ليبانون ديبايت - بيروت منذ عصر الحريم كانت المرأة جسدًا يتلّوى لإثارة المتعة والرغبات.. وفي القرن الواحد والعشرين جمال أنثوي متشّح بكل ما يلزم من عريّ وإباحية وإغراء يفرض نفسه على الشاشات وفي المجالين الفنّي والإعلاني... جسد مستباح للنظر والهوامات الجنسية .. فنظراً لما للجسد من تأثير كبير على توليد الهوامات والرغبات الجنسية، كان من الطبيعي أن يُستغل الجسد لجني الأرباح عبر استثارة المُشاهد وحصر اهتمامه بالبحث عن المتعة البصرية وتفعيل الشهوات الاستهلاكية لبيع السلعة سواء أكانت بضائع يروّج لها في الإعلانات أو نتاجات فنية أو برامج "ثقافية". لكن الغريب بامتياز أن ترضى امرأة القرن الواحد والعشرين بأن تعيد نفسها إلى عصر الحريم لتصبح وسيلة لاستثارة الرغبات وسلعة تبيع وتُباع، مرسّخة في الأذهان صورة الجسد المستباح للذين يدفعون، ناسفة بذلك كل جهود اللجان النسائية الناشطة من أجل اعتبارها إنسانة حرّة. الجسد ملاذ للشباب يهربون إليه من أزماتهم ... تهيمن على العالم العربي كله اليوم حالة من الضياع والتخبّط والبحث عن الهوية الوجودية واستشراء الفقر، والعجز عن تأمين متطلّبات الحياة الكريمة، وتضخّم الأسعار وزيادة الضرائب، وارتفاع عدد المصابين بالإحباط والاكتئاب من الشباب العاطلين عن العمل الحالمين براتب يشعرهم بالقليل من الاستقلالية والثقة بالنفس والأهمية الذاتية، وما إلى هنالك من الأزمات المعيشية والنفسية الضاغطة.. في المقابل ما تزال الحكومات عاجزة عن إيجاد الحلول لهذه المعضلات. ما يفسّر تشدُّد الرقابة حيث لا ينفع تشدّدها وغيابها الكامل في ما يتعلق بكل التلوث البصري. ففي لبنان مثلاً نلمس حضورًا للرقابة على الشاشة من خلال جملة تشير إلى إمكان متابعة الأبناء ما دون سنّ معينة لفيلم محدد بحضور الأهل.. لكننا في المقابل نراها تتساهل مع هذا الوابل من العري والإغراء في البرامج الفنية والفيديو كليب والإعلانات، ما يدفعنا للتساؤل عمّا إذا كان هذا التساهل مقصودًا أم لا، وما الهدف منه؟ والواضح أن ما يفرض علينا من فضائح وشائعات وإباحية يهدف إلى إيجاد ملاذ للشباب يهربون إليه من أزماتهم، سيّما وأن ارتباط الجنس بالمرأة كان وسيبقى هاجس الشعوب مهما اختلفت ثقافاتهم وأعمارهم. وفي هذا الإطار يحضرني قول الكاتبة الأميركية سوزان سونتاغ: "إن أكبر تحدّ للثوابت والعقل هو الجسد". مخاطر التلوّث البصري والسمعي والنفسي على الشباب... في دراسة ميدانيّة لبنانية شملت عيّنة من 800 مراهق ومراهقة تتراوح أعمارهم ما بين 15 و20 سنة، تبيّن أن 75% ممّن شملتهم الدراسة يعانون العوارض التالية: ضعف في السمع، قلة التركيز، فشل دراسي، سرعة الانفعال، إدمان على الكحول والتدخين، الانطوائية مع استغراق في أحلام اليقظة التي تدور حول الحب والجنس، وبالتالي الإدمان على ممارسة العادة السرية لأن مشاهدة العري أنتجت صورًا ذهنية ترسّخت في الذهن. ولا يخفى على أحد الصراعات النفسية الجنسية التي يعيشها المراهقون والتي لا بدّ من تصريفها بشكل أو بآخر. لذا توفّر لهم مشاهدة العري والإباحية سبل التماهي والإسقاطات من خلال الاستغراق في التأمّل الحالم الذي يمكّنهم من إشباع بعض الرغبات المكبوتة أو اللاواعية التي يعجزون عن إشباعها في الواقع. لذلك تدور أحلام اليقظة عندهم على الحب والجنس وينشأ عنها أنماط سلوكية سوية أو غير سوية، لأن المراهق يتماهى بنموذج ويبني خبراته على أساسه ويخوض تجارب لاواعية في عالم افتراضي وهمي. وهنا أعود لأستشهد بما قالته سوزان سونتاغ بأن "الصورة هي وجود متخيّل، إستدعاء للغائب، وتحريض على أحلام اليقظة". لذلك خلصت الدراسة إلى أن الإباحية المعروضة اليوم تشكّل أول مادة مسبّبة للإدمان لأنها تمطر المشاهد بوابل من صور الخلاعة والإيحاءات الجنسية، ما ينذر بتطوير ميول جنسية منحرفة، فضلاً عن أن الإدمان على ممارسة العادة السرية يجعل ممارسها يفضّلها على العلاقة الطبيعية. وتأثيره على المتزوجين.. وفي دراسة أخرى حول تأثير هذا التلوّث البصري على المتزوجين، شملت 400 زوج تبين أن 65% من الرجال تغيّرت رغباتهم الجنسية بعدما ترسّخت في أذهانهم صورة لامرأة جميلة تتفنّن في الإغراء تختلف عن زوجاتهم، ما أفضى إلى عدم تقبّلهنّ لتأثّرهم بالنموذج الذي يحاكونه، فكانت الخيانة الزوجية ملاذهم الوحيد، ما ضاعف حدّة الخلافات بينهم.