الاقتصادية - السعودية فقداننا أرصفة للمشاة داخل الأحياء وكثير من الشوارع التجارية عجيب غريب. ينطبق عليه قول المتنبي: ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام قلّ أن تزور مدينة في الدول الأخرى لا تتوافر أرصفة مشاة داخل أحيائها. نخرج للذهاب إلى المساجد فنسير في وسط الشارع معرضين أنفسنا لخطر السيارات. متعودين على سلوكيات خاطئة من حيث السلامة المرورية. نجأر من كثرة حوادث السيارات، ورغم ذلك لا نهتم بما فيه الكفاية بمعالجة جذور المشكلة. تربية وتعويد أطفالنا على السلوكيات المرورية السليمة ينبغي أن تكون أحد جذور المعالجة. أحد أهم محاور استراتيجياتنا للحد من الحوادث المرورية. ولكن أنى لنا أن نربيهم ونحن ننفذ شوارعنا وأرصفتنا بطريقة تجبر الناس والصغار خصوصا على المشي وسط الشارع؟ وجود أرصفة لاستخدام المشاة من عناصر السلامة الأولى، لأنها تقلل من احتمال تعرض المشاة لأخطار السيارات التي اشتهرت بلادنا بكثرتها. كما أن وجود الأرصفة من جهة أخرى يسهم في رفع الحس المروري لدى الصغار وأفراد المجتمع على المدى البعيد. وتزيد أهمية توفير الأرصفة مع التوجه لتوفير نقل عام فعال داخل المدن. كيف؟ هناك عوامل مؤدية إلى قوة الإقبال عليه. ومن أهمها وجود أرصفة مشاة آمنة تشجع نسبة كبيرة من الناس على المشي إلى المحطات. حسب ظني لا توجد لدينا أنظمة ومواصفات للأرصفة الآمنة والصالحة لاستعمال المشاة، وهذا عيب كبير. أما من جهة التنفيذ فإن الكل يعلم أن كثيرا من الشوارع الفرعية وكثيرا من الرئيسية عندنا خالية من الأرصفة أصلا، والشوارع المنفذ فيها أرصفة تتصف بأن أغلبية أرصفتها لا تصلح أو لا تحفز المشاة على استعمالها، لذلك اعتدنا صغارا وكبارا على استعمال قارعة الطريق، أي السير فيما خصص لسير السيارات رغم خطورة ذلك. والخطورة تزداد كثيرا بالنسبة للأطفال حين خروجهم من وإلى البيوت والمساجد والمدارس. إنني لا أدعي أن سير المشاة على الأرصفة يمنع نهائيا حوادث السيارات ضد المشاة، لكن من المؤكد أنه يقلل احتمال وقوعها ويقلل عدد ونسبة المصابين من جرائها بدرجة كبيرة جدا، ومعلوم أن تقليل المفسدة مطلوب. إن الواحد منا يتعجب كثيرا حين لا يرى اهتماما بعمل أرصفة تعزل المشاة عن حركة السيارات، خاصة داخل الأحياء، وإن عملت هذه الأرصفة فإن أكثرها مملوء بالعيوب المانعة من استفادة المشاة منها على الوجه المطلوب، أي أن معظمها عمل بطريقة لا تصلح للمشي. من هذه العيوب أن وسط الأرصفة (وليس حافتها) استعمل للزراعة وركبت فيه أعمدة الإنارة واللوحات الإرشادية بحيث يضيع الرصيف ولا يتبقى من جوانبه إلا مسافات ضيقة لا تصلح لاستعمال المشاة، ما يدفعهم إلى ترك الرصيف والسير في الشارع المخصص للسيارات. مدن كثيرة في العالم زرناها ورأينا أن الأشجار تزرع عادة على حافة الرصيف من جهة الشارع، بحيث تبقى مسافة كافية من الرصيف لاستعمال المشاة. مشكلة أخرى في أرصفة الشوارع، وهي كونها مرتفعة نسبيا، والمفترض أن ينخفض ارتفاع الرصيف (على أن يحزم في معاقبة السيارات التي تستخدمه)، وتزداد أهمية انخفاض الرصيف عند التقاطعات أي عند الأماكن التي يعبر منها المشاة الشوارع. مشكلة ثالثة وهي كون بعض الأرصفة المتصلة متفاوتة الارتفاع بشكل كبير بسبب تفاوت مناسيب البيوت أو الدكاكين، ما يدفع المشاة إلى عدم استخدامها. وكان من الواجب أن تمنع السلالم أو الدرج بين الأرصفة وأن يجعل الرصيف يرتفع وينخفض بما يجاري أو يساوي ارتفاع الشارع وانخفاضه، وهذا ما نراه منفذا عادة في الدول الأخرى الحريصة على سلامة المشاة وراحتهم. مشكلة رابعة وهي استعمال البيوت والمحال جزءا كبيرا من الرصيف درجا، ما يدفع المشاة أيضا إلى ترك استخدام الرصيف. كون المشاة يسيرون في الشارع أو أن السيارات تقف على الأرصفة، هذا الوضع المقلوب له أثر تربوي سيئ خاصة عند الأطفال: ينشأون على قلة الاحتراس والحذر، ويتربون على الفوضى. وهذه الفوضى التي يتربى عليها الصغار تجعلهم قليلي المبالاة لقواعد السلامة المرورية حينما يكبرون ويتولون قيادة السيارات. يشتكي المرور وغيره من قلة الوعي. إن الوعي لا يولد بين ليلة وضحاها بل يكتسب عبر التعود عبر السنين، ولذا لا نستغرب أن تأثير حملات التوعية المرورية ضعيف لأن من شب على شيء شاب عليه. يجب أن نهتم بمعالجة جذور المشكلة، التي تعود الناس على أنماط سلوكية مرورية سيئة. إن من العجب أن يوجد هذا العيب أصلا، رغم وضوح أنه عيب، ورغم سهولة تلافيه من المصممين والمنفذين. إن كثيرا من مصممي الطرق عندنا أو المشرفين على تنفيذها عاشوا في أو على الأقل سافروا إلى دول متحضرة مروريا، ورأوا أن تصميم وتنفيذ الشوارع وتنفيذها فيها تراعى فيه أقصى درجات الأمان المروري الممكنة، ومن أهم ذلك وجود أرصفة مناسبة للمشاة. يجب أن توضع مواصفات وتصاميم الأرصفة المناسبة للمشاة، وأن يجبر أصحاب المباني على اتباعها في كل الشوارع أو على الأقل في الشوارع التي يزيد عرضها على عشرة أمتار، وهذا من المؤكد أنه يقلل من حوادث المشاة، ويساعد مع غيره على تغيير ما اعتاد عليه أفراد المجتمع من سلوكيات مرورية سيئة. نحن نعرف اتساع الخرق، لكن هذا ليس بعذر كاف لإبقاء الأوضاع على حالها. إننا نؤمن بالقدر خيره وشره، لكننا نؤمن أيضا بأننا مسؤولون عن تصرفاتنا، ونحن مطالبون باتخاذ الأسباب، وعمل الاحتياطات لدرء أو تقليل المفاسد. وبالله التوفيق.