إعادة الحديث عن موضوع سبق الحديث عنه مصدر حرج للكاتب وإملال للقارئ وإزعاج للمسؤول؛ ولكن لا بدّ مما ليس منه بدّ! الموضوع يتعلق بسلامة المشاة في شوارع المدن عندنا. وعندما يدور الحديث عن مدينة الرياض، فذلك لا يعني انفرادها بمشكلة سلامة المشاة، بل هي مثال لمدن أخرى بالمملكة ينطبق عليها ما ينطبق على الرياض. أولاً: جسور المشاة و(قطّاع) الشوارع: عندما أكون في جدّة وأشاهد جسور المشاة المقامة فوق طريق المدينةالمنورة أشعر بأنها تشدني للصعود إليها لأعبر إلى الجانب الآخر من الطريق لما فيها من جاذبية واتساع واندماج مع البيئة المحيطة. وكنت أحلم بمثلها في شوارع الرياض. ويبدو أن الحلم بدأ يتحول إلى حقيقة. فقد بدأ تنفيذ عدة جسور للمشاة (أو تحسين الموجود منها) على طريق الملك فهد وطريق أبي بكر الصديق، فيها شيء من الجاذبية والتناغم مع البيئة المحيطة، وإن كانت ليست عريضة وجزءٌ من جوانبها مغطى، والأفضل أن تكون شفافة. والأمل كبير في أن تكون هذه حلقات في سلسلة من الجسور تمتد فوق شوارع الرياض الرئيسية - سواء منها الخالية من الإشارات أو عندما تكون الإشارات متباعدة. لقد سمعنا عن حوادث دهس لمشاة غامروا بقطع شوارع سريعة، وأحياناً يتوهم صاحب الحاجة ألا مفرّ من ركوب المخاطر. وعلى سبيل المثال يوجد في منتصف المسافة بين تقاطع طريق التخصصي مع كل من طريق الملك عبدالله وطريق العروبة مسجد حديث يصلي فيه إمام معروف بقراءاته الطويلة والجذابة للقرآن - لا سيما في شهر رمضان. لذلك يزدحم المسجد بالمصلين، وتضيق المواقف والشوارع المجاورة بسياراتهم؛ حتى أن بعضهم يوقفون سياراتهم على الجانب الآخر المقابل للمسجد من طريق التخصصي. وهنا تبدأ المغامرة، حيث يقومون بقطع هذا الطريق السريع متجاوزين الحاجز الخرساني في وسطه. في مثل هذا المكان الخطر يمكن لجسر المشاة أن يكون حلاً آمناً لسلامة العبور إلى المسجد. ستثار هنا نقطة جديرة بالاهتمام؛ وهي أنه على الرغم من وجود جسر للمشاة، فإن أغلبهم لا يريدون أن يكلّفوا أنفسهم عناء الصعود والهبوط، بل اختصار الأمر بقطع الشارع. وأذكر أن معالي الأستاذ عبدالله النعيم عقّب عند إثارة هذه النقطة في إحدى المناسبات القريبة بقوله (إن الناس سيتعوّدون)، وهذا صحيح مع شيء من التوجيه بلوحة إرشاديه تحذر من خطر قطع الشارع. ولست على يقين بأن سلامة عبور الشارع تحظى بأولوية الاعتبار عند الجميع. ولكني أراهن أيّ شخص يجرؤ على قطع شارع مثل طريق الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد - الخالي من تسهيلات عبور المشاة والمليء بالتحويلات المرعبة - دون أن تتضاعف سرعة نبضه. ثانياً - حقوق المشاة: حتى لا يظن أحد أن شوارعنا صممت لخدمة السيارات أكثر منها لخدمة البشر، نحتاج إلى نظام للمشاة ينظم حقوقهم - كما أن هناك نظاماً للمرور. وقد سبق الحديث عن جسور المشاة، ولكن حقوقهم لا تقف عند بناء الجسر، أو حتى النفق. - من حق السائر على قدميه منفرداً أو وهو يدفع عربة أن يمشي على رصيف مستو خال من الحفر ومن نتوءات أحواض الشجر ومن البضائع المعروضة، ومن أبواب المحلات المفتوحة إلى الخارج، ومن الدرج الذي يحتل أكثر من ثلث عرض الرصيف، ومن المكيفات الجدارية أو الصحراوية البارزة إلى الخارج (ربما لتنطح رؤوس المشاة) وأن يكون في بداية الرصيف ونهايته منخفض يسمح بسير عربات الأطفال وذوى الاحتياجات الخاصة. وإذا كان الرصيف نفسه مرتفعاً بسبب ارتفاع مستوى الأرض التي أقيمت عليها المباني أن يقام سياج جانبي أو في الوسط على الدرج الصاعد إلى الرصيف يتمسك بها المحتاج - وكذلك منحدر لانزلاق العربات، كما هو متبع الآن في الأرصفة ومداخل البنايات المنشأة حديثاً. من أغرب عراقيل المشاة أن ترى محلّاً يقيم (لدواعي ديكورية!) عمودين أمام المدخل على حافة الرصيف ويرفع الرصيف بكامل عرضه بمقدار درجتين، مما يعيق كبير السن أو من يدفع عربة أن يواصل السير، وفي العتمة لا يستبعد أن يتعثر الماشي ويرتطم بالدرج، وما ينطبق على هذا الوضع الشاذ ينطبق على خفض الرصيف بمقدار درجة أو درجتين أمام محله. فهل يجوز ذلك - وبأي حق؟ الظلم على الأرصفة لا يقع فقط من أصحاب المحلات، بل أيضاً من انشغال المسؤولين عن سلامة المشاة بأولويات أهمّ. لذلك لا يندر أن تجد رصيفاً مهدّماً وضيقاً بسبب تحويلة مرورية، ومتروكاً على حاله، ومحصوراً بين الحواجز الخرسانية وحافّة نفق آو شيء آخر، بحيث لا (يفوز بلذة المشي إلا الجسور). وشبيه بذلك المشي بمحاذاة مبنى تحت الإنشاء. ربما لاحظ المسافرون إلى الخارج أنه يوضع في مثل هذه الحالات ممرات مهيأة للمشاة وآمنة. إن الأرصفة الخالية من العيوب المذكورة وغيرها هي من حق المشاة، بل إنها من حق مدينة الرياض نفسها حتى تبقى مدينة جميلة وصحية. ومع أن أمانة الرياض تبذل جهداً ملحوظاً ورائعاً، وكذلك إدارة المرور إلا أنهما قادرتان أيضاً على فعل المزيد من أجل راحة وسلامة المشاة. - أما حق المشاة العزّل على سائقي السيارات فإنه حق مضاعف مركّب من حق السلامة وحق الذوق السلوكيّ. وأظن الكثير منّا قد مرت بهم تجارب من هضم هذا الحق. فعندما يكون أحدنا خارجاً من المسجد أو من بيت أحد الأصحاب أو من البقالة في الحيّ وسائراً في اتجاه المنزل -أو العكس- يلاحظ بانزعاج أن كثيراً من سائقي السيارات لا يقفون أو يهدّئون عندما يهمّ هو بعبور الشارع. بل حتى عندما يكون قد عبر نصف عرض الشارع لا يقف بعضهم، وإنما يلتف حول العابر من الأمام ليتخطاه. ومثال آخر أخطر من السابق: عندما تقف على حافّة شارع عام وليس أمامك إشارة ولكن خطوطا محددة لعبور المشاة، ثم تهمّ بالعبور؛ هل تتوقف السيارات لتعطيك فرصة العبور، أم تنتظر إلى أن ترى السيارات القادمة على بُعد كاف يسمح لك بالعبور؟ ربما تساعد التوعية وبعض اللوحات الإرشادية على تذكير سائقي السيارات بحق المشاة. ولكن الأهم أن يكون ذلك الحق دائماً في صلب اهتمام الأمانة والمرور، حتى لو تقاعسنا - نحن المشاة - في الإبلاغ بملاحظاتنا.