د. صالح السلطان الاقتصادية - السعودية أعلنت لجنة السوق المفتوحة في الاحتياطي الأمريكي "الفد" الأربعاء الماضي 29 أكتوبر وبأغلبية ساحقة عن انتهاء ما يعبر عنه بالتسهيل الكمي 3 quantitative easing QE، والذي سبقه التسهيلان الأول والثاني إثر الأزمة المالية العالمية قبل نحو ست سنوات. وللعلم لجنة السوق المفتوحة هي صاحبة النفوذ الأكبر على عرض النقود (القدر المتاح منها في أيدي الناس) وأسعار الفائدة في العالم. الإعلان جاء بعد ظهور مؤشرات في تحسن الاقتصاد الأمريكي، منها انخفاض ملحوظ في معدل البطالة، فهي الآن دون المعدل عند بداية الأزمة المالية الاقتصادية العالمية. قاد عمليات التسهيل الكمي برنانكي رئيس "الفد" السابق، وهو مختص اقتصادي بارز، حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد. ويعتبر كثيرون أن ذلك كان من حسن حظ دولته أمريكا، لأنه تلميذ الكساد العظيم في عقد الثلاثينات من القرن الميلادي الماضي. التسهيل الكمي عبارة ملطفة لسياسة نقدية تقوم على تحويل النحاس إلى ذهب. كيف؟ زيادة العرض النقدي عبر شراء البنك المركزي (من النقود التي يملك حق إصدارها أي صناعتها) سندات الحكومة من المصارف، ما يزيد من مقدرة الأخيرة على الإقراض (بفائدة طبعا)، ومن ثم حفز الاقتصاد. ويمكن النظر إلى التسهيل الكمي على أنه صورة إلكترونية من طبع النقود. ويصار إلى التسهيل النقدي عندما تفشل السياسة النقدية التقليدية (كخفض سعر الفائدة) في حفز الاقتصاد. عندما تستدين الحكومة لتسديد ديون مستحقة، فإن العملية غير قابلة للاستمرار إلى ما لا نهاية. وحتى تخرج الحكومة من هذه الورطة، عليها إما أن تزيد من الضرائب ونحوها أو تجني المزيد من الأموال عبر فرض أسعار على خدمات وسلع كانت مجانية، أو تخفض الإنفاق أو تبيع بعض ممتلكاتها أو تبادل سندات ديون بنقود إصدار مزيد من العملة، كما سبق شرحه في الفقرة السابقة. التسهيل الكمي عمل على خفض أسعار الفائدة نتيجة لشراء السندات الحكومية. ودافع المدافعون عن خفض أو تخفيض أسعار الفائدة بأنها جعلت تكلفة المنازل على الناس أقل، وحفزت على الاستثمار وزيادة الإنفاق الاستهلاكي. لكن هناك الجانب الآخر، وقد رأيناه. إضافة تريليونات من الدولارات المصنوعة إلى الاقتصاد أضعف الدولار، ورفع أسعار السلع الخام كالنفط، ورفع أسعار الأسهم. تلك الآثار، تعني أن عكسها يحصل عند حصول العكس، وهو انتهاء برنامج التيسير الكمي 3. وقد بدأنا نرى آثار هذا العكس، ومن أهمه أن الدولار في ارتفاع وأن أسعار النفط في انخفاض. كما أن التوقع في انخفاض معدلات التضخم في دولة الدولار. لكن انخفاضه دون الهدف فيه ضرر، وفيه تأثير سلبي في مصداقية "الفد". وقد صرح بذلك علانية ناريانا، عضو لجنة السوق المفتوحة في "الفد". ذلك لأن التضخم ليس كله شرا، حيث ينظر إلى قدر قليل من التضخم على أن له تأثيرات إيجابية في الاقتصاد. أحد الأسباب أنه ينظر إليه على أنه ضغط خطر كامن، يعمل على تآكل قيمة النقود، ما يعطي حافزا لأصحاب المدخرات لاستثمارها، بدلا من مشاهدتها تتآكل. ماذا بشأننا نحن الخليجيين؟ توقف التيسير الكمي يعني ارتفاع الدولار، مما يؤدي (دون تجاهل تأثير عوامل أخرى) إلى انخفاض أسعار النفط. ومن أسباب تأثيره هذا أنه يؤدي إلى خفض تكاليف إنتاج النفط. يرى كثيرون أن ارتفاع الدولار كثيرا هو أكبر خطر على سوق النفط. تطول تأثيرات ارتفاع الدولار قطاعات كثيرة، كالسياحة الداخلية وصناعة البتروكيماويات، حيث سيجعلها أعلى تكلفة. كما أنه سيضر أسواق الأسهم الخليجية. ارتفاع الدولار مع ثبات سعر صرفه بالعملات الخليجية كالريال يعني ارتفاع سعر صرف الريال تجاه عملات كثيرة، مما يعطي مزيد تحفيز للآخرين للعمل في الخليج، حسب الأجور السائدة حاليا. بالمقابل، قد تأتي مطالبات بخفض قيمة الريال تجاه الدولار، عكس مطالبات أثيرت في السنوات الماضية برفع قيمة الريال. هل سينخفض التضخم في الخليج نتيجة ارتفاع الدولار؟ لا أتوقع ذلك بصورة ملموسة، ذلك أن دراسات عديدة أثبتت أن التضخم المستورد من بلاد المنشأ أقوى من التضخم المستورد بسبب سعر الصرف. راجعوا، مثلا، (بالإنجليزية، وحتى لا يزعم أن هذا رأي اقتصاديين سعوديين فقط)، ورقة العمل ذات العنوان Understanding the Inflation Process in the GCC Region: The Case of Saudi Arabia and Kuwait يونيو 2008. ودراسة أخرى بعنوان Determinants of Inflation in GCC أبريل 2009. أشارت كلتا الورقتين التطبيقيتين إلى وجود مساهمة ذات أهمية لما يسمى انتقال التضخم خلال سعر الصرف، ولكن هذه المساهمة أقل أهمية من التضخم في الشركاء التجاريين، الذي يعد المحرك الأهم للتضخم على المدى البعيد بين بلدين.