المدينة - السعودية يكرر الكثير من الخطباء والفقهاء والكتّاب والعامّة حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم المشير إلى أن النساء ناقصات عقل ودين، هذا الحديث الذي يعتقد البعض أنه دليل يخدش قوى المرأة العقلية وقدرتها على تحمل المسؤوليات الأساسية. وأي مسؤولية هي أعظم من حضانة الأطفال وتربيتهم؟ هذا المسؤولية العظيمة ما كان الله ليسندها إلا لإنسان سويّ!! وأودّ هنا أن أعرض نص الحديث كاملًا كما رواه بخاري ومسلم. عن أبي سعيد الخدري قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر على المصلى فمر على النساء فقال: يا معشر النساء "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن" قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم؟ قلن: بلى قال: فذلك من نقصان دينها). هذا الحديث يحتاج إلى تأمّل ودراسة وتحليل صحيح، ولا ينبغي أن يأخذ أحد منه ما يريد ويترك مالا يروق له ويُفسّر الحديث على حسب هواه. فالحديث كان عظة للنساء في يوم عيد، فهل نتوقع أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يغضَّ من شأن النساء أو ينقص من شخصيتهن في هذه المناسبة البهيجة؟ إن نص الحديث لا يحمل صيغة تقرير أو حكم عام، إنما جاء بتعبير عن تعجّب النبي صلى الله عليه وسلم من تناقض يجتمع في النساء فالنساء فيهن ضعف. والتعجّب كان من حكمة الله كيف وضع القوّة حيث الضعف، وأخرج الضعف من القوة وهذا يوضحه قوله عليه السلام: ما رأيت أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن!.. وإذا ما عدنا للنظر في النساء المخاطبات فقد كن جماعة من نساء المدينة وأغلبهن من نساء الأنصار اللائي قال فيهن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار). فهل يُعقل أن يقول النبي عليه الصلاة والسلام قولًا يقلل من شأنهن؟ بل إن قول عمر رضي الله عنه يسهم في تفسير قول النبي الذي كان يريد أن يعظهن بلطافة منبهًا النساء أنهن قد مُنحن القدرة على الذهاب بلب الرجل الحازم رغم ضعفهن، فعليهن بتقوى الله فلا يستعملن هذه القوة إلاّ في خير ومعروف. وعبارة (ناقصات عقل ودين) ما هو إلا أسلوب لإثارة الانتباه والملاطفة تمهيدًا لعظة خاصة بالنساء، ولو كانت كما يظن البعض تقريرًا، وحكمًا، وقاعدة فكيف يحاسب الله جل وعلا المرأة المختلة الدين والعقل كما يحاسب الرجل تمامًا في المسؤوليات الدينية والجنائية والمدنية؟ إننا مطالبون وملزمون بالوقوف عند حدود تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقص لا نتعدّاه، لأننا إذا تجاوزناه فسنتوه في احتمالات وأوهام ومعان لم تُقصد. وهذا يدخلنا في محظورات اتباع المتشابه، الذي يُشكل معناه ولا يتبّين مغزاه، وكما يقع المتشابه في القرآن يقع في السنة، وقد نُهينا عن اتباع المتشابه وحُذّرنا منه. قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) آل عمران 7 ولم يقف البعض عند حدّ التأويل غير الصحيح للحديث السابق للذكر بل تداولوا العديد من الأحاديث الموضوعة التي تحمل ارتيابا في كفاءة المرأة وتشكّك في عقلها ودينها، ولن أتطرق لذكر أمثلة لتلك الأحاديث الموضوعة لأن واجبنا أن نتركها وأن نبرأ منها. إن كثيرًا من الخلل في فهم مقاصد الكثير من النصوص النبوية يعود إلى بتر بعض العبارات عن سياقها. فلنتقِ الله في ذلك، وفي الافتراء على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتشويه المقاصد النبيلة مما يقول أو يشير إليه. [email protected]