اليوم - السعودية معظم المقالات التي كُتبت على إيقاع ما يسمى بالربيع العربي ليست صالحة للقراءة بعد أيام من نشرها. خصوصاً تلك المكتوبة بأقلام نجوم اللحظة، الذين يُعرفون براكبي الموجات. فهي كتابات نيئة وناتجة عن ذهنية غير فاحصة للواقع وليست على علاقة علمية بالتاريخ. حيث أفرزت الوقائع المتسارعة طابوراً من الكتاب اللاهثين وراء الحدث المتمسحين بعناوينه. الذين اكتسبوا شهرتهم ومكانتهم الإعلامية والجماهيرية بسبب إغراقهم في الحديث السطحي اليومي عن تحول جيوسياسي تاريخي كبير وعميق. وهو أمر قابل للحدوث إثر بروز أي ظاهرة. إذ يُنتج كل حدث كُتّابه ومشاهيره الذين يعتاشون عليه. ومن يتابع مقالات أي كاتب من كتاب تلك الموجة، سيلاحظ أنها مجرد صدى باهت لما يُطرح في الفضائيات مع بعض الانتحالات من هنا وهناك. ولذلك تفتقر إلى التحليل التاريخي الرصين، كما تعاني من عدم التناغم فيما بينها. لأنها لم تتشكل في مختبر فكري يمتلك من الوعي ما يكفي لقراءة الحدث من واقع معطياته. بمعنى أنها مجرد تلفيقات آنية وتعليقات ظرفية لا ترقى إلى مستوى المرجع، بقدر ما تلعب على غرائز المتلقي وتغذي حماسته لطرف دون آخر. وفي هذا الصدد يلاحظ أن فريقاً من أولئك النجوم اكتفى باعتبار ما سجّله من تعليقات طارئة مجرد فرصة للظهور الإعلامي. وقرر الاستمرار كمعلق يومي أو لحظي على الأحداث. فيما ارتأى فريق آخر تقديم نفسه كمفكر من مفكري اللحظة العارفين بالغائية التاريخية. فجمع ما تبعثر من مقالاته في كتاب أو أكثر وطرحها كمرجعية لقراءة الحدث. معتبراً نفسه رائداً في هذا الحقل. وهنا يكمن مقتل هؤلاء، فما سجّلوه من ملاحظات عابرة لا يتأهل لأن يُجمع في كتاب، لأنه يفتقر إلى أبسط المقومات التحليلية، ولا يتسم بأي رؤية موضوعية. إن إقدام بعض الكتاب على توثيق كل ما كتبوه وإصداره في كتاب بين غلافين يعني من وجهة نظر ببير بورديو إصرارهم على تأبيد أخطائهم. وإرشاد المتلقي إلى ضعف أدواتهم. لأنهم بهذا العمل الارتجالي يتيحون للقارئ فرصة إعادة قراءتهم بعد انقضاء الحدث. أي في مستقبل أكثر هدوءاً. وهو ما يعني الانتباه إلى هشاشة وعيهم، ورداءة لغتهم، وسطحية تناولهم لموضوعات تفوق قدراتهم. وهي حماقة لا يقدم عليها إلا من يبني أمجاده على الأوهام، الذي يسيء تقدير وعي القارئ وذائقته. الكتاب بالنسبة إلى أولئك هو بمثابة المكمل لأسطورتهم الشخصية التي تشكلت على وقع الحدث. إذ لا يبدو هذا الصنف من الكتاب معنياً إلا بمقالاته وآرائه واسمه وصورته. وعلى هذا الأساس يغامر بتلفيق كل ما كتبه في إصدار ليموضع نفسه في خانة المرجع. ولئلا تفلت منه مكتسبات اللحظة. فهو غير معني لا بعملية الخلق الثقافي التي يفترض أن تتبناها فئة تتشكل في ذات اللحظة ككتلة تاريخية. بمعنى أنه لا يفاعل رأيه برأي أقرانه، بقدر ما يتحاور معهم على اقتسام النجومية والشهرة من خلال الإشادات المتبادلة. كل كتابة حول حدث بهذا القدر من التحولات ينبغي أن تكون جزءاً من سيرة الوعي التاريخي للذات الكاتبة لما يحيط بها ويشكلها فكرياً ووجدانياً. وليس مجرد ملاحظات ذاتية طارئة للاستخدام الآني، وتثبيت الصورة الشخصية في واجهة المشهد. وهو الأمر الذي يفسر غياب الكتب المرجعية المقنعة حول ما يسمى بالربيع العربي. إذ تبدو أغلب الإصدارات محشوة بمقالات مستعجلة تحوم حول الحدث ولا تنفذ إلى سياقاته العميقة. وفيما يتكاثر عدد النجوم من كتاب المقالات تتضاءل الأفكار الكفيلة بفهم حقيقة ما جرى وما يمكن أن يحدث في المستقبل.