الاقتصادية - السعودية كثير من المدربين تحقق فرقهم بطولات تحت قيادتهم، لكنهم لا يسكنون ذاكرة الجماهير مقارنة بآخرين بطولاتهم أقل. وهنا يبرز السؤال: هل تحقيق البطولات هو المعيار الوحيد الذي يمكن إخضاع تجربة المدرب تحته، عند الحكم عليها بالنجاح أو الفشل؟ السؤال يفتح بابا عريضا للعديد من الإجابات المختلفة، وما يستقر في الذهنية منها، ما ارتبط بالدليل الحي الملموس. لا جدال، أن عدد البطولات معيار منطقي وقوي لا يمكن مجابهته عند الخوض في هذا النقاش، لكنّ هناك معيارا آخر يمكن أن نسميه "البصمة"، يختاره كثير من المختصين في كرة القدم عند الإجابة على السؤال أعلاه. في الهلال، صاحب السجل الأعلى في البطولات بين الأندية، يحمل الروماني إيلي بلاتشي الرقم القياسي في مرات التتويج مع الأزرق، متفوقا على أسماء عظيمة وعالمية قادت الفريق، فهل يمكن تصنيفه أعظم مدرب مر في تاريخ وحش المنصات؟ بالأرقام، نعم، لكن: هل ترك بلاتشي حين غادر الهلال بصمة لا تنسى شكلت جزءا من الثقافة الزرقاء؟ شخصيا لا أعتقد. ولذلك يذهب كثير من الهلاليين إلى تصنيف البرازيلي خوسيه كاندينو أعظم مدرب في تاريخ أزرق الرياض، نسبة إلى الإرث الثقافي الذي تركه مع مغادرته الأولى للعاصمة وساهم به، في تلوين ذائقة الهلاليين وفريقهم فيما تلاها من سنوات. أهم ملامح الثقافة ال "كاندونية - الهلالية" -نسبة إلى كاندينو، هي تصدير لاعبين شبان ذوي مهارات عالية وخلاقة إلى المشهد الرياضي في البلاد، ما أصبح سمة غالبة في كل الأجيال الزرقاء اللاحقة، يتقدمهم يوسف الثنيان، سعد مبارك، اليوسف، الحبشي، التخيفي ولاحقا التيماوي والجابر، كما بذر كاندينو في نفوس الرجال الزُّرق، التحدي، والجرأة على التغيير وكسر قيود التقليدية وعدم الخضوع لعقدة النجم الواحد. وأي إرث بعد ذلك يحتاج إليه مدرب في تاريخه..! القطب العاصمي الآخر، النصر، يحمل البرازيلي فورميقا الرقم القياسي في البطولات المسجل باسم مدرب واحد مع الفريق، وهو أول مدرب يحقق ثنائية الدوري والكأس في موسم واحد، مع الأصفر، وهو المدرب الساكن في ذاكرة النصراويين القدماء، ومن عزز حضور اللاعبين الشبان في قائمته وأطلقهم في سماء النجومية. قلت للهداف التاريخي ماجد عبد الله: وفق ما سبق هل يمكن تصنيف فورميقا أعظم مدرب في تاريخ الأصفر؟ أجاب: لا شك في أنه مدرب عظيم، وأرقامه لم تكسر حتى الآن، ورغم هذا أعتقد أن اليوغسلافي الراحل بروشتش هو أعظم مدرب مر على الأصفر. قلت: لماذا؟ قال: ذاك الرجل غادر النصر ولم يغادرنا، كل ما فعلناه لاحقا في مسيرتنا كلاعبين، ستجد فيه بصمات بروشتش. في اتحاد جدة، لا يمكن أن يقف مدرب في موازاة البلجيكي ديمتري بالأرقام، حتى بات عقدة صفراء لا يمكن الانفكاك منها، يتذكره الاتحاديون فتلمع المآقي شوقا إلى حقبته، ورغم هذا قال لي سد الاتحاد العالي ذات حوار: الإنجليزي بوب هاوثون هو المدرب الأعظم في تاريخ العميد. لماذا؟ أجاب: هاوثون كان منعطفا في التاريخ الأصفر، على يديه زرعت بذور كثيرة في الاتحاديين لاعبين وجماهير وعاملين، لقد كان رجل تحدٍّ مختلف، فجّر الطاقات الإيجابية في دواخلنا، ووضعنا على طريق الانتصارات. الأهلي المصري صاحب العراقة والتاريخ الممتد قرنا من الزمان، في سجلاته مدرب حقق 17 بطولة في خمسة أعوام متتالية، مضافا إليها بطولتان في عام منفصل، ولديه رقم تاريخي لا أظنه موجود لدى أي فريق على هذا الكوكب، حين حقق بطولة الدوري بفارق 31 نقطة عن الثاني، هل يمكن تصديق ذلك؟ نعم فعلها مانويل جوزيه مع أهلي القاهرة، ولا يمنع كل هذا، كثيرا من المصريين اختيار هيديكوتي أعظم مدرب في تاريخ ناديهم، لماذا؟ لأنه شكل ثقافة لم تسقط بغيابه. بصمة المدرب التي تشكل ثقافة إيجابية على مر الزمان، هي بمثابة الاستثمار في الإنسان، هي شيء يشابه بناء مدرسة للأطفال تخرج أجيالا متلاحقة، فيما مدرب البطولات يشابه من يمنح الأطفال ذاتهم مالا ينفد في وقت ما، ولا يبني لهم مدرسة.