اليوم - السعودية يسمونها «فراشة أيّار». فراشة بمنتهى الجمال مفعمة بالألوان، مضيئة، تفصح عن جمال الأكوان أمام الإنسان، ويسمح لي فيلسوفنا الكندي باستخدام جملته: "الجمال المرئي يقع بالقلب أولا". وهاهي فراشتنا تفصح عن جمال الأكوان، ويقع جمالها في أي وجدان يستغرق في الجمال الطبيعي ويُستهام.إلا أنّ لفراشة أيّار قصة، والقصة قصيرة جدا. الفراشة الخاطفة الألق تضيء أول تكونها في الفجر، مضيئة من شرنقتها، ثم يأتي الصبح فتنشر جناحين تداعبان أهدابَ الشمس أول ما تتساوى فوق الأفق المظلم. ثم ان جناحيها يبدآن بالرفيف، عازفة لحن الحياة والترحيب بعناصر بيئتها حولها. وتبدأ تعمل بجد لا تقف أبدا، ترقص على كل الإيقاعات، تتنقل بلا كلل من إكليل االبنفسج، لنسغ الإقحوان، وورقة الياسمين.. إنها فقط تعمل وبجهد لا تقف أبدا، وكأن كل رتم حياتها فقط أن تجهد نفسها بلا راحة، بلا أن تسكن نبضة بالقلب الصغير. مرّ الآن على حياتها ثمان ساعات، فيسقط الجناحان، ويهفّ الرأس اللطيف، ويستند الجسد الأثيري صغيرا طافياً على موجة هواء تحملها مع بقايا الأشياء.. ميتةً، لم تنتج شيئا سوى الرّهَق. أرهقتْ نفسَها حتى الموت! وفي قصة "جورج أوريل" هذا الإنجليزي صاحب الخيال الذي طلّ على المستقبل بأكثر من صورة، وفسرناه بأكثر من معنى، وكل صورة صحيحة، وكل معنى صحيح. قصته الذائعة عنوانها "1984"، وكتبها جورج في عام 1949م والحرب الكونية الثانية تجر مناجلها الأخيرة وقد قضت على عشرات الملايين ودكَّتْ الحواضرَ بالأرض.. بل تحت الأرض. في قصته"84" كتب أورويل عن أمةٍ عالمية تتحكم وتطل على كل فرد بنظام شمولي مرعب.نحتفل من الأمس بيومنا الوطني، وفيه فرحة، وفيه نشاط دؤوب يستيقظ فجأة مثل فراشة أيّار. يومنا الوطني يستيقظ يوما واحدا ثم ينام. ثم يأتي عام آخر فيستيقظ مرة أخرى بهيجا سعيدا طروبا مرحا.. ثم ينام. وكفراشة أيّار فرحة وألوان وبهجة- وربما بعض المنغصات- ثم يختفي من المشهد، من الذاكرة، والأهم.. من العمل.لا تتوقعوا أني سأربط شيئا بقصة "أرويل" باليوم الوطني، لا، ولم يكن القصد.. سوى الرقم. وشيءٌ صغير آخر، لا تحاسبوني عليه، وهو أننا لما نكرر أنفسنا مثل فراشة أيّار، ما الذي سيحصل لنا في المستقبل؟ إن قرأنا المستقبل من الآن كما فعل أورويل. كلكم تحبون الفراشات، وأنا معكم.. ولكن لا أحد يحب أن يكون رهفة شعلة تنطفي، ولا جمرة تذوي، ولا حركة تخمد.. ولا موجة تنكسر على شاطئ، ثم.. خلاص!لذا يجب أن يكون هذا اليوم الوطني زمنا مستمرا من عمل يُقاس حَوْلاً. نبدأ بيوم وطني مشروعا منتجاً عاملا مفيدا مستمرا أو ألف مشروع، ثم نقيس أداءه، بل أداءنا، في اليوم الوطني القادم. هنا يكون اليوم الوطني محطة مضيئة في طريق طويل يُرصف ويطور ويُحَف حوله مشاريعٌ تتوالد.. فتسرع فوقه عربة هذه الأمة. نحب الفراشات، فراشات أيّار.. ولا نحب مصيرَها.