المواطن - السعودية تجرنا الأحداث إلى أن نذكر بنعمة عظيمة ، ومنة جسيمة من مولانا جل في علاه ، أذكركموها حتى لا تغفلوا عنها ، وإن كنتم تشعرون بها وتلمسونها ، لكني أتأسى بالقرآن الكريم في التذكير بها ، فقد جاءت هذه النعمة في آيات عديدة من كتاب مولانا جل وعلا ، وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وما أحرانا أن نتذوقها في أيام شهرنا الكريم ، متذكرين قوله جل وعلا : ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض ، وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة ؟ ونعمة الله لا تحصى ، كما نص على ذلك في سورتي إبراهيم والنحل ، مع حثه على تذكرها وتذكيره ببعضها ، ويا لها من نعمة ، تستحق أن تذكر ، وتشكر ، ويتقى الله من أجلها ، وأضف إليها قوله ممتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه رضي الله عنهم : وهو الذي كف أيديهم عنكم ، وأيديكم عنهم ، فدفع البلاء من المواجهة منة عظيمة ، ونعمة جليلة لا يقدرها إلا من اكتوى بنار تحقق ضدها . وما بكم من نعمة فمن الله ، ومن أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا . الأمن ، من أجل النعم ، لولا منة الله علينا به لما تلذذنا بالصيام ، ولما استطعنا الصلاة والقيام ، الأمن الذي يسعى كثير من المفسدين لتقويضه ، وهدم بنيانه ، يسعون بمتفجراتهم ، وبنادقهم ، وتقنياتهم ، بل وبشهاداتهم العليا لتعم الفوضى ، وينتشر الخوف ، وينقطع الذكر والصلاة وتهجر المساجد وتهدم ، وليصوم الناس رغم أنوفهم عن الطعام إذا انقطعت سبل إيصاله . إن شبابا غسلت أدمغتهم بمسميات شرعية استخدمت في غير مكانها ، أو فهمت خلاف المراد منها ، مع تأجيج عواطفهم ، واستعمال ماضي الأمة المجيد لإشعال فتيل الحماسة وإيقاد نار الغيرة التي تتأجج في قلوب صغار لا يفقهون ، وغلمان لا يستقيمون ، فيصبح الواحد منهم وقودا للحرب على أمته ، وسببا لتنافرها وانشغالها عن عدوها الحقيقي ، لا يفكر بعقلية رزينة ، ولا ينظر إلى المسألة بعلمية شرعية ، بل ينجرف خلف عاطفة أججها مُشعِل فتنة ، وسعّر نارها شبهات وظنون لا تنظر واقعا ولا تقف عند حد شرعي ، ولا تستند إلى دليل حسي . إن للمسلم العاقل أن يتساءل ما بال هؤلاء يوجهون بنادقهم ويشيرون بأسلحتهم إلى صدور أمتهم ، ويقتلون المصلين ، ويستهدفون المرابطين لحماية أوطانهم ، وأراضيهم ، كما حدث في شرورة ، جنوب بلادنا الغالية ، قبل أمس ، هل يظنون أنهم بذلك يعيدون للأمة عزتها ؟ أو يرسمون لها طريق وحدتها ، أو سول لهم الشيطان أن العدو هو ذلك المسلم المخالف لهم في رأي ، أو مذهب ؟ إن دم مسلم صائم يصلي ، لمن أعظم المنكرات ، وأكبر الذنوب ، فقد قرن الله قتل النفس بغير حق بالإشراك به ، فما بال هؤلاء القوم يستبيحون الدم المسلم الزاكي ، ويندفعون اندفاع الصائل المجنون في القتل والتخريب والإفساد ، الإصلاح أرادوا ؟ أم هو الهوى الزائف المغطى بالشعيرة العظيمة ( الجهاد ) . إن الجهاد الذي في النصوص كتابا وسنة ليس فيه جهاد المسلمين ، وقتل المؤمنين ، بل فيه جهاد المشركين ، وقتال الكافرين ، وحرب المرتدين ، فهل يرانا هؤلاء الصغار متصفين بإحدى هذه الصفات ؟ الجواب ينطق به واقع أليم ، وحادث جسيم ، نسمع به بين حين وحين . هؤلاء الأغرار سلوا سيوفهم ، واستعملوا ذكاءهم وتقنيتهم وشجاعتهم لا لرفعة الأمة والذود عنها ، لا لنشر الدين وتعليمه ، لا لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، وتعليمهم التوحيد وشريعة الإسلام ، بل لقتل المسلمين ، ونشر الرعب في قلوبهم ، ويسعون في الأرض فسادا ، والله لا يحب المفسدين . واختزلوا الدين في القتل ، فلا يرون في الدين إلا آيات القتل ، ووجهوا حرابهم إلى قلوب المؤمنين ، وصدور المصلين ، وأموال المسلمين ، وروعوا الآمنين ، وخفروا ذمة المعاهدين ، ولم ترحم سهامهم طفلا ولا شيخا ولا امرأة . أقول بكل صدق ويقين ، إن الجهاد بريء مما يفعل هؤلاء ، وحقيقة الأمر هم بغاة ، أو قطاع طريق ، أو خوارج ، وأبعد وصف عنهم أن يوصفوا بالمجاهدين ، أو أن يكونوا من المصلحين ، أو الدعاة المخلصين !