الحياة - سعودي في عام 1428ه صدرت الأنظمة القضائية الجديدة المدشنة لمشروع تطوير مرفق القضاء، وحينها كانت مسودات مشاريع الأنظمة الإجرائية القضائية الثلاثة جاهزة للدرس من مختلف الجهات المعنية، ثم بعد أكثر من ستة أعوام من البيروقراطية التشريعية صدرت الأنظمة الإجرائية في غرة 1435ه. أحد هذه الأنظمة هو نظام المرافعات أمام ديوان المظالم، الذي صدر مشتملاً على كثير من التحديثات، وكان صدوره محل ترقب ثم احتفاء من قضاة المحاكم الإدارية والمحامين والإدارات القانونية في الأجهزة الحكومية، مؤملين أن يكون مستدركاً لنواقص النظام الملغى الصادر عام 1402ه. ما لم يتوقعه الجميع، أن يسقط سهواً من النظام أحد أهم مبادئ القانون الإداري وركائزه، والتي لا يستقيم عمل جهاز حكومي من دونه، وهو مبدأ تحصن القرار الإداري من الطعن القضائي. والمقصود بهذا المبدأ، أن جهة الإدارة حين تصدر قرارها الإداري فإنه يحق للمتضرر منه تقديم تظلمه القضائي خلال مدة محددة، حتى تستقر الأوضاع الإدارية والمراكز القانونية للمرافق العامة، وهذا الاستقرار هو ما تمليه المصلحة العامة وحسن سير المرافق والأجهزة الحكومية. في نظام المرافعات أمام ديوان المظالم الساري نفاذه، شملت المادة الثامنة منه المدد النظامية للتظلم أمام الجهات الإدارية، وسقط منها بيان المدة الواجب تقديم الدعوى الإدارية أمام المحكمة الإدارية خلالها في حال رفضت جهة الإدارة التظلم، ما يعني أنه يمكن التظلم القضائي من القرار الإداري الصادر قبل أعوام إذا كان التظلم الإداري تم خلال ال60 يوماً التالية للعلم بالقرار. ستة أعوام من دراسة مسودة النظام من مختلف الأجهزة التشريعية لم تكن كافية لتدارك هذا السقط، ولكنه واجه المعنيين بتطبيقه منذ اليوم الأول لسريان النظام. كمال الأنظمة هو كمال بشري، والنقص جزء من حقيقته وماهيته، والتعصب لفكرة تشريعية يوحي بضيق الأفق عن سعة الاطلاع، والحكيم يرتحل مع الحكمة حيثما ارتحلت. * قاضٍ في ديوان المظالم سابقاً. [email protected]