اليوم - السعودية تتصف غالبية العقود التي يبرمها المستهلك بالسرعة التي لا تمكن المستهلك من التروي والتأني قبل اتخاذ قراره النهائي في إبرام العقد، الأمر الذي دفع العديد من التشريعات القانونية إلى النص على إعطاء المستهلك مهلة زمنية محددة لإعادة النظر في إبرام العقد مرة أخرى، وقد سارت العديد من القوانين في تقرير هذا الحق على خطى الشريعة الإسلامية التي قررت حق الرجوع في التعاقد. وحق الرجوع في التعاقد في الفقه الإسلامي لا يوجد له تعريف واضح ومحدد، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن حق الرجوع في الفقه الإسلامي من الحقوق الثابتة والواضحة ولا تحتاج إلى وضع تعريف محدد لها، ويعرف حق المستهلك في العدول عن العقد في القانون بأنه: «رغبة أحد المتعاقدين بنقض العقد والتحلل منه دون توقف على إرادة الطرف الآخر». وقد قررت الشريعة الإسلامية حماية فاعلة للمستهلك وأكدت على حقه في الرجوع عن التعاقد وقررت له مجموعة من الخيارات منها: خيار العيب الذي يسمح للمشتري بإرجاع البضاعة إذا وجد فيها عيباً ينتقص من قيمتها، وخيار الرؤية الذي يجيز للمشتري إرجاع السلعة التي لم يرها عند التعاقد، إضافة إلى خيار التعيين، وخيار التغرير، والغبن الفاحش الذي سبق لنا الحديث عنه، وكافة هذه الخيارات تحمي المستهلك وتؤكد على حقه في الرجوع عن التعاقد. والعدول عن العقد حق من الحقوق التي تقررت للمستهلك في العديد من التشريعات القانونية لتحقيق مصالحه، وهو استثناء على مبدأ القوة الملزمة للعقد وخاص بعقود الاستهلاك دون غيرها، ويرجع السبب في تقرير هذا الحق إلى أن المستهلك هو الطرف الضعيف في العقد الذي يفتقر للخبرة والمعرفة مقارنة بخبرة الطرف الآخر في العقد، إضافة إلى عدم وجود ما يحمي مصالح المستهلك في النظرية العامة للعقد، لذا لجأت القوانين إلى حماية المستهلك بتقرير هذا الحق. ويتشابه هذا الحق مع خيار التجربة، وخيار الشرط في الشريعة الإسلامية الذي يشترط فيه المتعاقدان أو أحدهما الحق في إمضاء العقد أو فسخه في زمن معين، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: «ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيع، فقال له: إذا بايعت فقل لا خلابة، ثم أنت بالخيار إذا بعتها ثلاث ليال». فهذا الحق يقرر للمستهلك الخيار في نقض العقد إذا تبين له عدم ملاءمة السلعة أو البضاعة لحاجاته ورغباته خلال مدة زمنية محددة. وعند قيام المستهلك باستعمال حقه في العدول عن العقد فلا يلتزم بدفع أية نفقات ما عدا ما يتصل بنفقات إرجاع البضائع عند إعادتها إلى البائع على أن تكون في حالتها التي استلمها بها وقت التعاقد وبنفس الكمية، ويسأل عن تلفها أو هلاكها هلاكاً كلياً أو جزئياً، ضماناً لعدم تعسفه في استعمال الحق في الإضرار بالبائع أو في تجاوز الغرض من تقرير هذا الحق، وحفاظاً على حقوق الغير من الإضرار بها، كما يلتزم البائع أيضاً برد الثمن إلى المستهلك خلال مدة زمنية معينة. ومن المؤسف أن بعض الباعة في المملكة والدول المجاورة لا يعطي المشتري الحق في إرجاع أو استبدال السلعة حتى لو وجد عيباً فيها، ونرى في الدول الغربية خصوصاً أمريكا أن الباعة والمحلات التجارية تعطي للمشتري ضماناً بالرضاء (Satisfaction Guaranteed) عند شراء سلعة ما وإذا لم يصبح راضياً بعد شراء السلعة رضاءً تاماً يمكن له ردها دون إبداء الأسباب، ودون أي سؤال أو ممانعة من البائع. وختاماً، فنحن في المملكة نرى ونلمس السعي الحثيث من لدن الجهات المعنية من أجل حماية المستهلك وحماية متطلباته الضرورية واحتياجاته الاستهلاكية، ونأمل في القريب العاجل أن يصدر نظام خاص بحماية المستهلك -طالما أنه يوجد الكثير من القواعد الشرعية التي تكفل حقوق المستهلك وحمايته- الذي سبق وأن نادينا بضرورة إصداره من أجل زيادة وتأكيد الحماية لجمهور المستهلكين. [email protected]