الحياة - دولي من تراه لا يعرف حاتم علي؟ من تراه لم يسمع باسمه، فلم يقرأ له، أو لم يشاهد أحد أعماله، التي حققت منعطفاً في الدراما العربية؟ هل ثمة مشاهد لم يتعلّق ب«التغريبة الفلسطينية»، واحتار بين كونها تمثيلاً أم حقيقة صورة الفجيعة الفلسطينية؟ من تراه لم يذهب مع «صقر قريش»، ومغامراته في الثلاثية الأندلسية، من دمشق الباهية إلى غرناطة الزاهية، أو لم يتوقف عند الفارق الذي صنعه «الملك فاروق»، في عقر الدار المصرية، العريقة بأعلامها ودراماها؟ وكيف يمكن أن يمرّ حضور الصحابي الكبير، الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب، وتجسيده عياناً، صوتاً وصورة، في «الفاروق»، من دون القول إنها نادرة الدراما العربية، والسبق الأكثر جدلاً؟ حاتم علي، ذاك الفتى السوري الذي كان عليه أن «ينزح» مع أهله من «الجولان»، إلى حافة «مخيم اليرموك»، لينضمّ النازح السوري إلى اللاجئ الفلسطيني، في مأساة أبعد من أن تُطاق، حوّلها بفرادة إلى نقطة انطلاق في آفاق الإبداع، متجاوزاً ضنك الحياة، وضيق المكان، وثقل الواقع، ليبدو المبدع حاتم علي، في لحظة، كأنما هو يجرّ كلاً من الأدب والمسرح والتلفزيون والسينما، من أذنيه، إلى مساحات لا نغالي بالقول إن لم يسبقه إليها أحد. من تراه يُغالي إذا قال إن حاتم علي، هو المبدع الذي أطلق الدراما التلفزيونية العربية من قمقمها، وتمكن من فردها على مساحات تتوهّج مع التاريخ، كما في «الزير سالم»، وتتألق مع الحاضر المعاصر، كما في «الفصول الأربعة»، ف «يخشوشن» هناك، و «يرقّ» هنا، ما بين قرع طبول وصليل أسياف، تارة، ورقة «كمنجة»، وسلاسة «بيانو»، كأنما يملك بين يديه «هارمونية» باذخة، تعرف تماماً طريقها السردي الإبداعي، وخيارها اللوني البصري، وأسبقيتها التي لا تُضاهى. في كتاب «الاستبداد المفرح»، وهو سلسلة حوارات أجراها الناقد فجر يعقوب، الشاعر والروائي والمخرج السينمائي، وابن «مخيم اليرموك»، مع حاتم علي، القاص والكاتب والممثل والمخرج التلفزيوني والسينمائي، تجتمع قبيلة من الإبداع، لتقول الكثير مما لم يقل بعد. ليس في الكتاب حوار أبداً، بل نبش في الذات والآخر، اشتغال على الذاكرة، ومسامرة في قواسمها العميقة، ما بين مبدع ومبدع، جمعهما حيّز زماني، وهما قد وُلدا في وقت متقارب، وجمعهما حيّز مكاني، وقد عاشا في ظلال المخيم ذاته، وستطوّح بهما المقادير، أخيراً، إلى منافٍ زمانية ومكانية ونفسية أخرى، ستبدو بعيدة كثيراً من الصور الأولى. في «الاستبداد المفرح»، الكتاب الذي يصدر عمّا قليل، يعترف فجر يعقوب بأن حواراته مع حاتم علي، امتدت على 4 سنوات، وأن الفكرة أهداه إياها الفنان جمال سليمان، ذات وقت في مقهى «الروضة» الدمشقي. ويقدم كتابه بالقول إن هاجسه «الغوص عميقاً في عوالم حاتم علي التلفزيونية». وسيكون فرصة لاعترافات منتظَرة من المخرج الذي طوّر مسارات الدراما التلفزيونية العربية.