عبرة لغيرهم مما يساهم في القضاء على هذه الظاهرة السلبية، وطالب وسائل الإعلام بتكثيف الضوء على هذا الموضوع وعدم إهماله لما يترتب عليه من أضرار تلحق بالمجتمع. وعن الأضرار الاجتماعية لهذه الظاهرة قال العقيل ان خير دليل عليها هو اللجوء إلى إحصائيات وزارة الداخلية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتساءل: كم مصنعًا للخمور وكم وكرًا للأعمال المنافية تديره هذه العمالة وليس كلها بالطبع والكفيل لا يدري عنها شيئا لأنه غير مهتم إلا بالمقابل المادي الذي يحصل عليه، بالإضافة لقضايا النصب والاحتيال وتبييض الأموال التي يقوم فيها البعض من هذه الفئة نظرا لغياب رقابة الكفلاء. وكرر العقيل مطالبته للجهات الأمنية بتوقيع أقصى العقوبات والتشهير بالمواطنين الذين يقفون خلف هذه الظاهرة، مستشهدا بظاهرة عمل الخادمات المخالفات لنظام الإقامة في بيوت الكثير من المواطنين رغم عدم قانونيته، ودلل على صحة ما ذهب اليه من وجهة نظره بنظام ساهر الذى ادى إلى تراجع الحوادث رغم الاعتراضات التي تزامنت مع بدء تطبيقه». مركز القيادة والسيطرة: ترحيل 103 الاف مخالفين لنظام الإقامة خلال 3 شهور كشفت احصائية لمركز القيادة والسيطرة والتحكم بالرياض عن ترحيل 103158 مخالفا لنظام الإقامة والعمل خلال 3 شهور. واشارت الاحصائية المنشورة على موقع المركز إلى أن اجمالي عدد المرحلين في شهر شعبان الماضي بلغ 38703 مخالفين وفي رجب 30504 مخالفين وفي جمادى الآخرة 34311 مخالفا. وزارة الداخلية: السجن والغرامة لكفلاء العمالة السائبة وفقا للعقوبات المعلنة على موقع وزارة الداخلية عبر الانترنت فإن صاحب العمل الذي يترك عمّاله يعملون لحسابهم الخاص أو مقابل مبالغ مالية يدفعونها له يعاقب بغرامة مقدارها خمسة آلاف ريال وبالسجن لمدة شهر، وفي المرة الثانية بغرامة مالية عشرون ألف ريال وبالسجن لمدة شهرين، وفي المرة الثالثة بغرامة خمسين ألف ريال وبالسجن لمدة ثلاثة شهور. وفي جميع الأحوال تتعدد الغرامة بعدد العمال الذين وقعت المخالفة بشأنهم. ويرحل الوافد المخالف على حسابه. كما يتم الحرمان من الاستقدام لغرض العمل لمدة لا تقل عن سنة في المرة الأولى، وفي المرة الثانية لمدة سنتين، وفي المرة الثالثة لمدة ثلاث سنوات. كما تحال نسخة من القرار الإداري لقيادة الدوريات للتحقق من أوضاع المنشأة.