كان في ما مضى وقبل الدخول في أتون الصراع الدائر في سورية، للتجول متعته الخاصة في أزقة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين الرابض في جنوبدمشق. في شارع اليرموك الرئيسي الذي يمتد حوالى 3 كيلومترات تصطف المحال التجارية المتنوعة ويتناثر العابرون على ضفتيه، بينما يتوسطهم نهر هادر من السيارات، فيشكلون جميعهم خليطاً متنوعاً في مكان واحد يعبق بضجيج الحياة... داخل حارات المخيم الجانبية يختلف الإيقاع قليلاً لكنه لا يهدأ. في المساء بعد نهار طويل من العمل ينتشر الشبان بجلساتهم إما على زواياها أو أمام البيوت يتناقشون تارة في قضية مهمة وتارة أخرى فقط يثرثرون، وقد يمضون الجلسة يتنافسون في ما بينهم على الإمساك بزمام الحديث عن تجاربهم وبطولاتهم بالقليل أو الكثير من المبالغة. طريقتهم في الحديث والمشي في الشوارع وحتى المفردات التي يستخدمونها تحولت إلى إحدى الصفات الشخصية للمخيم، وهي ذاتها التي دفعت صهيب أبو شهاب أحد أبنائه المبدعين إلى إجراء تجربة هي أقرب لمزحة لطيفة يتهكم فيها على أسلوبهم هذا، متسائلاً: «خيا ليش؟» لتكون عنوان عرضه التمثيلي المصور الذي لا يمتد إلا بضع دقائق، فكل ما كان يحتاجه متوافر: الفكرة والكاميرا ومكان العرض وبطل العرض والمخرج. لكن المفاجأة هي انتشار العرض على صفحات التواصل الاجتماعي وتناقله على أجهزة الخليوي بين أبناء المخيم. يقول صهيب: «هذا دفعنا إلى تطوير الفكرة التي لم نكن نتوقع أن تتجاوز أصدقاءنا المقربين. فكان هذا العرض حلقة البداية لسلسلة من الحلقات حملت عنوان «على هوى الحكي»، تعكس أحوال أبناء المخيم بطريقة كوميدية وتكون أيضاً باكورة الأعمال الفنية الخاصة بهذا المشروع الذي أطلقوا عليه اسم «التجمع الفلسطيني للإبداع – رد فعل». ويقول المخرج الشاب حسن طنجي: «لدى عرض الحلقة الأولى لمسنا إقبالاً من الناس عليها فقد أحبوا الفكرة ولم يعترضوا عليها باعتبارها تنتقد سلبياتهم بطريقة كوميدية ولذلك تواصلنا مع المبدعين حسان حسان ومحمد نور صلاح (أبو غابي) ودعوناهما إلى المشاركة بهدف إغناء العمل وتنويع الشخصيات والمواقف». تطورت الفكرة وأصبحت مشروعاً متكاملاً يشارك فيه كثيرون من المبدعين الشباب، يقدم مرآة يرى فيها أبناء المخيم أنفسهم وواقعهم، وأيضاً تنتقدهم بأسلوب ساخر ومحبب لهم يكسرون به روتينهم ويمنحهم المتعة بسماع حكاياتهم ورؤيتها معروضة أمامهم. ويقول أبو غابي (ممثل) إن «رد فعل» هو «فرصة أو مناسبة للشباب الفلسطيني وغير الفلسطيني الذين يملكون موهبة التمثيل أو الغناء، وأهم ما فيه أنه يقدم لهم مساحة للتعبير عن أنفسهم». كما يعتبر أن الانسجام الذي تحقق بين الجمهور والمشاركين كان مميزاً وجوهرياً، بينما يرى الكاتب والمخرج والممثل أيضاً حسان حسان أن أهم ما حققوه هو «الوصول إلى الناس على رغم الكثافة البصرية المحيطة بهم تلفزيونياً وسينمائياً والمنافسة الشديدة في هذا الميدان، بخاصة أننا نعرض حلقاتنا على الإنترنت عبر موقع «يوتيوب»، وهذا يعني أن عليهم الذهاب لحضورها أي البحث عنها وليس تلقيها كما يحصل على الشاشة الصغيرة». انتشرت عروض «ستاند أب كوميدي» بين الشباب في شكل واسع خلال السنوات الأخيرة في عدد من البلدان العربية، وهي ناقدة ساخرة تتناول مواقف وقضايا اجتماعية وربما سياسية بطريقة تهكمية، ولكن المزيج الذي يقدمه شباب «رد فعل» من مونودراما بشخصية واحدة وتارة بشخصيتين، إضافة إلى الغناء والعزف يفضلون تسميته العرض أو الفيديو آرت. وقد تنوعت العناوين التي يقدمونها بما يتناسب وصورة الحياة الواقعية التي يعيشونها، منها حلقة في عنوان «تعليلة» تتهكم على الطريقة التي يحيي بها شباب المخيم أعراسهم، وأخرى في عنوان «ظواهر» تحكي عن العادات السيئة والجديدة عند بعض الناس. وفي شكل دراماتيكي تغيّر المضمون بعد دخول مخيم اليرموك أتون الصراع في سورية ليحكي واقعه الجديد، ولكن هذه المرة بسخرية مشوبة بالمرارة. فهناك حلقة «تغطية» التي تروي غياب تغطية الهاتف الخليوي في المخيم نتيجة الحصار الذي فرض عليه، والبحث عنها في أرجاء المخيم على رغم خطر الموت نتيجة المعارك الدائرة. أيضاً عرض «إشاعة» يحكي عن الرعب الذي يزرعه البعض بين الناس داخل المخيم عندما يبدأون نقل أخبار كاذبة عن اقتراب المعارك أو اشتدادها في المنطقة. وفي ظل الواقع الجديد تغيّر نمط الحياة في مخيم اليرموك في ظل الحرب، غيّر عنوان سلسلة العروض من «على هوى الحكي» إلى «على هوى الحصار» لتكون كوميديا سوداء بنكهة أيام أبناء المخيم.