10.1 تريليونات قيمة سوق الأوراق المالية    1% انخفاضا بأسعار الفائدة خلال 2024    تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الولايات المتحدة السعودية
نشر في أنباؤكم يوم 30 - 06 - 2014


أنحاء - السعودية
في ظل مشروع الانسحاب الأميركي، تتنافس ثلاث قوى أجنبية على التغلغل في المنطقة: إسرائيل، إيران وتركيا.
إسرائيل – على الرغم من قوتها العسكرية الهائلة وارتباطها العضوي بالولايات المتحدة – حظوظها هي الأضعف – الى الآن – في حلبة المنافسة، فالمسافة شاسعة بينها وبين محيطها رغم التلاصق المادي بسبب تملصها من عملية السلام الذي عزز صورتها ككيان غاصب ودخيل، إضافة إلى حاجز الأعجمية في وجه العروبة وحاجز الدين في منطقة اعتادت الإسلام وألفت المسيحية، وهما دينان يحملان تاريخا سلبيا – وحاضرا دمويا – مع المكون اليهودي.
تكيفت إسرائيل مع واقعها، وبدأت منذ حكومة شارون اعتماد مفهوم عكسي للقوة، أصبحت إسرائيل تترجم قوتها الى الانعزال بدلا من التوسع، والجدار الفاصل مثل بسيط لذلك. إيران وتركيا تستطيعان تحقيق مكاسب مؤقتة، لكن إسرائيل مهما فعلت – وهي من وقعت معاهدات سلام مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية – ستظل انتصاراتها وهمية.
وقتية المكاسب، هي ما اكتشفته تركيا بعد سقوط النظام الإخواني في مصر، وتكتشفه إيران – اليوم – مع تضعضع نظامها في العراق، والمؤقت كالوهم يساوي الصفر.
حاجزان طبيعيان يحولان دون إيران والمنطقة، حاجز المذهب وحاجز الأعجمية، على عكس تركيا المحاصرة بحاجز الأعجمية وحده. مهما حققت تركيا من مكاسب، ستظل بحاجة إلى مترجم بينها وبين حلفائها وأعدائها في المنطقة. الحاجة إلى وظيفة المترجم تعني ببساطة أن المكوث – مهما طال أمده وتنوعت أسبابه – سينتهي الى الرحيل. تنبهت تركيا العثمانية قديما الى حقيقة الموقف، لجأت إلى سياسة التتريك، فجاءت النتيجة العكسية، خرج الوالي التركي وعسكره، ثم انهارت الدولة العثمانية فيما بعد.
وضع إيران أكثر تعقيدا، احتاج المترجم إلى تعضيد بالفقيه وبالعسكري. استغلت ايران هشاشة مفهوم المواطنة عند العرب ودخلت من نافذته، لم تعترف إيران – عمليا – بالدول المجاورة، فأقامت علاقاتها مع الميليشيات وتصادمت مع الدول، وفي موازاة سياسة التتريك القمعي لجأت إيران إلى التشييع المسلح، أدت هذه السياسة الى نتائج كارثية، لقد دعمت السلفية المتطرفة، وساهمت البنية الدينية للنظام الإيراني – بلا قصد – في تعضيد البنية الدينية السلفية، وربما تكتشف إيران أن رجال الدين – في كل مكان – أقرب الى الرعونة من الحكمة. صنعت تركيا تاريخا أسودا في بلاد العرب، في حين شكلت إيران حاضرا كريها، لتبنى فوق الحواجز حواجز.
وجدت إيران بابا ذكيا، القضية الفلسطينية، لهذا الباب فوائد مزدوجة، فهو غطاء أنيق لمشروع الاختراق الإيراني للعرب، ثغراته فضاءات مفتوحة للمزايدة والاتجار. إسرائيل بالنسبة لإيران أهم من فلسطين، فالقضية لافتة تسويقية ممتازة لدى العرب، وإسرائيل أقوى ورقة تفاوض في الولايات المتحدة، فالقوة العظمى هي الطريق الرئيس لتكريس النفوذ الإقليمي.
نشرت صحيفة (الحياة) في 27 فبراير 2006 خبرا في كعب صفحة داخلية عنوانه "خلافات داخل المكتب السياسي في (حماس) إثر الاتصالات المستجدة مع إيران"، ثم تقدم الخبر من الهامش إلى صدر الصفحة الأولى، وأصبح المتن قتالا فلسطينيا أهليا بدلا من محاربة المحتل أو مفاوضته.
اكتشفت (حماس) ان صلتها بإيران أتت على حساب مصر، واكتشفت أيضا – بعد ضريبة قاسية ودموية – أن مصر هي الأهم، تفصل البحار والصحاري إيران عن حماس، لكن مصر هي ربطة العنق في غزة.
المشهد المتفجر في المنطقة ساطع الوضوح، القوة الكبرى تريد الانسحاب الى بحر اليابان، والقوى الإقليمية عاجز عن تحقيق المكاسب الدائمة أو الجذرية. وليس جديدا أن نؤكد على دلالات ذلك بوصف "الفراغ الكبير".
السياسة الخارجية تبدأ من الداخل
بعد عاصفة الربيع العربي وتعثر أكثر من دولة عربية مهمة في اضطرابات أمنية واقتصادية، وتصادم الواقع المحلي مع المشاريع الإقليمية في دول عربية، تبدو المملكة العربية السعودية مؤهلة لملأ الفراغ الكبير.
يمكن للسعودية أن تملأ في المنطقة ما تمثله الولايات المتحدة في العالم، وإذا كانت السيادة الأميركية العالمية تحققت بمنظومة من القيم والابتكارات، فإن المكونات الذاتية السعودية كافية بالنسبة لمنطقة نامية، والمعني هنا السلطة المالية المعتمدة على قوة النفط، والسلطة الروحية التي تستمد رمزيتها من الحرمين الشريفين، واللسان العربي لا يقل أهمية في وجه عجمة القوى الإقليمية. المكونات المذكورة كافية للقيام بدور، لكنها تحتاج الدعم لإحداث المكاسب الجذرية.
حين تولى الرئيس الأميركي بيل كلينتون مقاليد الحكم تبنى مبدأ "الأمن القومي يبدأ من الداخل". أي قوة السياسة الخارجية مستمدة من متانة الوضع الداخلي ولصالحه، وعليه فقد انهمك كلينتون في إصلاح نظامه الاقتصادي من جهة، واستثمر سياسته الخارجية لتعزيز الوضع الاقتصادي الداخلي.
ثمة عوائق داخلية تعيق المملكة عن لعب الدور المأمول وربما تجرها أحيانا إلى صورة سلبية غير مقصودة.
تمكن الأزهر الشريف في مصر من تقديم نفسه كوجه مضيء ومرجعي للسنة في العالم، ولأسباب تاريخية تتقدم صورة المملكة ممثلة دينية للسلفية بالتوازي مع تمثيلها السياسي للسنة. الوجه السلفي للمملكة معطل حقيقي لدورها وقدراتها بسبب خلافات السلفية مع كل المذاهب والطوائف، هذا الوجه هو من يستدعي تهمة دعم الميليشيات المسلحة هنا وهناك مع أن المملكة قطعت صلتها الخارجية بالإسلام السياسي منذ أحداث سبتمبر 2001. تم اتهام المملكة جورا بتمويل منظمة (فتح الإسلام) وظاهرة أحمد الأسير في لبنان مع ان حليفها الحصري هو تيار 14 آذار، وفي سوريا والعراق ألصقت أيضا تهمة دعم داعش والنصرة بالمملكة على الرغم من علاقتها الحصرية بالجيش الحر في سوريا وانعزالها عن العراق باستثناء علاقة خاصة بالزعيم المدني إياد علاوي.
للسلفية وجه داكن عربيا وإسلاميا، فالسواد الأعظم من المنظمات الإرهابية ينتمي إليها، كما أن قواها السياسية في بعض الدول بؤرة للفتنة والتباغض. وعلى الرغم من أن السلفية كمكون سعودي داخلي نادر التأثير – فيزيائيا – على السياسة الخارجية إلا ان العلاقة بها عبء فادح، إذ يغلب الظن على أنها من أسباب الريبة التي تواجه مشروع الاتحاد الخليجي مثلا، كما أنها تضع المملكة في موضع اتهام دائم بلا مبرر غالبا، والأخطر من كل ذلك أنها عائق ملموس أمام علاقة سوية وحقيقية بين المملكة وبقية مكونات العروبة والإسلام ومحفز طبيعي لقوى التطرف داخل تلك المكونات (شيعية أو مسيحية أو سنية) كما أن العمائم الإيرانية تضعف السنة عبر تقويتها – بلا قصد – التطرف السلفي.
كلما اقتربت المملكة من سنيتها ابتعدت عن سلفيتها وتمكنت من القيام بدورها وإحداث تأثيرات إيجابية في الداخل والخارج.
تحاول بعض القوى المتطرفة إضعاف المؤسسة السياسية السعودية عبر توصيف شرعيتها بالاعتماد على التحالف مع المكون السلفي في محاولة ضغط على القرار السياسي باتجاه معين، وإن كان هذا صحيحا في مرحلة تاريخية سابقة إلا أنه لم يعد متحققا في الحاضر. فالشرعية السوية تقوم على القبول الشعبي، وربطها بتحالف معين يعني انعدام القبول.
ليس أمام المملكة لمزيد من الإنجاز داخليا وخارجيا إلا استبدال الوجه السلفي بوجه من طبقتين: الإسلام الفردي والعروبة الطبيعية. والقصد هنا إسلام غير مسيس يجافي الإقصاء والتطرف الاجتماعي وقادر على احتواء كافة المذاهب والطوائف داخل الإسلام وخارجه. من دون هذا الإسلام – الذي يحترم الفرد وحريته – لن تتمكن المملكة من استثمار موقعها الديني كمرجع روحي للجميع. إن القمة الإسلامية التي رعاها الملك عبدالله – قبل سنوات – اعترفت بكل طوائف الإسلام ومذاهبه ومنعت التكفير، كما ان الملك قاد مبادرات مهمة للحوار الوطني وحوار الأديان، والمطلوب هو ان تنعكس تلك المبادرات كقرار سياسي داخلي يعزز تحركها الخارجي.
أما القصد من العروبة الطبيعية – لا القومية العربية – فتعني الفضاء الثقافي والجغرافي للمنطقة مع الابتعاد عن المواقف المعلبة والانحيازات الحدية والأيديولوجيا التي تباع وتشترى.
ليس منطقيا إعلان الحرب على الإسلاموية (الإسلام السياسي) بإسلاموية أخرى، وليس منطقيا الرهان على أيديولوجيا تجاوزها الزمن لإسقاط المشروع الإيراني. إننا نتحدث عن عروبة طبيعية بالمعنى الثقافي والجغرافي المتصالح مع القيمة الوطنية دولة وانتماء، ويمينية بالمفهوم الاقتصادي، وتمثل سياسيا مشروع محور الاعتدال العربي – الذي عاد إلى الحياة مع ثورة 30 يونيو 2013 – الذي يواجه المشروع الإيراني من جهة ومشروع الإسلام السياسي من جهة أخرى.
"يجب أن نسود"
في مؤلفه (يجب أن نسود) طرح الرئيس الرئيس الأميركي بيل كلينتون مشروعا طموحا هدفه أن يكون القرن الراهن قرنا أميركيا. قدم كلينتون مفهوما جديدا للسيادة يتمثل في السيطرة على الزمن بدلا من السيطرة على الأرض. ولعل روح مشروع كلينتون الموجه للأمة الأميركية – إبان حقبته الرئاسية – هو ما يجب أن تلتفت له – اليوم – دوائر صنع القرار في المملكة.
تقدم السعودية نفسها كدولة محافظة يجسد الاستقرار رأس أولوياتها، أي المحافظة على الوضع القائم، بينما قدم الربيع العربي درسا للمنطقة مفاده أن "الوضع القائم" لم يعد قادرا على الاستمرار، وهذا يعني أننا بحاجة إلى مرحلة "غير محافظة" انتقالا لمرحلة محافظة جديدة ومختلفة.
للمملكة قوة نفطية هائلة تمثل روح العالم الحديث، وللمملكة موقع جغرافي أتاح لها – أيضا – أهم مصادر القوة الناعمة، فالسعودية هي قلب شبه الجزيرة العربية، أي ما يعني مجازا قلب العروبة، وفيها كذلك الحرمان الشريفان، أي أنها يجب أن تكون حقيقة قلب الإسلام. وفي المرحلة الراهنة التي نعيشها – مواجهة الإسلام السياسي والمشروع الإيراني – يبدو أن المملكة بحاجة إلى الاستثمار الأقصى والأمثل لمصادر قوتها بهدف تدشين مرحلة جديدة تعني فيها المملكة للمنطقة ما تعنيه الولايات المتحدة للعالم. ومن حسن الحظ السعودي أن القوى الأخرى الآن إما في حالة انسحاب كالولايات المتحدة، أو عاجزة عن تحقيق ما هو أكثر من المكاسب الوهمية كإسرائيل، أو عاجزة عن تحقيق ما هو أكثر من المكاسب المؤقتة كتركيا (بسبب الأعجمية) وكإيران (بسبب االأعجمية والمذهب)، والدلائل على ذلك ماثلة للعيان في العراق ومصر.
لتصل السعودية إلى هذه النتيجة يجب أن تغير صورتها النمطية من السلفية إلى العروبة الطبيعية والإسلام الفردي. إذا كانت الصورة النمطية الجديدة تغييرا في الشكل، فلا بد من تعزيزها بتغيير في الجوهر فتكتمل عناصر الجذب للقطب السعودي.
يعتقد المحلل السياسي سعود كابلي أن تأثير التجربة التنموية الناجحة لدولة الإمارات العربية المتحدة على المجتمع السعودي أكبر من كل مجريات الربيع العربي بحكم الاحتكاك المباشر. يعزز هذا التصور ما ذهب اليه المفكر السعودي (تركي الحمد) بأن الظاهرة الواضحة في سفر الأسر السعودية بأعداد فلكية إلى دول الخليج – وغيرها – في العطلات المجدولة والمفاجئة ما هو إلا استفتاء اجتماعي على نمط الحياة الذي يفتقده السعوديون.
إصلاح البيت العربي
تغيير الصورة النمطية مؤثر مهم على جاذبية الجوهر، لكنه ليس كافيا. السعودية بحاجة – فعلا – إلى إصلاح إداري ومالي يحقق طموحات قادتها وشعبها، ويبدو لافتا الانتقاد المبطن الذي يوجهه رأس الدولة لبعض الوزارات في أن المبالغ المعتمدة كافية لإحداث التغيير، لكن المواطن لا يشعر بشيء. ولا فائدة من أي إصلاح ما لم يعقد العزم على تحويل المملكة إلى دولة حديثة، أي دولة القانون والمؤسسات. إن سعادة المواطن في الداخل هي عماد السياسة الداخلية والخارجية معا.
قبل عقد من أحداث الربيع العربي طرح الأمير (الملك) عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة "إصلاح البيت العربي" لكن النظام السياسي العربي – آنذاك – غض بصره عنها فلم تر التفعيل مطلقا. ولعل أهم توصيف للمبادرة هو ما أورده الأمير سعود الفيصل في كلمته بمهرجان الجنادرية عام 2003: "اننا نواجه ازمة هيكلية مزمنة نعتقد انها هي السبب في تردينا الى الواقع المرير الذي تعيشه امتنا العربية، وانها هي الاساس في تخلفنا الحضاري الملحوظ" ويضيف سموه: "ولقد آن الاوان لأن نمتلك الشجاعة الكافية لنقرر ان الاصلاح الذاتي وتطوير المشاركة السياسية هما المنطلقان الاساسيان لتجاوز الازمة الهيكلية التي تعترض لها دولنا العربية. لأن غياب المشاركة السياسية جزء من كل اكبر واعمق. ذلك ان المكون السياسي ككل يعاني في عالمنا العربي من ضعف شديد وتخلف واضح". ويشرح سموه: "تطوير المشاركة السياسية إذن لابد أن يندرج في إطار إصلاحي شامل وحقيقي، وإلا لفقد معناه وأفضى إلى تغيير شكلي لا يعتد به. إن المشاركة السياسية مطلوبة لذاتها، ولكن تحقيقها يتطلب اقترانها بالتنوير السياسي والتثقيف السياسي والتنشئة السياسية والمأسَسَة السياسية بحيث تتعمق الوطنية وتترسخ معانيها. يتطلب تطوير المشاركة السياسية أن نملك الجرأة اللازمة لممارسة النقد الذاتي البناء وإعادة النظر في ثقافتنا السياسية السائدة والتغلب على العوائق التي تضعف قدرتنا على الابتكار والتكيف. لابد أن تقترن المشاركة السياسية بتطوير آليات بناء الثقة والحوار بين كافة المجموعات، ولابد من تحقيق المصالحة مع الذات داخل كل دولة من دول العالم العربي". وينتقد سموه تأجيل الإصلاح السياسي بذريعة مواجهة العدوان قائلا: "قد كان الثمن الذي دفعناه من جراء خطأ هذا الوهم ثمناً باهظاً، فلا الشعوب شاركت، ولا الأرض حُرِّرت، ولا الحقوق اُستعيدت، ولا التنمية تحققت. إن المشاركة السياسية مُكّون أساسي لأي إصلاح داخلي جاد، لكنها ليست المكون الوحيد.. بل لعلها لا يمكن أن تتطور وتُفَعَّل إلا باندراجها في عملية إصلاحية شاملة".
كانت مشكلة محور الاعتدال العربي في مرحلته الأولى – قبل سقوط نظام الرئيس مبارك – تأسيسه على السلبية "رد الفعل"، ما يشبه في مرحلة سابقة جبهة الصمود والتصدي. إن ضعف محور الاعتدال العربي في نسخته الأولى طبيعي لافتقاده عامل المبادرة، فالطرف الآخر (إيران والإسلام السياسي) يبادر ويضرب في حين يكتفي محور الاعتدال بمحاولة صد الضربات، وهو ما يشبه فريق كرة قدم اعتمد على خط الدفاع وألغى خط الهجوم.
إذن، على المملكة – في مرحلة لم تعد تجذبها المحافظة – إحياء مبادرة إصلاح البيت العربي التي نادى بها العاهل السعودي قبل عقد من الزمان مستبقا ببصيرة ثاقبة عاصفة "الربيع العربي". ولتحقيق المصداقية من الواجب على المملكة أن تبدأ بنفسها حين ترفع شعار "الديمقراطية المنظمة"، أي تحقيق المشاركة الشعبية داخل الدائرة المدنية التي تستبعد الميليشيات المسلحة وقوى الإسلام السياسي والأحزاب الأممية.
إن تبني هذا المشروع داخل محور الاعتدال يعزز إرادة المملكة وقدرتها داخليا، فقد واجهنا سابقا وبنجاح حالات الممانعة المحافظة في وجه التغيير الإصلاحي بورقة الانسجام مع المجتمع الدولي (حالة مشاركة المرأة السعودية في الألعاب الأولمبية مثلا). كما انه سيعطي لمحور الاعتدال سببا للحياة والجاذبية وقوة المبادرة في استقطاب شارع يائس أو غاضب، ويمنح المصداقية لدول الاعتدال في مواجهة أنظمة موالية للطرف الآخر، كنظام نوري المالكي في العراق ونظام بشار الأسد في دمشق ونظام حماس في غزة.
إن ثغرات الجسد الداخلي في العالم العربي (المواطنة، حقوق الإنسان، الديمقراطية) هي الممر المريح لقوى الإسلام السياسي والمشروع الإيراني لتدمير الجسد برمته، وهي ثغرات لا مفر من التعامل معها، والحل الأمني أثبت أنه يعقد المشكلة وربما يفجرها. والأهم من ذلك أن شعوب المنطقة تستحق دولا أفضل ومجتمعات طبيعية تحتضنها. ولعل التعديل الأهم الذي تستحقه مبادرة إصلاح البيت العربي يتمثل في إزالة الصورة السلبية عن اللا مركزية الإدارية لمواجهة مشاريع الانقسام والتفتيت.
عودة العالم العربي إلى العرب
القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية على صعيد السياسة الخارجية. إن دول الاعتدال بحاجة إلى منهج جديد في التعامل معها. المطلوب من المملكة أن تقدم نفسها كراع رسمي لعملية السلام بجوار الولايات المتحدة (خصوصا وأن المركز الإقليمي يعتمد – بشكل أو بآخر – على العلاقة مع القوة العظمى). من الواجب أن نتخلى عن التصورات النمطية، على المملكة ان تتواصل مباشرة مع القوى الإسرائيلية الداعمة للسلام وتخلق التواصل بين الشعب السعودي والشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. لا يمكن أن تتقدم مباحثات بلا ضغط عربي مباشر على إسرائيل، وظروف العرب اليوم تقدم المملكة للقيام بهذا الدور بسبب انشغال مصر والأردن بالأزمات الداخلية، وعلى صعيد آخر، وجب أن يضع محور الاعتدال العربي كل ثقله في توحيد القرار الفلسطيني تحت مظلة السلطة الشرعية.
إن التغلغل الإيراني في المنطقة أعاق تقدم مباحثات السلام عبر تقسيم القرار الفلسطيني، وعبر إشغال دول المنطقة بالصراع مع الإرهاب، فمصر مشغولة بمؤامرات حماس على سيناء ودعم تركيا للإخوان، ولبنان يئن من إرهاب (حزب الله) بالاغتيالات والتعدي على الدولة، كما أنها تدعم النظامين المجرمين في دمشق وبغداد وتؤازر بعض الميليشيات المسلحة في اليمن.
إن المملكة – في قيادة محور الاعتدال – بحاجة إلى رفع شعار "عودة العالم العربي إلى العرب". فهذا الشعار يلبي تحديات السياسة الخارجية في هذه المرحلة، وتحقيقه يجسد معنى الأمن وقوة التأثير.
اعتماد هذا الشعار يترجم استكمال العمل الجدي والفوري على الانتصار لثورة الشعب السوري، تصحيح أوضاع العراق الذي تحول إلى محمية إيرانية في ظل نظام نوري المالكي وإعادته الى العرب، محاربة الإرهاب في اليمن، المصالحة في البحرين، دعم مصر والأردن.
لقد أثبت (حزب الله) أنه منظمة إرهابية إيرانية بامتياز، وعليه لا بد من الاستفادة من التجربة المصرية في اجتثاث الإخوان في التعامل العربي مع (حزب الله). المطلوب أن تصنف جامعة الدول العربية حزب المقاومة الإلهي منظمة إرهابية وتدعم الدولة اللبناية في مواجهته. إن الاهتمام بلبنان واجب من منطق موقعه الجغرافي شمال إسرائيل وفلسطين مما يعني تعزيز الحضور العربي والدولي للدولة التي ترعاه. وما يسري على لبنان يسري على الأردن، كلما زادت قوة الأردن الاقتصادية وتعاظم استقرارها السياسي سينعكس ذلك بالإيجاب على عملية السلام للمصداقية الدولية التي يتمتع بها النظام الأردني ولتداخل البيت الأردني مع البيت الفلسطيني.
كان القرار السعودي بتصنيف المنظمات الإرهابية موفقا، لكن المستغرب هو استثناؤه ل (حزب الله) في لبنان وحزب البعث في سوريا. تستحق سوريا هي الأخرى مزيدا من الاهتمام السعودي لتأثيرها المباشر على الأمن الوطني السعودي وانتباها للمقولة الدارجة "لا حرب من دون مصر ولا سلام من دون سوريا".
لمصر مصالح عليا واستراتيجية في دول حوض النيل، وعلى التحالف السعودي – المصري الجديد أن يلاحظ ان هذه الزاوية عبر تفعيل مفهوم "أمن البحر الأحمر" بالنسبة للطرف السعودي. فدول حوض النيل أرض خصبة لتحقيق الأمن الغذائي السعودي – من خلال قابلية أرضها لزراعة السلع الأساسية – كما تحقق الأمن المائي لمصر. جنوب السودان – مثلا – تم اهماله حتى سقط في يد إسرائيل، ويبدو أن الصراع مع شمال السودان سيطول، وكل ذلك ليس في مصلحة مصر والسعودية.
"عودة العالم العربي الى العرب" معناها إخراج القوى الدخيلة من المنطقة، واستعادة أهلها لقرارهم تحقيقا لمصالحهم. سنحقق تقدما شكليا – فقط – إذا لم تؤكد المملكة رسميا بأن خصومتها السياسية مع إيران وبشار الأسد لا تعني مطلقا الحرب الطائفية الاستئصالية على الشيعة والعلويين.
الجيش السعودي بين نيكسون وباول
في كلمته بالجنادرية، تساءل الأمير سعود الفيصل عن قابليتنا للتأثر بكل ما هو سلبي. يدفعنا هذا التساؤل إلى التأمل في استدراج القوى المتطرفة للشباب السعودي الى المهالك في العراق وسوريا وغيرها. لا يمكن لأحد إنكار دور الخطاب الديني والتنشئة الاجتماعية، لكن العامل السياسي يتحمل جزء من المسؤولية.
إننا في مرحلة مختلفة تتطلب تعاملا مختلفا بصورة جذرية، فما يسمى ب "داعش" أصبح مصدر تهديد حقيقي للمملكة ولحلفائها، وانخراط شباب سعودي في تنظيمات إرهابية داخل الحدود وخارجها مشاريع قنابل موقوتة تستهدف الداخل في المستقبل خصوصا وان الخطاب الديني الداخلي هو المشروع الاجتماعي للقوى المتطرفة في الخارج، ولنا في تجربة الجهاد الأفغاني العظة والعبرة.
كان من اللازم ان يكون تدخل قوات درع الجزيرة في البحرين إعلانا لمرحلة جديدة في السياسة الخارجية السعودية – رغم اعتقاد البعض بأن تدخل درع الجزيرة كان مبكرا عن توقيته السليم – تعتمد الجيش السعودية كورقة أخيرة في أدواتها.
تخطر في الذاكرة مقولة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون "سيرتعد أعداؤنا خوفا إذا أدركوا أننا نتحول إلى حمقى حين تتعرض مصالحنا للخطر".
لم تعترف إيران بالدول وأقامت علاقاتها مع الميليشيات لضرب الدول أو مفاوضتها، ولا أعتقد أن منطق الدولة مجد في التعامل مع إيران. كما ان التعامل السياسي مع ميليشياتها يعزز مشروعية وسائلها.
كان من المفترض التجاوب مع المقترح الذي يرى بدخول قوات عربية إلى سوريا (خلال أحداث أيار 2008 في لبنان اقترح الأمير سعود الفيصل – وفق ويكيليكس – دخول قوات عربية إلى لبنان لإنقاذه من حزب الله). إن الإعلان عن هذا التحول رسالة إلى القوى الأجنبية والإرهابية في المنطقة، كما انها رسالة واضحة إلى الداخل بأن قرار التغيير في يد المؤسسة السياسية، وهذا يحقق – عند الحاجة – المصالح السعودية ويضعف المتطرفين ويكبح المغرر بهم.
لقد أجادت وزارة الداخلية حين أعلنت عن معاقبة "المجاهدين" السعوديين في سوريا لأنهم اعتدوا على حق الدولة الحصري في احتكار الإكراه المشروع وقراري الحرب والسلم. لكن السياسة الخارجية أحيانا بحاجة إلى الحسم أحيانا، وما يجري في سوريا مثال ناصع لذلك في ظل خذلان العالم للشعب السوري وتعدي بشار الأسد المتكرر على مصالح المملكة. ولن أجد أفضل من مبدأ كولن باول لوضع إطار لمشاركة الجيش السعودي في تحقيق أهداف السياسة الخارجية: "أن تكون المعركة العسكرية محسومة لصالحنا، أن تكون واضحة الأهداف ومحددة زمنيا، وان تكون في ظل رؤية سياسية شاملة للحل".
القتال مسؤولية المؤسسة العسكرية وحدها، وعدم سد الذرائع التي تحرض المدنيين على القتال جريمة في حق العسكريين والمدنيين معا. مهمة المؤسسة العسكرية هي الدفاع عن حدود الدولة، لكنها أحيانا تضطر لتجاوز الحدود من أجل الدفاع عن أهل الدولة.
خلاصات
المملكة العربية السعودية، هي رأس الحربة في محور الاعتدال العربي، مقوماتها الذاتية بالتوازي مع المشروع الإصلاحي للملك عبدالله تؤهلها لأن تقود المشهد الإقليمي لا أن تقاد فيه. خلا أكثر من عقد مضى اتضح أنها لم تقدم مبادرة ألمعية باستثناء مبادرة السلام العربية، كما لوحظ أنها – قبل الربيع العربي – أقامت علاقاتها مع بعض الأنظمة وتجاهلت شعوبها كما كشفت ثورة 25 يناير في مصر إلى معالجة الخطأ في ثورة 30 يونيو.
تمر المنطقة اليوم بمرحلة الفراغ الكبير، وملأ الفراغ لا يمكن أن تحققه دول أجنبية، خصوصا وأن هذه التدخلات – خلال عقد مضى – أفضت إلى الكوارث. ولن تستطيع المملكة أن تملأ هذا الفراغ من دون تغيير واقعها بيدها.
ترتكز السياسة الخارجية السعودية في المرحلة الراهنة والمقبلة على ما يلي: تغيير صورتها النمطية وإحياء مبادرة الملك عبدالله "إصلاح البيت العربي" تفاعلا مع متغيرات الواقع في العالم العربي والحاجة الداخلية للمملكة وللعرب، مواجهة الإسلاموية (الإسلام السياسي) والمشروع الإيراني بمنطق تلك الجماعات لا بمنطق الدولة، مواجهة الصلف الإسرائيلي بالدعم الفاعل لعملية الإسلام والسلطة الفلسطينية الشرعية والتواصل المباشر مع القوى المؤيدة للسلام والشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
لا يمكن أن تتحقق أهداف السياسة الخارجية من دون إعادة العالم العربي – قرارا ومصالحا – إلى العرب، واعتماد الجيش السعودي كورقة أخيرة في أدوات السياسة الخارجية لفرض واقع معين.
قد يتساءل المواطن عن جدوى هذه التغييرات، خصوصا في ظل وجود شكوى ساذجة من دعم هذه الدولة أو تلك، وهذا يستدعي مزيدا من النشاط الإعلامي للمؤسسة السياسية لتشرح أن تقديم المساعدة الأمنية أو المالية للدول يعني مساهمة غير مباشرة في حفظ الأمن الوطني وإيقاف معدل البطالة داخليا وفتح أسواق جديدة لرأس المال السعودي. ولعل ما تفعله (داعش) هذه الأيام كاف ليتنبه الجميع.
إننا نعيش في عالم متغير، وما نراه من تغيير يتجاوز قواعد السيطرة والمنطق، والطريف أن القوى العاملة على التغيير عاجزة عن التنبؤ بنتائج أفعالها، والعرب مثيرون للشفقة باستماتتهم في الدفاع عن اتفاقية سايكس بيكو التي ارادها لنا غيرنا في وجه غير آخر يريد ممارسة "حقه" في عالم مختلف وربما مختل!. إنهم يستخدمون أرضنا وأهلنا لتحقيق مصالحهم لا مصالحنا، فلنجرب إيقاف ذلك ونغير قواعد اللعبة.
*صحافي سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.