في إحدى جلسات منتدى جدة الاقتصادي المنعقد في فبراير 2008، دعا (الدكتور) ألن قرينسبان الرئيس السابق لمجلس محافظي الاحتياطي الاتحادي (الفدرالي) الأمريكي، إلى فك الارتباط بالدولار، وتعويم (تحرير) عملات مجلس التعاون الخليجي، على المدى القصير، للتخفيف من حدة التضخم، فيما خالف دعوته في الجلسة نفسها نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي ساما (الدكتور) محمد الجاسر. وبغض النظر عن منزلة وما قاله قرينسبان، تقتضي الموضوعية ألا ننسى أن قدراته وخبراته واهتماماته بعيدة عن الاقتصادات النفطية أو الاقتصادات الناشئة، وبالأخص فيما يتصل بالسياسات النقدية لهذه الاقتصادات. معروف أن دول مجلس التعاون الخليجي تتبع سياسة نقدية قائمة على تثبيت fixing صارم لسعر الصرف، بعملة أو مجموعة عملات. وقد مكن هذا التثبيت، أو ما يسمى أحيانا بالربط peg، وغالبا بالدولار، اقتصادات الخليج من استيراد السياسة النقدية لأمريكا المستقرة نسبيا فترة طويلة من الزمن. إلا أنه مع تغير الظروف باستمرار انخفاض الدولار، وارتفاع دخول دول المجلس نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ومرور دول المجلس بموجة ازدهار اقتصادي قوي، مصحوبة بموجة تضخم لم تشهد منذ طفرة السبعينات، ترتفع الأصوات لتعديل سياسة ونظام الصرف الحالي، على نحو يساعد على كبح جماح التضخم. لكن ما طبيعة التعديل في نظام سعر الصرف الحالي؟ هذه المقالة تركز على فهم أبعاد المشكلة، وليس تبني نظام صرف بعينه، وبالمناسبة هناك ما يقارب تسعة أو عشرة أنظمة صرف تتفاوت بين أعلى درجة من التعويم إلى أعلى درجة من التثبيت، كما هو الوضع في المملكة العربية السعودية. من المهم الانتباه إلى وجود فروقات بين دول المجلس في مدى تأثرها من انخفاض الدولار، وفي اعتماد اقتصاداتها على إيرادات صادرات النفط (حيثما وردت هذه الكلمة فالمقصود النفط والغاز معا)، وكلما قل هذا الاعتماد، كلما خفت مواجهة الدولة الخليجية لمعضلة أسعار الصرف في الاقتصاد النفطي، وهي معضلة تفهم في إطار فهم خصائص الاقتصاد النفطي كما سأوضح لاحقا. وإذا أخذنا هذه الدول مجتمعة كاقتصاد واحد فسنجد سيطرة مورد النفط واضحة، سواء بنسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، أو بنسبة مساهمته في الإيرادات العامة. يبدو أن سلبيات التثبيت الصارم لعملات دول الخليج تطغى على إيجابياته الحقيقة أنه ما من سياسة اقتصادية إلا ولها آثار مرغوب بها وآثار غير مرغوب بها، وقوة الآثار تتغير بتغير الزمان أو المكان. وطبيعة المناقشة في علم الاقتصاد تتطلب النظر إلى كلا الأمرين، ولذا كان علم الاقتصاد غير محبب، بل ينظر إليه على أنه علم كئيب. وهذا مفهوم، فقد خلق الله الإنسان عجولا، ونحن البشر نحب الدنيا ومتاعها، نميل إلى الأنانية، ونركز في الرؤية على ما يتوافق مع رغباتنا، ولا نحب رؤية الأمور على خلاف ما تشتهي النفوس. تهدف البنوك المركزية الخليجية إجمالا إلى استقرار سعر الصرف واستقرار مستوى الأسعار. وهناك أهداف أخرى غير مباشرة كتحقيق النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل. المشكلة هنا أن تحقيق هدف بعينه له ثمن، ولا يمكن تحقيق الأهداف معا. مثلا لا يمكن الجمع بين استقرار سعر الصرف الاسمي واستقرار مستوى الأسعار. حاليا، تتسبب سياسة استقرار أسعار الصرف إزاء عملة متدهورة (الدولار) إلى جلب قدر من التضخم. وقدرة البنوك المركزية على استخدام سياسات نقدية للحد من التضخم محدودة جدا تحت سياسة التثبيت الصارمة. الأنظمة النقدية في دول الخليج اختارت منذ سنين طويلة التثبيت الصارم، والذي كان عادة بالدولار، وهذا الاختيار مكن اقتصادات الخليج من استيراد السياسة النقدية لأمريكا المستقرة نسبيا. يقال الكلام نفسه في حال التثبيت بعملة أو مجموعة عملات دول أخرى تتصف سياساتها النقدية بالاستقرار. ولا أجد حاجة إلى عرض محاسن التثبيت فقد كتب عنها الكثير. ويحمل التثبيت مفارقة، أن الدول المصدرة للنفط تستورد السياسات النقدية للدولة المستوردة له. ولكن الحصول على سعر صرف مستقر عبر هذه السنين لم يأت بدون ثمن باهظ. مثلا، كما ينظر الآن إلى أن الريال مسعر إزاء الدولار بأقل من قيمته اعتمادا على الظروف السائدة، فإننا، وتبعا للمنهجية نفسها، نقول بأن الريال كان مسعرا بأعلى من قيمته التي تعكسها ظروف انخفاض أسعار النفط وارتفاع أسعار الدولار إبان عقد التسعينات مثلا. وحتى عندما خفضت السلطات النقدية السعودية سعر الصرف عام 1986، من 0.29إلى 0.27دولار تقريبا للريال ( 3.5إلى 3.75ريالات للدولار) فالتخفيض يبدو أقل من اللازم، مقارنة أولا بالرفع السابق في أواسط عقد السبعينات من نحو 0.22إلى 0.29دولار للريال، ( 4.5إلى 3.5ريالات للدولار تقريبا)، ومقارنة ثانيا بالتدهور الشديد الذي حصل لأسعار النفط آنذاك، وتبعات ذلك على الاقتصاد السعودي. هل التسعير يتطلب التثبيت بنفس العملة؟ أقوى مناقشة، حسب علمي، تدافع عن استمرار دول الخليج في تثبيت عملاتها بالدولار أن النفط مسعر بالدولار. والتثبيت بالدولار يسهل المواءمة أو المطابقة بين إيرادات الحكومة المقوم غالبها بالدولار، والعملة المحلية كالريال. لكن هذه الحجة تتجاهل التذبذب الحاد في أسعار النفط، مما يلغي عمليا فائدة المطابقة، بمعنى أن التثبيت لا يساعد على تخفيف تذبذب الإيرادات من النفط، بل يحصل العكس، حيث يزيد من حدة تذبذب إيرادات الحكومة ومشكلات المالية العامة. فمثلا، المحافظة على استقرار سعر الصرف حينما كانت أسعار النفط متدنية رغم أنها ساهمت في زيادة القوة الشرائية للريال، وانخفاض التضخم آنذاك، إلا أنها ساهمت أيضا في انخفاض الإيرادات النفطية الحكومية بالريال، ومن ثم خفض الإنفاق الحكومي، وخاصة على المشاريع وصناديق التنمية. ونحن نعايش أزمات اقتصادية أحد أسبابها خفض الإنفاق الاستثماري الحكومي خلال العقد الماضي. والخلاصة أن الاقتصاد النفطي يدفع سعرا باهظا للمحافظة على استقرار سعر الصرف. كانت هذه النقطة موضع بحث ودراسة بعض الجهات الأكاديمية والبحثية، انظر مثلا: Exchange Rate Regimes. Inflation and Growth in Developing Countries - An Assessment. The B.E. Journal of Macroeconomics. 2007. والذي حلل قياسيا (باستخدام أدوات الاقتصاد القياسي للسلاسل الزمنية) الفترة من 1984إلى 2001، وخلص إلى أن التثبيت الصارم تميز عن أنظمة أسعار الصرف الأخرى بمعدلات تضخم أقل وفي الوقت نفسه معدل نمو اقتصادي أقل. كما أنه يمكن مناقشة تلك الحجة بكون التسعير بالدولار لا يجبر الدول على استلام عائداتها بالدولار. تماما كما أن سابك تسعر منتجاتها بالريال، إلا أنه يمكن لها أن تستلم القيمة من بعض أو كل عملائها غير المحليين بعملات غير الريال. ويبقى الريال مجرد وحدة قياس. وهنا أذكر بأن من وظائف النقود استخدامها وحدة قياس، مثلما نقيس مثلا الأطوال بوحدة طولية كالمتر. وعلى هذا نفهم أن المشكلة تكمن في وقوع اختلاف مصالح وتباين ظروف بين دول العملات المتبوعة (كالدولار)، والعملات التابعة (كالريال). كلما اتسع الخلاف في المصالح وازداد تباين الظروف، كلما زادت التكلفة على دول العملات التابعة، وهذا ما يحصل في السنوات الأخيرة، وحدة التكلفة تزداد مع مرور الأيام. وتتسبب الصدمات الاقتصادية كارتفاع أسعار النفط وانخفاض الدولار غالبا في تغيير الظروف. وهنا أشير إلى أن التحليل الاقتصادي النظري والقياسي، يفرق بين تأثير الصدمة المؤقتة وتأثير الصدمة الدائمة. وهذا ما يتفق مع سلوكيات البشر التي نراها يوميا. مثلا، هل الأسعار الحالية للنفط مؤقتة؟ هل تنخفض أو ترتفع الأسعار خلال السنوات القليلة القادمة بنسبة عالية، مثلا 50%؟ أم تبقى في حدود 100دولار؟ هناك ألف عامل وعامل مؤثر، ولا أحد لديه القدرة على التنبؤ بحركة هذه العوامل بثقة عالية. لو توقعنا أن الحكومة الأمريكية لن تتدخل لوقف تدهور الدولار، فإننا نتوقع أيضا أنه سيتدهور إلى أن ينخفض العجز في الحساب الجاري الأمريكي، مصدر الاختلال الأكبر، إلى مستويات تحت التحكم. حسنا، لو أوقفت دول الخليج التثبيت بالدولار، وانتقلت إلى عملة أو عملات أخرى، فإن المتوقع أن هذا حل قصير المدى. ولنا أن نسأل: وماذا بعد ترك الدولار؟ قد تتحسن قيمة الدولار بعد فترة، كما حدث ذلك في العقد الماضي. كم تبلغ مساهمة انخفاض الدولار في موجة التضخم الحالية؟ هل التثبيت باليورو أنسب من التثبيت بالدولار؟ تصعب الإجابة على هذه الأسئلة وأمثالها بالتحليل النظري فقط، بل لابد أن تسند بعمل قياسي empirical work. وقد لا يعطي نتائج موحدة لكل دول الخليج، فمثلا، توصلت دراسة تقنية قياسية، نشرت في يناير 2008، وعنوانها: In The Middle of the Heat: The GCC countries Between Rising Oil Prices and the Sliding Greenback. إلى أنه لا فرق بين التثبيت بالدولار أو اليورو للكويت أو البحرين، بينما التثبيت بالدولار أسوأ من التثبيت باليورو بالنسبة للسعودية والإمارات وعمان. وتوصلت الدراسة ايضا إلى أن مشكلة دول مجلس التعاون ليست في أية عملة أو سلة عملات يجري التثبيت، ولكن عن ترتيبات التثبيت. تقلب أسعار النفط ومشكلة إدارة أسعار الصرف يتميز النفط اقتصاديا بمروره بدورات حادة من التقلبات في الأسعار. وهناك خصائص موجودة في دول كدول مجلس التعاون، وأهمها أنه مملوك للحكومة، وأن اقتصاداتها تغلب عليه صفة الريع أي الحصول على الدخل دون أن يكون للعمل فضل. وجود تلك الدورات الحادة في أسعار وإيرادات مورد غير متجدد، يعتمد عليه الاقتصاد عامة، والإيرادات الحكومية خاصة، يتسبب في وجود صعوبات ومتاعب كبيرة في سياسات إدارة سعر الصرف، وخاصة على المدى البعيد. ذلك أن هذه الظروف تؤثر على حركة سعر الصرف الحقيقي. واستقرار سعر الصرف الحقيقي له دور محوري في استقرار الاقتصاد وفي النمو الاقتصادي، نظرا لتعلقه بحركة رأس المال مع العالم الخارجي والمزايا النسبية في التجارة الدولية، وخاصة على المدى البعيد. وباختصار ينظر إلى سعر الصرف الحقيقي على أنه مقياس للتنافسية، ولذا يتطلب رسم السياسات الاقتصادية الكلية واستراتيجيات التنمية في الدول النامية النظر بدرجة أكبر إلى سعر الصرف الحقيقي. وللفائدة، سعر الصرف الحقيقي هو السعر الذي يقيس أسعار سلع وخدمات في دولة بالنسبة للأسعار في دولة أخرى، أو مجموعة من الدول، وفي هذه الحالة يسمى سعر الصرف الحقيقي الفعال real effective exchange rate REER . ولذا يتكون سعر الصرف الحقيقي من جزئين: الأول سعر الصرف الاسمي، كالقول بأن الريال يساوي 0.27دولارا ( 27سنتا) تقريبا، أو كذا من اليورو، والثاني السعر النسبي بين دولتين (سلة أسعار في دولة مقسومة على سلة أٍسعار في دولة أو مجموعة دول أخرى)، وتوجد طرق كثيرة للتعبير عن السعر النسبي. وقد أشارت عدة أبحاث منها البحثان التاليان الصادران حديثا: The GCC countries Between Rising Oil Prices and the Sliding Greenback W A Razzak Department of Labor - New Zealand and Arab Planning Institute - Kuwait 2007 Methodology of CGER Exchange Rate Assessments Lee Milesi-Ferretti and Ricci 2007 ....2....1.أشارت إلى أن كل زيادة في أسعار النفط الحقيقية (أي المعدلة بحيث يراعى فيها نسب التضخم) يقابلها زيادة في اسعار الصرف الحقيقية لعملات الدول المصدرة للنفط، وهذا ما يتفق مع نظرية أو فكرة القوة الشرائية Purchase Power Parity (PPP). وتتفاوت الأبحاث في تقدير تأثير زيادة أسعار النفط على أسعار الصرف الحقيقية. لكن من المهم الإشارة إلى أن انخفاض الدولار قد ساهم في كبح جماح ارتفاع سعر الصرف الحقيقي خلال الطفرة الحالية مقارنة بارتفاعه سابقا، بل ربما رأى البعض أن المحصلة أن سعر الصرف الحقيقي للريال قد انخفض. النفط والمرض الهولندي والتضخم المحلي ارتفاع الصادرات يضغط على أسعار الصرف الحقيقية للارتفاع، ولكن مع تثبيت سعر الصرف تثبيتا تاما كحالة الريال، فإن تلك الضغوط لارتفاع أسعار الصرف الحقيقية تتركز على الأسعار النسبية بين الدول، بأن ترتفع أسعار ما لا يقبل الاستيراد بصورة أكبر من ارتفاع أسعار ما يقبل الاستيراد، لأن المنافسة في هذه الأخيرة أقوى، ولذا تميل معدلات الربح إلى أن تكون في الغالب أعلى في الأولى (ما لا يقبل الاستيراد). وطبعا هذا تضخم غير مستورد. ارتفاع سعر الصرف الحقيقي يقلل من تنافسية الاقتصاد المحلي، وهذا أحد أوجه ما يسمى المرض الهولندي، Dutch disease، ويتخذ أكثر من صورة. وبالنسبة للاقتصادات الخليجية، يمكن أن نقول عنه بعبارة مبسطة جدا أن صادرات الموارد الطبيعية تتيح الحصول على النقد الأجنبي بسهولة، بدون تطوير القطاعات الاقتصادية للسلع والخدمات التي يمكن أن تدخل في التجارة الدولية (تستورد أو تصدر)، ومن ثم يتركز الاستثمار والنشاط الاقتصادي في قطاعين كبيرين: قطاع الموارد الطبيعية، وقطاع الخدمات التي لا يمكن أو يصعب منافستها من الخارج (لا تقبل المتاجرة دوليا)، سعر الصرف وتنويع مصادر الدخل من معضلات سعر الصرف للدول الناهضة اقتصاديا انها حين تتطلع إلى نمو اقتصادي راسخ، فهذا يتطلب قدرات تنافسية خاصة مع الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. ويعزز القدرات التنافسية كون العملة مقومة بأقل من قيمتها كما هو حال عملات دول الخليج الآن، ولذا لا يصب هذا الانخفاض في مصلحة تجار الاستيراد. استهداف النمو الاقتصادي بعملة رخيصة نسبيا سياسة سارت عليها الصين وسارت عليها دول كثيرة، وهي سياسة قريبة من أن تكون ضرورية لنمو وتنويع مصادر الدخل، ولاكتساب القوة التنافسية في قطاعات السلع والخدمات القابلة لأن تستورد، خاصة مع شدة الاعتماد على الاستيراد، حتى ما لا يصعب إنتاجه محليا. ولكن قد لا تستغل هذه التنافسية كما ينبغي، كأن توجد مشكلات تسويقية، أو تكتلات احتكارية محلية، أو مع استمرار وجود عوائق أمام الاستثمار، مثل نقص الأراضي الصناعية المطورة، كما هو حاصل في المملكة حاليا. وباختصار، سعر الصرف المنخفض نسبيا عامل مهم للحصول على قوة تنافسية في مساعي نمو وتنويع مصادر الدخل لدول مثل السعودية، ولكنه ليس العامل الوحيد. من الصعب استمرار سياسة سعر صرف منخفض كثيرا، لاقترانه بالتضخم، الذي صار مشكلة مؤرقة، وهناك نمو الصادرات والنمو الاقتصادي اللذان يضغطان باتجاه رفع سعر الصرف الاسمي والحقيقي. وفي الوقت نفسه، الأخذ بخيار التعويم ثمنه باهظ بالنظر إلى درجة الانكشاف العالية في التجارة الدولية لكل دولة من دول مجلس التعاون، مقرونة بكون اقتصاد كل دولة ليس كبيرا بما فيه الكفاية. ضبط نمو الانفاق الحكومي الحاد بإمكان حكومات دول مجلس التعاون الخليجي التأثير على سعر الصرف الحقيقي ليس فقط عبر سعر الصرف الاسمي، بل أيضا عبر وزارات المالية (السياسات المالية) لضبط توسع الانفاق الحكومي، وإلا فإن نمو الانفاق الحكومي نموا حادا يزيد التضخم الذي يسير في اتجاه معاكس مع تنافسية سعر صرف العملة، وهذا خلاف تضرر الناس من هذا التضخم. وهذه هي السياسة التي طبقتها النرويج، فقد لجأت السلطات النرويجية إلى عزل الدخل النفطي الناتج من ارتفاع أسعار النفط، واعتباره دخلا فائضا، واستثماره عبر صندوق استقرار stabilization fund، مما ساعد على التحكم في معدلات التضخم المحلية، وتقليل آثار المرض الهولندي على الاقتصاد. والذين يهمشون تأثير النمو الحاد في الانفاق الحكومي لدول الخليج على معدلات التضخم، يبدو أنهم يجهلون أو يتجاهلون أساسيات نشوء التضخم، ودلالة البيانات. ومن يرغب التوسع في فهم التضخم، فله الرجوع إلى مقالاتي الطويلة التي نشرتها جريدة الرياض في 13و 14و 17و 26يناير 2008.وللمقارنة، تضاعف تقريبا الانفاق الحكومي في السعودية (على سبيل المثال) خلال السنوات الأربع الماضية، بينما كان النمو الحقيقي في الاقتصاد أقل من ذلك بأربع مرات تقريبا للفترة نفسها. وخلال هذه الفترة، كانت معدلات التضخم في أهم الدول المصدرة لدول الخليج أقل بوضوح من المعدلات المحققة في دول الخليج، وكانت نسبة انخفاض الدولار أمام العملات الآسيوية الرئيسية صغيرة، لا تزيد عن أرقام آحاد. اما انخفاض الدولار مقابل اليورو والجنيه الاسترليني فرغم أنه كبير، لكنه بدأ قبل نحو 8سنوات، وكان الانخفاض متدرجا خلال هذه السنين. والخلاصة الأولية أن تأثير النمو الحاد في الانفاق (الحكومي والخاص) أقوى من تأثير العوامل الخارجية على التضخم الحاصل خلال العامين الماضيين في دول الخليج. هل من آراء أخرى لمشكلة التغير غير المرغوب فيه في أسعار الصرف الحقيقية؟ دعا الباحث الزميل براد ستر Brad Setser، دول مجلس التعاون إلى اتخاذ سعر صرف يتسم بقدر من المرونة، بعد أن ناقش عيوب النظام الحالي. انظر، مثلا، دراسته: The Case for Exchange Rate Flexibility in Oil-Exporting Economies. November 2007. وقد سبقه البروفسور فرانكل Frankel (أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد)، الذي طور نظام سعر صرف جديد، سمي ربط سعر الصادرات أو ربط السعر التصديري peg export price (PEP). أنظر، على سبيل المثال: Peg the Export Price Index: A Proposed Monetary Regime for Small Countries. Journal of Policy Modeling. June 2005. الاقتراح موجه للدول المعتمدة اقتصاداتها كثيرا على انتاج سلعة أولية سواء معدنية أو زراعية. وذلك بتثبيت قيمة العملة المحلية بسعر السلعة. مثلا، يمكن لدولة منتجة للذهب أن تربط عملتها بسعر الذهب، ولدولة معتمدة على انتاج النفط أن تربط عملتها بسعر النفط، وهكذا. تثبيت أو ربط الريال بالنفط قد يكون ربطا كليا أو جزئيا، عبر سلة تتكون من النفط وعملات أخرى. يرتفع وينخفض سعر الريال بالدولار تبعا لحركة سعر النفط بالدولار. وهذا الربط يشبه نظريا كون البنك المركزي كمؤسسة النقد تحتفظ باحتياطيات من النفط لدعم قيمة العملة الخليجية كالريال. @ بكالوريوس في الشريعة، دكتوراه في الاقتصاد، متخصص في الاقتصاد الكلي والمالية العامة