الاقتصادية - السعودية تخلت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" في اجتماعها الأخير عن دورها التقليدي في الدفاع عن أسعار النفط. وكانت هذه الخطوة متعمدة وهدفت إلى إحداث هزة عميقة في أسواق النفط، التي كانت تعاني أصلا من تراجع قوي في الأسعار. وقد تسببت القرارات الأخيرة لمنظمة أوبك في تعميق جراح الأسواق النفطية وتراجعت الأسعار أو ستتراجع بنسب قد تصل إلى نحو 50 في المائة. وتسبب التراجع القوي لأسعار النفط في إحداث ارتدادات قوية في الأسواق العالمية، البعض منها سلبي والآخر إيجابي. وتركزت التراجعات السلبية على منتجي النفط وأهمهم أعضاء المنظمة. وأدت التراجعات القوية في أسعار النفط إلى إحداث تأثيرات نفسية في الفاعلين في اقتصادات الدول الخليجية، وتراجع واضح في ثقة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء. وقد ظهر هذا واضحا على أسواق المال الخليجية التي فقدت الزخم الذي كان سائدا قبل تراجع أسعار النفط. وكانت قيمة مؤشر تداول في المملكة قد كسبت نحو 73 في المائة خلال آخر موجة ارتفاع، التي بدأت مع نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 ووصلت قمتها في بداية أيلول (سبتمبر) 2014. وبدأ التراجع في السوق المالية يتزامن مع التراجع التدريجي في أسعار النفط، ولكنه احتد بعد قرارات المنظمة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي والتي لم يتوقف تأثيرها في أسواق النفط ولكنه امتد إلى أسواق المال في أسواق الدول المصدرة للنفط والدول التي تعتمد بشكل كبير على هذه الاقتصادات. وقد تراجع مؤشر تداول في المملكة خلال الفترة الممتدة بين آخر قمة بلغها في التاسع من أيلول (سبتمبر) ويوم الثلاثاء الموافق 16 كانون الأول (ديسمبر) 2014 بأكثر من 34 في المائة. فهل كان هذا التراجع راجعا كلية إلى تدهور أسواق النفط فقط أم إلى وجود أسباب أخرى؟ ولا يمكن إنكار ما للنفط من أهمية وتأثير في الاقتصادات الخليجية، فهي في المقام الأول اقتصادات ريعية قائمة على النفط وهو الذي يمول الحكومات بالإيرادات للإنفاق على خدماتها ومشاريع التنمية التي تحرك أنشطة القطاع الخاص. ولهذا فإن تراجع أسعار النفط من الناحية المنطقية يتسبب في تراجع الإيرادات الحكومية التي ينفق منها لتنشيط الاقتصاد. وستضطر الحكومات لخفض نفقاتها إذا تراجعت أسعار النفط لفترة طويلة، أما إذا كان التراجع مؤقتا أو محدودا فإن تأثيره سيكون محدودا وستستمر الحكومات في أنشطتها كالمعتاد. ومن المستغرب خلال فترة التراجع أن الإدارات المعنية بالتطورات النفطية والاقتصادية والمالية لم تسارع بطمأنة الفاعلين في الاقتصاد المحلي بسلامة الاقتصاد الوطني وقدرته على تجاوز فترة تراجع أسعار النفط الحاد، ولم توضح هذه الإدارات خططها خلال هذه الفترة ولم تصدر أي بيانات أو تقارير علمية رزينة تظهر قدرة الاقتصاد الوطني على الاستمرار في تقديم المستويات المعهودة من الخدمات الحكومية وتنفيذ مشاريع التنمية. وتحتاج هذه الإدارات إلى مراكز أبحاث متمكنة تستطيع إيضاح الحقائق ووضع التصورات والخيارات المستقبلية للقطاعات الاقتصادية المختلفة عند بروز التحديات التي تؤثر في الاقتصاد الوطني. ويقود الصمت في أوقات الأزمات إلى مزيد من فقدان الثقة بين الناس، لأن الكثير يعتقدون أن الصمت دليل على أن الأزمة حقيقية وأن المسؤولين غير قادرين على اتخاذ قرارات أو لا يدركون حقيقة الأوضاع. وقد ساعدت تصريحات وزير المالية الأخيرة بشأن السياسة المالية في وقف نزيف السوق المالية، وتحتاج مثل هذه التصريحات إلى بيانات وتقارير فنية علمية واضحة وشفافة لإقناع الأسواق بالخطط والبرامج المعتمدة وإعادة واستدامة الثقة لدى المستثمرين والمستهلكين في آن واحد. وترتفع أهمية ثقة المستثمرين والمستهلكين في تحفيز النشاط والنمو الاقتصادي وإيجاد المزيد من الوظائف في الاقتصاد. وهنا ينبغي التأكيد على أن تراجع أسعار النفط ليس السبب الوحيد وراء تراجع أسعار الأسهم، حيث يوجد العديد من الأسباب التي ساهمت في تأرجح سوق الأسهم وارتفاع أسهم الكثير من الشركات الخاسرة أو سيئة الأداء وتراجع أسعار العديد من الشركات الجيدة. ومن أبرز تلك الأسباب هيكلة سوق الأسهم ونوعية المتداولين. فمعظم المتداولين في سوق الأسهم مضاربون يسعون للحصول على الربح السريع ولا يعيرون أساسيات الاستثمار أهمية كبيرة. وقد انهارت سوق الأسهم في عام 2006 بسبب الميول المرتفعة للمضاربة وبسبب وجود مقامرين يقودون سوق الأسهم ويتلاعبون بها بشكل واضح وحققوا الكثير من المكاسب وخرجوا بدون خوف من عقاب ولا ملاحقة. وقد قاد هذا التلاعب إلى صعود قوي غير مبرر قبل انهيار سوق الأسهم في عام 2006. وقد مهد الارتفاع الكبير في ذلك الوقت للانهيار الذي تلاه. وهناك إشاعات بوجود موجهين لبعض الأسهم تسببوا في الارتفاعات الكبيرة خلال الفترة الأخيرة، وقد وجد بعض هؤلاء فرصة سانحة بتراجع أسعار النفط وخسفوا بالكثير من الأسهم من مستويات مرتفعة لكي يعاودوا الصعود بها مرة أخرى. وقد ساعدت السياسة النقدية المتساهلة والناتجة عن التيسير الكمي الأمريكي في خفض معدلات الفائدة التي خفضت تكاليف المضاربة ويسرت على المضاربين العودة إلى سوق الأسهم.